ينشر "أهل مصر" دراسة رائد أدب الأطفال والمصنف في قائمة أعظم عشرة كتاب في العالم الكاتب الكبير يعقوب الشاروني رسالته التي قدمها في مهرجان الشارقة القرائى، وذلك بعد أن حصلنا على موافقته بنشرها كاملة..
ورشة " صورة متكملة " مشروع إبداعى تفاعلى
" مدخل إلى كتابة القصة للشباب الصغير ،
ومع الشباب الصغير "
دراسة من إعداد
يعقوب الشارونى
الشارقة
22-23 إبريل 2019
" مدخل إلى كتابة القصة للشباب الصغير ،
ومع الشباب الصغير "
دراسة من إعداد : يعقوب الشارونى
القسم الأول
من تجربتى فى كتابة القصة والرواية
يسألنى عدد كبير من القراء ، صغارًا وكبارًا ، يتابعون مطالعة قصصى ورواياتى ، يقولون : " قرأنا لك قصة أبطالها يعيشون فى واحة صغيرة بالصحراء الغربية ، ومنذ الصفحة الأولى تصورنا أنك عشت وعايشت بصدق مَن تكتب عنهم ، فمن السطور الأولى ومن أول جملة حوار ، تكون قد دخلت بنا إلى نفوس وانشغالات وعقول أهل تلك الواحة ، وهم يواجهون أصعب تحديات الحياة فى الصحراء ، بإمكانات محدودة للغاية فى واحة منعزلة " . (يشيرون بذلك إلى روايتى " معجزة فى الصحراء")
أو يسألوننى : " كتبتَ رواية عن أهل منطقة عشوائية احترقت السوق الشعبية التى يعتمدون عليها فى حياتهم ، حيث يمارسون مهنهم البسيطة أو تجارتهم الهامشية ، فهل كنت تسكن فى عمارة تطل على تلك السوق أو لك أصدقاء هناك ، وبذلك استطعت أن تجعلنا نشعر من أول فقرة وأول سطر أننا نعرف المكان وأهله ، وما يواجههـم من تحديات، وكيف يتعاونون فى مواجهة المفاجآت ؟ " (يقصدون روايتى " ليلة النار")
وعندما كتبت عن قريتى فى عدة روايات ، ظن معظم القراء أننى ولدت فى قرية ريفية قضيت فيها سنوات من طفولتى . وعندما أُجيب بأننى من مواليد القاهرة وعشت طوال حياتى فيها، أسمع السؤال التالى : " كيف إذن عايشت البشر والمكان والعادات والتقاليد وأسلوب التفكير فى هذه البيئات المختلفة المتعددة ، التى تختلف فى كثير أو قليل عن القاهرة التى عشت فيها ؟ "
عندئذٍ بدأت أساءل نفس الأسئلة ، بحثـًا عن إجابات .
* منذ سنوات حياتى الأولى أحب السفر وزيارة الأماكن الجديدة ، والتعرف على البشر قبل الحجر . ومنذ كنت فى المدرسة الابتدائية وأنا فى التاسعة أو العاشرة من عمرى ، كنت شغوفًا بكتابة القصص القصيرة المستمدة من زياراتى لمختلف الأماكن وتعرفى على نماذج متعددة من البشر ، مستعينًا بما أسجله كل ليلة فى " كراس يومياتى " أو مذكراتى . وكان من الطبيعى أن تدور أولى رواياتى القصيرة للأطفال واليافعين ، حول خبراتى التى عايشتها أثناء زياراتى فى العطلات الصيفية لبيت جدى لوالدتى فى قرية شارونة بمحافظة المنيا بصعيد مصر .
وشيئًا فشيئًا بدأت أهتم بقراءة المجلات الأدبية والثقافية ، وروايات ومسرحيات كبار الكُـتـَّـاب ، وقراءة كتب التربية وعلم النفس التى كان يدرسها أخى الأكبر فى كلية الآداب بالجامعة .
- وبدأت تثير اهتمامى القضايا التى أخذت تشغل المجتمع ، مثل أهمية دور الفتاة والمرأة فى التنمية ، وتزايد مشكلة العشوائيات حول المدن الكبرى نتيجـة ضيق الرقعة الزراعيــة التى لم تعــد قادرة على استيعاب الملايين من المواليـد الجدد فهاجروا إلى المدن الكبرى بحثـًـا عن عمل ، فلم يجدوا إلا أطراف المدن يعيشون فى مناطقها العشوائية حياة لا يتوافر فيها الحد الأدنى من إمكانات الحياة لا فى الريف ولا فى المدن .
وقادنى هذا إلى التفكير فى مساحات صحراء مصر الواسعة التى لا تلقى من العناية إلا أقلها ، فبدأت أهتم بالتعرف على الصحراء وأهلها وكيف يعيشون . كما تعرفت على ما يمكن أن تقدمه الصحراء من إمكانات غير محدودة فى مجالات السياحة والتعدين ومزارع الرياح والطاقة الشمسية والنباتات الطبية ، فقمت بزيارات ، وتوسعت فى القراءات ، وحرصت على المشاركة فى معظم الفاعليات حول الصحراء من ندوات ومؤتمرات لأستمع لخبرات من عايشوا الصحراء واكتشفوا كثيرًا من أسرار الحياة فيها .
كذلك بدأت تشغلنى قضايا الأطفال المعاقين التى لم يتنبه إليهـا المجتمـع إلا فـى ثمانينيات القرن العشرين ، وظاهرة أطفال الشوارع أو الأطفال بغير مأوى الذين تفاقمت مشكلاتهم بسبب ازدحام أطراف المدن بالفقراء والعاطلين عن العمل .
ونتيجة عملى الثقافى المباشر مع الطلبة ، تنبهت إلى أهمية اكتشاف موهبة كل طفل وضرورة تنميتها . وتنبهت بقوة إلى دور الأسرة والمدرسة فى تنمية عادة القراءة عند الأطفال .
كذلك تنبهت إلى إمكانات الحياة على شواطئ البحار التى تمتد حول حدود مصر لأكثر من ( 2400 ) كيلو متر ، وأنه من الممكن أن تنشأ على هذه الشواطئ مجتمعات عمرانية كبيرة تعمل فى مجالات السياحة والغوص والمزارع السمكية وموانى هواة السياحة البحرية وهوايات الصيد وغيرها من الأنشطة .
- وهكذا عشت حياتى - على نحو مباشر ، أو غير مباشر عن طريق الاطلاع أو الاستماع - مهتمًّا بقضايا البشر التى تشغل المجتمع ، مع رصد التغيرات التى تحدث فى مختلف المجالات : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وعلى وجه خاص تغير أدوار الشباب ، وتزايد قوة تواصلهم ، وقدرتهم على التأثير فى المجتمع نتيجة وسائل التواصل الاجتماعى التى أنشأت تواصلاً بين كتل ضخمة من اليافعين والشباب ، فأصبح لهذه الكتل من قوة التأثير الملموس فى مجتمعاتنا ما جعل البالغين يكتشفون تغير شكل العلاقة بين الكبار والصغار ، وأن الصغار قد أصبحوا أهلاً لتحمل المسئولية ، يبحثون عن التواصل أكثر من كونهم أبرياء يحتاجون إلى الحماية .
وبعد أن كان الكبار يتصورون أن الشباب فى حاجة دائمة إلى حماية الراشدين ، أصبح الراشدون ، لأول مرة على مدى التاريخ ، يجدون أنفسهم فى حاجة إلى الشباب .
كما أن المشاركـة وليــس التسلـط قد ظهــرت بطــرق مختلفــة ، وبــدأت القــدرات
الإنسانية للشباب فى الانطلاق بعد أن كانت مُـقَـيَّدة .
* هذا الانشغال الدائم بقضايا المجتمع والعصـر ، والتنبـه إلى ما يحـدث من تغيـر وتفاعـل بيـن الأجيـال ، وبروز قضـايا كانت مسكوتًا عنهـا ، مع متابعـة ما يحـدث فى العالـم وينعكـس على مجتمعاتنا
ومستقبلنا ، كل هذا جعلنى مُعايشًا لخلفيات كثير من القصص والروايات التى كتبتها فيما بعد .
- مثلاً وأنا أعايش قضية أهمية التوجه إلى الصحراء لتحقيق تنمية سكانية واجتماعية واقتصادية ، قرأت ذات مرة معلومة مختصرة جدًّا عن واحة تعتمد منذ مئات السنين على بئر ماء وحيدة فى معيشتها : فى مطالب الحياة اليومية والزراعة والرعى ، وأن تلك البئر انسدت ذات يوم . ولم تذكر المعلومة ماذا حـدث بعـد ذلك ، لكنـى كنـت أعرف أن سكان تلك الواحة لا يزالون يعيشون فيها .
عندئذٍ أدركت أننى عثرت على " مفتاح " عمل روائى متميز عن الصحراء ، فبدأت أجمع معلومات عن تلك الواحة . بالإضافة إلى كم المعلومات الهائل الذى كنت قد عايشته من قبل أو وصلت إليه عن طبيعة البشر والحياة فى الصحراء والواحات . كنت ألجأ دائمًا ، كما ذكرت ، إلى الدفتر الصغير الذى أدون فيه مشاهداتى وخبراتى وما يشغلنى من أفكار ، وأسجل فيه كل ما يبدعه خيالى من خطوط للعمل الروائى الذى بدأت ملامحه ترتسم أمامى .
وظل هذا الموضوع يشغلنى أيامًا وشهورًا وأنا أتساءل : " كيف واجه أهل الواحة انسداد مصدر المياه الوحيد للحياة فى الصحراء ، وعلى وجه خاص فى الساعات والأيام الأولى بعد وقوع تلك الكارثة التى لا تحتمل تأجيل حلها ولو ليوم واحد ؟ "
ثم أعود إلى ما كتبت مرة بعد أخرى ، فأضيف إليه أفكارًا توضح سِمات شخصيات القصة ، وما رسمه خيالى من أحداث ومشاعر وأفكار حول أهل الواحة وما قاموا به لمواجهة تلك الكارثة ، فى ضوء ما عرفته من إمكانات بشرية وطبيعية وجغرافية عن الحياة فى تلك الواحة وأمثالها .
هكذا تَخَلَّقَت أمامى عناصر الرواية : الفكرة والموضوع والأبطال وهم أهل الواحة ، والخصم الذى لم يكن هنا شخصًا ، لكنه تلك البئر المسدودة . إنهم يقاومون خطر الهلاك العاجل ، ويبحثون عن الحل الذى يكمن فيه إمكانية استمرار الحياة ، وهو حل لا يجب أن يتأخر عن ساعات لكى لا يموتوا عطشًا .
هكذا وجدت أمامى ثروة من المشاهد والصور والشخصيات والحوارات والأحداث التى كتبتها ، فبدأت أضع تخطيطًا للرواية : كيف تبدأ ، وكيف تصل إلى ذروة بعد أخرى لحل هذه العقدة التى لا نهاية لها إلا الحياة أو الموت . وهكذا تَشَكَّـلَت حبكة القصة حول الصراع فى سبيل البقاء ، وهو صراع يجب أن ينتصروا فيه ، يتحداهم وقت ضيق وندرة الإمكانات.
كما بدأت الشخصيات تتجسم أمامى ، ويتضح دور كل واحد منهم فى ضوء إمكاناته الجسمية والنفسية والثقافية ، وتفاعله مع بيئته ، ومدى شعوره بالمسئولية وقدرته على تحملها .
وأصبحت أبحث عن المواقف المتتالية التى يؤدى كل منها إلى ما بعده على نحو منطقى مفهوم ، والتى يتعايش القارئ من خلالها مع ما يشعر به هؤلاء الناس ، وكيف يفكرون ، ويتعاملون معًا ويتصرفون ، وكيف يختلفون ثم يصلـون إلى قـرارات يغامـرون بتنفيذهـا على الرغم مما يحيطها من أخطار ومفاجآت ، بحثـًا عن الخلاص أثناء صراعهم من أجل الحياة .
وهكذا ولدت قصة " معجزة فى الصحراء " ، التى أجمع عدد من أهم المتخصصين علـى أنها واحـدة من أهم ثلاثة أعمال للأطفال واليافعين على مستوى الوطن العربى . (فازت باختيارها ضمن القائمة القصيرة النهائية لجائزة الشيخ زايد لأدب الأطفال على مستوى العالم العربى عام 2014).
وعندما انتهيت منها ، عدت أراجعها مرة بعد أخرى ، ثم قرأتها على عدد من الأصدقاء من الأدباء والنقاد أو طلبت منهم قراءتها ، ثم دعوتهم ليتحاوروا معى حول أية فكرة أو ملاحظة قد تبدو لهم أثناء الاستماع أو القراءة ، حتى إذا كانوا غير مقتنعين بتلك الملاحظات على نحو كامل . وكلما وصلتنى ملاحظة من صديق ، أُعيد قراءة العمل ، فأجد أحيانـًـا شيئـًـا كان واضحًا فى ذهنى لكن لم توضحه الكتابة بشكل كافٍ ، أو أكتشف جملاً لم يصل المعنى من خلالها على النحو الذى كنت أقصده ، أو أكتشف فى السرد فجوة هنا أو هناك .
إن بعض الملاحظات قد لا تزيد على قول المستمع أو القارئ : " لقد أقلقتنى هذه الفقرة " ، فأعيد قراءة تلك الفقرة أكثر من مرة لأجعلها أكثر قوة ووضوحًا وإقناعًا.
كان يكفينى من هذه الملاحظات أن أتوقف أمام هذه الفقرات أو تلك العبارة ، لأكتشف ما تحتاج إليه من تعديل أو إضافة ، أو لأزيل قلق قارئ محتمل عَـبَّرَ عنه صديق أو أصدقاء ممن قرءوا العمل قبل تسليمه إلى دار النشر .
وليس معنى هذا أن " كل " الملاحظات التى قيلت كانت على نفس الدرجة من الأهمية ، لكنها جميعًا ساعدتنى على أن أعيد النظر فى عملى بعيون الآخرين وفى ضوء خبراتهم .
* بعد هذا السرد لبعض جوانب تجربتى فى الكتابة ، يمكن إعادة صياغة هذا الذى عرضته ، فى شكل منهج محدد المراحل ، يمكن أن يساعد فى تنمية موهبة كتابة القصة أو الرواية .
القسم الثانى
كيف نكتب قصة
تاريخ القصص هو تاريخ البشرية . لقد عاشت القصص من جيل إلى جيل واستفدنا منها جميعًا ، ليس فقط لما فيها من تسلية وتشويق ، بل لأنها تنطوى أيضـًـا على عصارة الخبرة والتجربة الإنسانية . إن الطفل الذى تم إثراء حياته بالقصص هو طفل غنى حقًّا ، فالقصص تساهم فى تنمية المحصول اللغوى والحفاظ على التراث الثقافى ، وفى تنمية التذوق الأدبى ، وحفز العقل على التفكير ، وتنمية القدرة على فهم النفس وفهم الآخرين .
إن لدى الشباب الصغير والأطفال رغبة طبيعية للاستماع إلى القصص . إنهم يحبون الاستماع إليها وحكايتها ، وإذا أحبوا أن يكتبوها أيضـًـا فإنهم سيكتسبون خبرات وقدرات عملية ونظرية ومتعة تستمر معهم طوال الحياة . وهذه الدراسة تحاول أن تفتح آفاق معرفة فن كتابة القصة وكيف نستمتع بهذه العملية .
الصفحـات القادمـة ستساعدكـم أن تتعرفـوا علـى ما هـى القصـة ، ثم تقودكـم لمعرفـة الخبـرات
الأساسية لبناء القصة ، على أن نتنبه دائمًا إلى أهمية التفكير الإبداعى الابتكارى ، سواء عند كتابة قصة أو فى أى مجال آخر من مجالات الفن أو الحياة ، وأن نتذكر دائمًا أننا نكتب عملاً إبداعيًّا ولا نكتب مقالاً . إن القصة هى حكاية لها معنى، ممتعة تجذب انتباه القارئ ، وعميقة تعبر عن الطبيعة البشرية.
مع ملاحظة أنه مهما بَـيَّنا من خطوات أو عناصر للكتابة ، فمن حق المؤلف أن يتحرك بحرية أينما يريد ووقتما يشاء ، وأن يعتبر ما ذكرناه مجرد مؤشرات تساعده على الوصول بكتابته إلى مستوى أفضل .
وعن طريق الأفكار التى نقدمها فى هذه الدراسة ، وما يمكن أن يبتدعه المُوَجِّه أو المعلم من أفكار وأساليب ، فإن الطلاب سرعان ما يحصلون على خبرة تساعدهم على كتابة قصصهم الخاصة ، وبالتالى يمتلكون القدرة على تذوق وتقدير كل أنواع الأدب .
ما هى القصة
القصة : هى حكاية تـُـحكى أو تـُـكتب . ويمكن أن تكون طويلة أو قصيرة ، القصة الطويلة جدًّا هى " رواية " . والقصة التى تتراوح ما بين ثلاث وعشر صفحات هى " قصة قصيرة " ، لكن بعض القصص قد لا تتجاوز صفحة واحدة .
ونحن نستمتع بقراءة القصص لأننا نستخدم خيالنا فى " رؤية " شخصيات القصة وأين يعيشون، وماذا يفعلون . كما أنه يمكن بسهولة إعادة قراءة القصة أو فقرات منها إذا لم نفهمها من القراءة الأولى ، أو إذا أعجبتنا وأردنا الاستمتاع بقراءتها مرة أخرى . وعندما نقرأ قصة أكثر من مرة ، سنكتشف ونلاحظ أشياء لم نتنبه لها فى أول قراءة، ونفهمها ، وبالتالى سيزيد إعجابنا بها . ومن أهم أسباب حُب الناس للقصة القصيرة ، أنه يمكن فى جلسة واحدة أن نقرأها من غير أن يعطلنا شىء . كما أنها تبعث فى القارئ شعورًا بأنه خاض تجربة أكثر عمقًا من تجاربه الخاصة.
الواقع والخيال :
القصة الواقعية ، هى التى تدور حول شخص أو شىء يبدو للقارئ كأنه حقيقى على الرغم من أنها من تأليف وإبداع المؤلف . إن الناس والأماكن فى هذه القصص تبدو كأشخاص وأماكن نعرفها أو سبق وأن عرفناها ، وهى بهذا تـُـشبه الحياة الواقعية . إنها " قَصَص واقعى " . والموهبة هى القادرة على أن تصوغ عملاً فنيًّا من اللحظات التى لاحظها أو شعر بها الكاتب وهو يتأمل ويتعايش مع ما حوله . والكاتب الموهوب هو الذى يبدأ مبكرًا فى ملاحظة مثل هذه الأمور ، ويختزنها فى بنك ذاكرته ( حتى بلا وعى ) ليستخدمها فى المستقبل .
أما القصة الخيالية ، فتدور حول شخصيات وأماكن لا تشبه أى شخص أو أى مكان عرفناه أو يمكن أن نعرفه . هذه القصص لا تشبه الحياة الحقيقية اليومية .. إنها "قصص خيالية " .
- لكن علينا أن نتذكر أن كل القصص والأعمال الروائية مبنية على الخيال ، بمعنى أن خيال الكاتب قد أبدعها حتى إذا كانت تبدو واقعية . لكن هذا لا يمنع أن الكاتب يمكنــه أن يستعيــن
بما يعرفه عن أشخاص وأشياء فى الحياة الواقعية ، ليبنى حولهم قصته .
- الفرق بين الحكاية ، وسرد الحكاية :
ويفرق النقد الأدبى الحديث ، بين " الحكاية " و " سرد الحكاية " - فالحكاية هى مجموعة من الوقائع تدور حول موضوع معين ، سواء كان أبطالها إنسانًا أو حيوانًا أو جمادًا . أما السرد فهو الطريقة التى اختارها الكاتب ليقدم بها للقارئ عمله الأدبى . مثلاً ، كلنا نعرف وقائع حياة كليوباترا ملكة مصر ذات الأصل اليونانى ، وكيف أنها حاولت أن تحمى استقلال مصر عن طريق زواجها من قيصر حاكم الرومان - لكن مشروعها انتهى بالفشل عندما قُتِل قيصر، وانتهى أمرها بموتها .
هذه هى " الحكاية " - لكننا نجد عددًا من كبار الكتاب والشعراء قد كتبوا عنها روايات خالدة ، نثرًا أو شعرًا ، مثل الشاعر أحمد شوقى وشاعر الإنجليزية الأكبر شكسبير ، لكننا نجد فروقًا كبيرة فى الطريقة التى كتب بها كل من الشاعر والكاتب روايته أو مسرحيته ، وهذا ما نسميه " سرد الحكاية " ، فطريقة السرد هى التى تميِّز عمل مؤلف عن عمل مؤلف آخر ، اعتمادًا على اختلاف وجهات النظر التى يريد المؤلف أن يقدمها من خلال عمله . مثلاً : هل كانت كليوبترا تحاول فعلاً حماية استقلال مصر ، أم كانت امرأة تجرى وراء عواطفها ، أم كان طموحها يسعى إلى السيطرة على أعظم الرجال وإخضاعه لسلطانها ؟
وبسبب اختلاف وجهات النظر بين المؤلفين ، مع أنهم يتفقون جميعًا على نفس الوقائع الأساسية التى حدثت لكليوبترا ، نجد اختلاف الطريقة التى " سرد " بها كل واحد نفس الحكاية .
إن لكل عبقرى طريقته الخاصة فى اختيار الجمل والعبارات والمواقف التى تعتمد على خياله ، لجعل الرواية أكثر جاذبية وتشويقًا ، وحتى يصل إلى المتلقى بوجهة نظر معينة من إبداعه الأدبى .
- والقصة عمل فنى يخطط له المؤلف بعناية شديدة ، والقصة الجيدة هى التى تثير عواطف القارئ وانفعالاته ، مثل السعادة أو الحزن أو الغضب أو الخوف . كما أن القصة الجيدة يمكن أن تجعل القارئ يفكر ويتعلم أشياء جديدة عن الحياة وعن نفسه وعن الآخرين .
- وتتضمن القصة عادة العناصر الآتية :
- بداية ووسط ونهاية - مع التركيز على أهمية البداية ، لربط القارئ بالقصة حتى نهايتها .
- القصة القصيرة تتطور عادة ، على امتدادها ، تطورًا طبيعيًّا ، من لحظة مكثفة، أو حاسمة ، أو مؤثرة فى حياة البطل .
- معظم القصص القصيرة يكون التركيز فيها على شخصية واحدة رئيسية ، وعلى دورها فى الحياة .
- وصف الشخصيات ودوافعها وملامحها المتميزة ، وإيضاح مكان وزمان وقوع الأحداث .
- استخدام مختلف الحواس فى إبراز خبرات أبطال القصة .
- التعبير عن المشاعر والانفعالات .
- استخدام الحوار الذى يعبر عن اختلاف كل شخصية عن غيرها ، كما أنه من أهم وسائل إبراز دوافع الشخصيات وحقيقتها الداخلية ، وبالتالى يساهم فى تجسيم الصراع .
- وجود صراع أو مشكلة أو قضية تدور حولها الحبكـة أو العقـدة ، ثم حـل العقـدة والوصول إلى نتيجة الصراع .
- وجهة النظر التى تحملها القصة أو الرواية ، وماذا تريد أن تقول .
- الجاذبية والتشويق لحمل القارئ على مواصلة القراءة حتى يصل إلى الخاتمة .
تعريفات
نقدم هنا تعريفًا لبعض المصطلحات الأساسية التى نستخدمها عند الحديث عن كتابة القصة ، وهو تعريف يعطى أيضًا ملخصًا أو تركيزًا لأهم العناصر فى كتابة القصة :
- فكرة القصة : أى الفكرة الرئيسية التى تدور حولهــا القصــة ، مثــل "أهميــة دور الفتاة والمرأة فى تنمية المجتمع " ، أو " التمسك بالحق فى التعبير " ، أو " أداء الواجب هو الشجاعة الحقيقية " ، أو " التضحية فى سبيل الوطن " .
- موضوع القصة : الحكاية أو الحدث الذى ينطوى ، بشكل غير مباشر ، على فكرة القصة ، وهو التجسيم الفنى للفكرة الرئيسية . ولابد أن يكون عند الكاتب قصص عن أصدقائه وأقاربه وكل مَن قابله من الصغار والكبار . ومن خلال التنوع الساحر للعواطف والأفعال والعقول ، تتحول هذه المادة بين يدى الكاتب إلى عمل فنى – فلا يوجد شىء يحدث فى حياة الكاتب إلا ويمكن استخدامه فى قصصه .
- نوعية أسلوب القصة : هل تمت كتابة القصة بأسلوب ساخر ، أو غامض مثير للتساؤل ، أو بأسلوب ناعم يعبر عن مشاعر رقيقة ، أو بأسلوب يعبر عن التوتر والغضب أو الرعب ، أو فى جو من الأسرار أو غير ذلك ؟
- الخيال : فالمؤلف يستخدم خياله ليؤلف قصة يمكن أن نجد لها مشابهًا فى الواقع (قصة واقعية ) ، وقد يكتب قصة يتعذر أن توجد فى الواقع ( قصة خيالية ) .
- العصف الذهنى أو الفكرى : وهو الاهتمام بكل فكرة تخطر على بالك أو على ذهن المجموعة التى تحيط بك وأنت تفكر فى موضوع قصة ما ، مهما كان رأيك – فى البداية – فى أهمية ما تسمع .
- الاستهلال ( أو بداية القصة ): الجملة أو الفقرة التى نبدأ بها القصة ، والتى يجب أن تكون حافزًا للقارئ على التساؤل ، وإثارة التشويق ، والتشجيع على الاستمرار فى قراءة القصة حتى نهايتها ، لذلك نقول إنه من الأفضل أن تتضح عقدة القصة من أول فقرة فيها .
- مخطط للقصة : كتابـة النقـاط الأساسيـة التى يتكـوَّن منهـا بناء القصـة ، وعرض وإبــراز
الأحداث والتحولات الأساسية فيها ، وكيف يؤدى كل جزء فى القصة إلى ما يليه على نحو منطقى مفهوم يتقبله القارئ ، حتى إذا كانت القصة خيالية .
- البطل : أو الشخصية الرئيسية فى القصة التى تُحرك الأحداث ، وتتحرك حولها بقية الشخصيات .
- الخصـم ( أو البطـل المعاكـس ) : وقد يكون الشخصية الشريرة ، أو الخصم أو الشىء الذى يعترض طريق البطل . وهذا الخصم قد يكون شخصًا ، أو عقبة ، أو مانعًا يقف فى طريق البطل ، وقد يكون أحد عناصر الطبيعة مثل انسداد بئر يعيش عليها أهل واحة فى الصحراء ، أو فكرة أو رغبة مثل شخص يحب العمل فى التجارة لكنه ينشأ فى بيئة زراعية تفرض عليه الاستمرار فى العمل الزراعى ، وتحكى القصة كيف يقاوم البطل هذا المصير .
- رسم الشخصية : وهو وصف الشخصيات التى يدير حولها المؤلف عمله القصصى ، وإبراز خصائصها وما يميزها عن غيرها ، وذلك من خلال أحداث القصة ، وتصرفات الشخصية وأقوالها ، وتفاعلها مع غيرها من الشخصيات أو الأحداث .
- لكن لا ينبغى للكاتب أن يكون قاضيًا يحكم على شخصياته ، بل يجب أن يكون شاهدًا على أفعالها وأفكارها وسلوكها من غير تحيز .
- وعليك أن تسير بصحبة شخصياتك كأنك تراها بعين خيالك ، تعيش وتتطور كما فى الواقع ، ثم احكِ قصتها بكل الصدق والتعاطف والجدية على قدر ما تستطيع ، فى ضوء وجهة النظر التى تريد أن توصلها إلى ذهن وخيال القارئ بعد أن ينتهى من القراءة .
- وقبل أن تبدأ الكتابة عن شخصية ما ، يجب الاهتمام ببيان الدوافع والأسباب لتصرفاتها .
- الحواس : الرؤية والسمع واللمس والشم والتذوق ، وهى الحواس التى نتعرف من خلالها على العالم من حولنا ، ونكتسب من خلالها مختلف الخبـرات ، وأن يهتـم الكاتب بالطريقة التى يستخدم بها أبطال القصة حواسهم لاكتساب الخبرة والتعبير عنها.
- الحبكة أو " العقدة " وهى ضرورية للقصة : إنها وسيلة للمحافظة على حركة الشخصيات ، وشد مشاركة القارئ إلى نهاية القصة . وبدون الحبكة لن يهتم القارئ كثيرًا بمتابعة القصة إلى النهاية . وعادة ما تدور الحبكة حول الصراع بين البطل وخصمه .
- الصراع : وهو المشكلة أو العقبة أو الرغبة التى تقف فى مواجهة البطل أو الشخصية الرئيسية ، والتى يسعى للتغلب عليها .
- السرد : مجموعة الكلمات والعبارات والجمل التى نختارها لصياغة القصة ، وتخبرنا عن شىء أو مكان أو شخصية ، أو أن شيئًا قد حدث أو قد يحدث ، ولا نقصد به " الحوار " .
- الوصف : أو الكلمات والفقرات التى تصف الشخصيات والمكان والأشياء : ما شكلها ، وبماذا تشعر أو تشم أو تلمس أو ترى ، مع وصف ملامح الوجه وحركات الجسم ، والمشاعر وردود الأفعال ، والجو المحيط بكل هذا .
- المجاز أو الاستعارة : وذلك عندما نقارن شيئًا بشىء آخر ، مثــلاً عندمــا نقــول لشخص :
" تصرفاتك تصرفات حرباء متلونة " ، وذلك بغير استخدام ألفاظ مباشرة تدل على التشبيه .
- التشبيه : تشبيه شىء بشىء آخر مع استخدام ألفاظ أو كلمات تدل مباشرة على التشبيه ، فنقول : مثل - كأنه - كأن - أو حـرف الكاف ( ك ) للتشبيــه ( مثــل الشجرة - كأنه شجرة - كشجرة ) مثلاً " إنه يهتز مثل شجرة فى عاصفة " .
- الحوار : هو ما تتبادله شخصيات القصة فيما بينها من حديث . والحوار له أهميـة كبرى عند القارئ ، فالحوار أو الحديث هو ما يميز الإنسان عن الثدييات الأخرى ، كما أن الحوار هو الذى يميز بين شخص وآخر ، فيعبر عن واقعه وثقافته .
- الحديث الداخلى : وهو ما يدور من حديث بين الإنسان ونفسه .
- مكان أو موضع وقوع الأحداث : المكان الذى تقع فيه أحداث القصة .
- زمان وقوع الأحداث : أو الفترة الزمنية التى تحدث فيها القصة .
- فترة الاختمار أو الحضانة : هى فترة من الزمن تبدأ بها عملية الإبداع ، حيث نترك الأفكار فترة تختمر خلالها . ويؤدى هذا إلى إنشاء روابط وعلاقات بين الأفكار والتصورات . فبعد فترة الاختمار ، نجد المؤلف أو المخترع أو الفنان يقول عـادة : " الآن وجدتها " ، أى أنه اكتشف بوضوح طريقه للسير فى إبداعه حتى يكتمل .
- مسودة أولى : الكتابة الأولى أو المسودة المبدئية ، بما فيها من أخطاء إملائية أو لغوية ، لكنها الكتابة الإبداعية الخلاقة الأساسية للعمل الأدبى المتميز ، والتى تعتبر النواة للعمل الأدبى الأصيل الناجح . وهنا نستطيع أن نقول للموهوب : " أنت لديك الرغبة فى كتابة القصة ، وتملك الموهبة ، وعلى استعداد للتمرن والتدرب ، إذن أضف إلى ذلك الإصرار على مواصلة العمل ، وتمتع بعادة النقد الذاتى ، والثقة بالنفس . أسرع بالاستجابة لقوة الإبداع فى اللحظة التى تجد نفسك فيها مدفوعًا إلى الكتابة " .
- الذروة : هى قمة أحداث ووقائع القصة ، وأحيانـًـا تكون الجزء الذى يصل فيه التشويق إلى أقصاه ، أو أكثر المواقف إثارة . وقد تكون نقطة تحول رئيسية فى المواقف أو الأفكار ، أو لحظة تغير أساسى فى التوجه أو الأهداف .
- مراجعة (أو تنقيح): إعادة كتابة القصة ، أو إعادة ترتيب الفقرات أو الفصول أو الجمل ، أو إضافة أو حذف بعضها ، أو إعادة صياغة بعضها ، لتصبح القصة أكثر تماسكًا ووضوحًا ومنطقية.
- التحرير : ويُقصد به القـراءة المدققـة للمسـودة النهائيـة من القصـة ، وإجـراء التعديلات لتصبح على نحو أفضل وأوضح ، مع تصحيح الهجاء والأخطاء النحوية .
- الخاتمة : وهى الجزء القريب جدًّا من نهاية القصة ، عندما تنتهى جميع الخطوط لتترابط معًا ، ويتم حل المشكلة أو العقدة ، ويتم تحديد مصير كل شخصية من شخصيات القصة .
- تحليل القصة : مراجعة القصة بعد اكتمالها ، للتأكد من سلامة تركيب أجزائها معًا .
- ورشة كتابة : مجموعة من المؤلفين يجتمعون معًا ، ليقرأ كل منهم قصته على الآخرين ، ويستمع إلى آرائهم وتقييمهم ، ليساعده ذلك على اكتشاف وجهات نظر أخرى وهو يعيد النظر فى عمله الأدبى عندما يراجعه أو ينقحه .
عناصر الكتابة الناجحة
* الكتابة الناجحة هى التى نقرؤها بسهولة ، ذلك أن أفضل الإبداعات الأدبية يمكن أن تفقد قيمتها بسبب تعقيدها ، أو لمبالغتها الشديدة فى الخيال ، أو عندما تتضمن كثيرًا من الأوصاف ، أو بسبب " الاستطراد " والخروج عن الخط الرئيسى .
* أفضل أنواع الكلمات التى نستخدمها فى رواية القصص ، هى الأسماء ثم الأفعال . الأسماء والأفعال هى التى نحتاج إليها لنعبر للقارئ بوضوح عن عناصر القصة الأساسية . استخدم الاسم لتحدد شخصًا بعينه ، والفعل ليساعدك على رسم صورة فى حكاية .
- استخدم الفعل الذى يصف حركة . مثلاً بدلاً من أن تقول " جلس الرجل حزينًا"، قل " انهار أحمد جالسًا على المقعد الخشبى " . إن اسم " أحمد " ، وجملة " انهار جالسًا" ، تشير إلى شخص محدد وشكل حركة معينة . لقد أصبحت الجملة قادرة على أن تجعلنا نرى شخصًا معينـًـا يقوم بفعل أو حركة على نحو محدد ، وهذا يساعد القارئ على أن يرسم بسرعة صورة فى مخيلته للموقف الذى قرأ عنه ، فيعاونه على أن يستحضر خبراته السابقة ليتعايش بقوة مع ذلك الموقف .
- استخدم الأفعال لإبراز الأحداث بشكل واضح ، فبدلاً من أن تقول " كان الصَّبيَّان يتشاجران " ، قل " جمال وسامح اشتبكا فى صراع بالأيدى ، فسقطا على الأرض " .
* عليك أن تهمل كل ما ليس له صلة وثيقة بموضوع قصتك . استبعد الوصف غير المجدى ، ولا تركز على شىء لا يتعلق بالقصة ، ولا تتعمد الحذلقة اللغوية ، واستبعد أى شخصيات ومواقف ليس لها صلة مباشرة بقصتك .
* لكى تكتب قصة جيدة ، يجب أن تهتم بالجمل الافتتاحية ، والتركيز الواضح على الاتجاه العام للحدث ، ثم الشخصيات ، وبعدها تنطلق حتى تصل إلى الخاتمة .
* لا تكف عن التدرُّب يوميًّا على الكتابة ، خصص فى برنامجك اليومى وقتًا لتكتب ( 100 ) أو ( 200 ) كلمة . وهذا هدف من المؤكد أنك تستطيع تحقيقه .
* اكتب يومياتك أو مذكراتك حول أى شىء .. مجرد تسجيل لما عايشته فى يومك ، لكن عليك أن تمارس الكتابة يوميًّا . إنك بهذه الطريقة تتعود على تحويل الخِبْرات والمشاعر والأحداث إلى كلمات ، وهذا هو أساس عمل المؤلف الناجح . إن الكتابة ثم الاستمرار فى الكتابة أهم تدريب يؤدى إلى الإتقان والوضوح وسلاسة التعبير .
- اكتب ثم اكتب . إن كل جملة فى اللغة العربية يمكن أن تكتبها فى صيغ وأشكال مختلفة ، وهذا يجعلك تتعود أن تصل إلى أوضح أسلوب لتقول بدقة وسلاسة ما تريد أن تعبر عنه .
* تعلم كيف تكتب على الكمبيوتر . إن الكتابة على الكمبيوتر خير صديق للكاتب . إنك تستطيع بسهولة وسرعة ، على شاشة الكمبيوتر ، أن تضيف وتغير ، أن تصحح أو تعيــد
الكتابة لأى عدد من المرات ، حتى تصل إلى صياغة واضحة مشوقة مقبولة .
* اجعل بجوارك دائمًا المعجم ودائرة المعارف ، لكى تستخدمهما عندما تحتاج إليهما وأنت تكتب ، للتأكد من صحة كلمة أو معلومة تحتاج إليها فى كتابتك .
* عندما نختار الكلمة والجملة ، فإننا نسمعهما بالمعنى والإيقاع وبإشعاعهما العاطفى . إن الكتابة الجيدة تتوافر للكاتب شديد النقد لنفسه ، والتناسق يأتى من تدريب الأذن .
* اقرأ بصوت عالٍ الحوار الذى تكتبه لشخصياتك ، ونغّم الإيقاع كالممثل على خشبة المسرح ، واشعر كيف يمكن للكلمات أن تترابط وأن تبين الحب أو العاطفة أو الشك وعدم الثقة أو الصداقة . لاحظ بعناية كيفية ترتيب كلماتك بالطريقة التى تريد أن يكون عليه إيقاعها بعد أن تكون قد استمعت لها جيدًا وأنت تنطقها فى ذهنك . كذلك اترك فرصة للصمت أو للتردد فى حوارك . اشطب بلا رحمة الكلمات الزائدة ، والبدايات البطيئة ، والجمود والتكلّف .
* اقرأ ما كتبت بصوت عالٍ لنفسك . هذا يجعلك تتعرف بشكل أوضح على ما إذا كان الذى كتبته يُـعَـبِّر عن معنى مفهوم وواضح ، كما يساعد على الإحساس بإيقاع الكلمات والعبارات . وقد يكون أكثر فائدة إذا قرأت ما كتبت بصوت عالٍ على آخرين ، سواء على أفراد الأسرة أو الأصدقاء .
- اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ . طالع كل شىء وأى شىء ، وعلى وجه خاص اقرأ أعمال كبار الأدباء . القراءة ستصقل قدراتك اللغوية ، والقدرة على التعبير السليم الواضح الدقيق. سيفيدك الاطلاع فى التعود على وضوح وسلامة عرض السرد والحوار ، وعلى سلامة وسلاسة صياغة وإيقاع الجمل والتراكيب . إن الكاتب الجيد هو بالدرجة الأولى قارئ جيد ، ومن الضرورى أن تكتب بقدر ما تقرأ . وعندما تقرأ عليك أن تفكر ، وتحلل ، وترى الشخصيات والأفكار والأحداث كما أبدعها كبار الكُتَّاب فى شكل قصص قصيرة . إن الخبرة الحقيقية بالقصة القصيرة ، تأتى بالدرجة الأولى بقراءة العمالقة فى هذا الفن .
خطوات عملية الكتابة
يخوض الكاتب عدة خطوات ، ينتقل بها من الفكرة الأساسية حتى يصل إلى المُنْتَج النهائى وهو القصة المكتملة . أحيانـًـا قد تضطر إلى العودة إلى خطوة سابقة ، ثم تعود لتتحرك إلى الأمام ، وأحيانـًـا تتخطى خطوة أو مرحلة .
** وفيما يلى الخطوات التى يمكن أن تخوضها عندما تكتب قصة : لكن عليك أن تعتبر هذه الخطوات مجرد إرشادات عندما تقوم بعملية الكتابة أو التأليف .
* ما قبل الكتابة ، أو خطوة تجميع عناصر البناء الفنى و " بلورة الأفكار " :
- فى هذه الخطوة عليك أن تجمع ثم تختار الأفكار التى يمكن أن تكتب عنها . أو تقوم بــ " عصف فكرى " ، بمعنى أن تضع على الورق كل الأفكار والخواطر التى ترد على ذهنك حول موضوع معيــن بغيــر أن تستبعــد منهــا شيئـًـا . إن كلمة واحدة أو جملة واحدة من هذه الخواطر التى تراها متفرقة أو غير مترابطة ، قد تكون المفتاح الحقيقى لتكتب عملاً فنيًّا جيدًا .
- ارسم بالكلمات بغير أن تحاول تحسين أو إجـادة رسـم مـا خطـر ببالك مـن شخصيـات أو أماكـن . اجمــع معلومات من خبراتك السابقة ومن الواقع ، ومن دوائر المعارف ومن الكمبيوتر ، ومن المتاحف التاريخية والفنية والعلمية .
- فى هذه المرحلة يمكن أن تكتب بعض الأشياء . أنا أطلق عليها " شخبطـة " ، بمعنى أن تضع على الورق ما يخطر على بالك بغير الاهتمام بالصياغة أو دقة المعنى . فى هذه المرحلة يمكنك أن " تصيد " فكرة جديدة أو مبتكرة وهو ما يميز العمل الأصيل، وهذا لا يأتى غالبًا بشكل واضح ، لكنه يتكشف أثناء عمليات البحث والتفكير .
- قد تكتب هذه الملاحظات السريعة عن شخصيات قصتك وما هى خصائصها ومميزاتها ، وكيف ترى كل شخصية الشخصيات الأخرى . كما أنك قد تقضى وقتـًـا لتصور المكان أو الأماكن التى تقع فيها الأحداث ، لكى تتعايش معها وأنت تكتب الخطوات التالية .
* مرحلة " اختمار الأفكار " أو " حضانة الأفكار " :
عدد كبير من الكُـتـَّـاب يهتمون بأن يتوقفوا عند هذه المرحلة التى تختمر فيها الأفكار والتصورات التى جمعوها ، وذلك كما يحتضن الطائر بيضه إلى أن يصبح الفرخ داخل البيضة مُستعدًّا للخروج من بيضته .
إن مرحلة " حضانة الأفكار " أو " اختمارها " ، تأتى عندما يجمع المؤلف مختلف الأفكار والتصورات ، ويضع أمامه حصيلة " العَـصْف الفكرى " ، ويصل إلى " الحكاية " التى سيعبر من خلالها عن الأفكار أو جهة النظر التى اختمرت ، والتى يستخدم أسلوبه الخاص فى سردها .
- بعد أن يستقر الكاتب على ما يريد أن يحكى عنه قصته ، يتوقف عن القيام بأى شىء لمدة يوم أو يومين ، أو أسبوع أو أسبوعين . ويترك أفكار القصة " تنضج " فى خياله وفكره . وبهذه الطريقة تتخذ الأفكار شكلاً أفضل ، وتتجمع الخيوط فى خيط واحد. لذلك عندما يعود الكاتب إلى استئناف كتابة قصته ، ستكون لديه فكرة أوضح عما يريد أن يكتب عنه .
- فى نهاية هذه المرحلة ، يكون فى استطاعتك أن تضع مُخطَّطًّا أو إطارًا للهيكل الأساسى لقصتك . وهذا المخطط أو الإطار يمكن أن يتغير أثناء التقدم فى الكتابة ، لكنك ستستفيد منه فى أن تتعرف على الهدف الذى تريد أن تصل إليه ، والطريقة التى يمكن أن تستخدمها للوصول إلى ذلك الهدف .
* خطوة " المسودة الأولى " :
عندئذٍ تأتى الخطوة الضرورية التالية ، وهى ترتيب الأفكار والكلمات والجمل والفقرات على الورق ، مع رسم ملامح الشخصيات وعلاقتها ببعضها ، والاستقرار على الحبكة أو العقدة أو ما يثير الصراع بين الشخصيات ، مع الاستقرار على ملامح البيئة المكانية الزمنية للقصة .
فى هذه المرحلة لا تقلق كثيرًا على كيفية استخدام الكلمات أو حتى على سلامة الهجاء أو النحو . عليك فقط أن تترك عصارة إبداعك تتدفق إلى أن تنتهى من كتابة المسودة الأولى . إنك إذا توقفت طويلاً لتصحيح تركيب جملة أو اللغة أو الهجاء ، فإن تدفق نهر إبداعك سيبطئ أو حتى قد يتوقف .. عليك إذن أن تتركه يتدفق .
* خطوة " إعادة التحرير " ، أو " التنقيح " :
بعض الكتاب يحبون أن ينقحوا بسرعة المسودات الأولى ، وآخرون قد يتريثون فى مرحلة حضانة أو اختمار أخرى . ومهما كان الذى تفعله فى هذه المرحلة ، فعليك أن تتذكر أن نصف مخك الأيمن مشغول بما تستخدمه فى الكتابة فعلاً ، وهو النصف الذى تختزن فيه ما ستوظفه من خلال قدراتك الإبداعية . أما نصف مخك الأيسر فإنك تحتفظ فيه بقدراتك المتفوقة لإعادة تحرير ما اختزنت فى النصف الأيمن .
- ومن الأفضل أن تتجنب أن تقوم فى نفس الوقت بعمليتين معًا : العملية الإبداعية مع عملية التنقيح وإعادة التحرير . فى المحل الأول ، عليك أن تكون كاتبًا متمسكًا بقدراتك الإبداعية وممارسًا لها ، ثم قم بأشياء أخرى مختلفة ، أو على الأقل تنفس بعمق عدة مرات لتغير الجو المحيط بك . ثم ارجع لتصبح قادرًا على إعادة الكتابة والتنقيح حتى تصل إلى تحقيق " الجو العام " الذى يجب أن يسود القصة ويعطيها التماسك والانسجام .
- إن الإبداع هو القدرة على خلق النظام من الفوضى ، وهذا يسمح للكاتب أن يتناول كل شىء فى قصصه - وعليه فقط أن يبتعد عن العواطف السقيمة ، والحشو ، والوعظ ، والتعصُّب ، والاسترسال فى الوصف لمجرد الوصف .
- وفى نهاية مرحلة التنقيح وإعادة الكتابة ، يمكن أن تصحح الأخطـاء الهجائيــة واللغوية وعلامات الترقيم .
- تأمل فيما كتبت لتتأكد أنه أصبح له معنى واضح ومترابط ، وأنك وصلت إلى ما تريد أن تقول وما قصدت أن توصله إلى المتلقى ، وهو " الانطباع العام " الذى يمكن أن تتركه القصة لدى القارئ .
* خطوة " التعرف على الاستجابة " ، أى " استجابة الآخرين لما كتبت " :
فى هذه المرحلة عليك أن تعرف رأى شخص آخر فيما كتبت . يمكن أن تسأل صديقًا أو أصدقاء ، والدك أو والدتك ، أحد المدرسين أو غيرهم ، ليقرأ عملك ويقول رأيه فيما كتبت .
- وعندما ينقل إليك الآخرون آراءهم فيما كتبت ، عليك أن تكون مستمعًا جيدًا : ركّز فيما تسمع بدقة . إنها فرصة لتكتشف إذا ما كان الآخرون قد استجابوا إلى عملك كما توقعت . وإذا لم تجد رد الفعل الذى توقعته ، فقد يحتاج الأمر أن تقوم ببعض التعديلات ، ذلك أنه قد يكون لدى قرائك بعض الأفكار والاقتراحات لتصل بقصتك إلى مستوى أفضل ، فعليك عندئذٍ أن تفكر وأن تعيد التفكير فى كل شىء قاله كل قارئ .
ومن المحتمل ، فى أحوال كثيرة ، أنك قد ترى أنك لست فى حاجة إلى استخدام " كل " الملاحظات التى سمعتها ، لكنك قد تجد على الأقل ملاحظة واحدة مهمة تفيدك إذا اهتممت بها . لذلك كن يقظًا لكل ما تسمع ، وضعه أمامك موضع التساؤل والتقدير ، حتى إذا رأيت فى النهاية أن معظمه لن يفيدك بصورة أساسية ، لكنه قد يفتح أمامك آفاق التفكير بطريقة مختلفة فيما كتبت .
- تذكر دائمًا أنك فى حاجة إلى أن ترى ما كتبت مـن خـلال عيـون الآخريـن ، لأنـك لا تكتـب لنفسك بل للمتلقى . إن كتابة القصة هى وسيلة تواصـل بينــك وبيــن القــارئ، وعليــك أن تتأكد أن ما أردت أن تنقله من خلال القصة قد وصل واضحًا ، وأنه محل تـَقَـبُّل من الآخرين عن طريق ما كتبت ، ولا تكتفِ بأنه واضح داخل عقلك أنت وحدك .
* مرحلة " المراجعة " :
فى هذه المرحلة ستوجه اهتمامًا خاصًّا للاستجابات التى سمعتها من الآخرين ، والتى رأيت أنها يمكن أن تساعدك لتجعل قصتك أفضل . يمكنك أن تعيد كتابة قصتك على أى وجه تشاء ، مستعينـًـا بما رأيت من أفكار إيجابية قد وصلتك . وعندما تنتهى من هذه المرحلة ، ستجد أنك قد أكملت مسودة أخرى أكثر اكتمالاً من سابقتها .
* مرحلة " التقويم " :
يمكن أن تتخذ هذه المرحلة أشكالاً مختلفة ، فيمكن أن تتضمن الاستماع إلى آراء آخرين بعد ما قمت به من إعادة الكتابة . بل إنها قد تكون مرحلة تتعرف فيها أنت نفسك على رأيك فى قصتك بعد ما أجريت فيها من تعديلات. إن كل المؤلفين يحتاجون إلى نوع من التقويم لعملهم ، لذلك حاول أن ترى قصتك وكأن كاتبًا آخر هو الذى كتبها .
القسم الثالث
قضايا مرتبطة بكتابة القصة
** إلى أى مدى يرتبط فن كتابة القصة بالتربية :
كاتب القصة فنـّان قبل أن يكون رجل تربية . والفن يقوم أساسًا على إمتاع القارئ بما فى العمل الأدبى من تشويق وجاذبية , وشخصيات حَـيَّة يُعايشها الطفل , وحبكة أو عُقدة تُثير اهتمام العُمر الذى تتوجّه إليه القصة أو الرواية .
- لكن كُـلّما كان كاتب القصة معايشـًا وعلى دراية بواقع قرائه - الاجتماعى والنفسى والبيئى واليومى - وجد نفسه يختار موضوع أعماله الإبداعية حول ما يُعايشه القُرَّاء فى واقعهم أو خيالهم .
- إن الأدب , بوجه عام , نافذة يستطيع القارئ من خلالها أن يفهم نفسه على نحو أفضل , وأن يفهم الآخرين أيضًا على نحو أفضل .
- كما أن مؤلف القصة , إذا كان مُسلّحًا بالرؤية الواعية لقضايا مُجتمعه وقضايا الطفولة , فلابد أن يُساهم ما يكتبه , بشكل ما , فى التربية وفى التغيّر المُجتمعى .
- لكنـّـنا نعود لتأكيد أن أيّة قيمة تربوية أو سلوكية يتضمنها العمل الأدبى , لابد أن تأتى من خلال الفن وليس على حساب الفن .
فمن الخطأ أن يقصد المؤلف توظيف عمله الأدبى من أجل إحداث أثر أخلاقى أو تربوى معين ، لكن صِدْق الكاتب مع نفسه ومع القُرّاء , لا بد أن يترك أثرًا شاملاً فى أعماله الأدبية , وبالتالى يمكن أن يؤثـّر فى إحداث التغيّرات المُستقبلية فى مُجتمعه , وفى نفسية وعقول وسلوكيات القراء .
** الحذر من التبسيط المخل للشخصيات :
يجب الحذر من القصص التى تلجأ إلى تبسيط الشخصيات ، وتجعـل بعضهـا ممثـلاً للخيـر المطلـق وبعضها ممثلاً للشر المطلق ، مثل كل قصص الرجل الخارق للطبيعة ( السوبر مان ) ، لأن هذا مخالف لطبيعة البشر , ويؤدى إلى فهم القراء لمجتمعهم فهمًا خاطئًا . ففى كل إنسان جانــب طيــب وجانب خبيث ، والمهم أن نفهم دوافع الإنسان وأسباب سلوكه ، لكن بطريقة مبسطة
تناسب القراء من الشباب الصغير .
- إن هذا النوع من قصص الرجل الخارق للطبيعة يؤكد قيمًا مضادة لكل ما قامت عليه نُظُم الدول المتمدينة الحديثة : فمن القيم التى يجب أن تشيع فى نفوس الطلاب ، احترام القانون وترك مهمة محاكمة المخطئ والحكم عليه وتنفيذ الحكم للقضاء ولسلطات الأمن . لكن كثيرًا من قصص الرجل الخارق للطبيعة تجعل البطل هو الذى يحدد ما هو الخير وما هو الشر ، وتتركه يحكم على الآخرين بمعياره الشخصى ، وينفذ بنفسه ما ينتهى إليه من أحكام حتى إذا كانت الحكم بالإعدام !
وبهذا تلغى هذه القصص كل ما بَنـَتْهُ الحضارة من نظام للدولة ، يخضع فيه كل شخص للقانون الذى سَنـَّته الجماعة ، حتى لا يُـتْرك الأمر فوضى لوجهات النظر الشخصية التى تُـغَـلِّبها مثل هذه القصص ، التى تعطى ذلك الفرد المتفوق - والذى يفترض أن يتمثل به القارئ - كل سلطات الشرطة والقضاء وأجهزة تنفيذ الأحكام ، وبذلك تُلغى مبدأ الفصل بين السلطات : السلطة التشريعية التى تضع القانون ، والسلطة القضائية التى تطبق القانون ، والسلطة التنفيذية التى تتولى تنفيذ أحكام القضاء والقانون ، هذا الفصل بين السلطات هو أهم ضمان لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم .
- وإذا قيل إن مثل هذه القصص تنمى الخيال العلمى ، فإنه يجب التفرقة بين القصص التى تقوم على تنمية " أسلوب " التفكير العلمى ، الذى يعتمد على الملاحظة والاستنتاج ، والتجربة والخطأ ، ووضع الفروض وتمحيص هذه الفروض حتى يصل البطل إلى نتائج إيجابية ناجحة ، وبين القصص التى تحفل بها الكتب والمجلات التجارية ، التى تقدم ، دون مقدمات ، أجهزة ووسائل جاهزة يستخدم البطل معظمها فى الدمار والقتل ، دون أية إشارة إلى أسلوب التوصل إلى اختراع تلك الآلات ، أو أية إشارة لما يمكن أن تمنحه للبشرية من فوائد ، فهى قصص " توهم " بأنها من قصص الخيال العلمى ، فى حين أنها فى الواقع من قصص " الهذيان " الذى يستعير من العلم أشكاله الخارجية دون مضمونه الحقيقى .
** لا للعنف كوسيلة لحل المشاكل :
من أكثر النماذج السيئة التى تقابلنا أحيانًا فى قصص الأطفال ، تلك القصص التى تمجد العنف كوسيلة لحل المشاكل ، أو التى تجعل القوة البدنية هى العامل الأقوى فى حسم مختلف المواقف ، وذلك مثل قصص " طرزان " أو " سوبر مان " أو "الجاسوسية " التى لا تحتوى على أى قيم إنسانية أو أخلاقية .
إن تاريخ الحضارة ، هو تاريخ إحـلال العقـل محـل العنـف والقـوة ، وعندمــا نقــدم للأطفــال شخصيات مثل " طرزان " ، الذى تربى بين الحيوانات ، والذى لا يعرف وسيلة لحل ما يواجهه من مشكلات إلا القوة البدنية ، فإن الأطفال سَيُسْقِطون من سلوكهم كل ما قدمه لنا تاريخ الحضارة من وجوب استخدام العقل فى حل المشكلات بدلاً من العنف والقوة، وهو أمر يتنافى مع أهم أهداف التربية السلوكية للأطفال . فأول ما نهتم بغرسه فى أطفالنا ، هو تدريبهم على مواجهة المشكلات وحلها بنجاح ، وذلك عن طريق استخدام العقل ، مع استبعاد العنف والقوة البدنية بشكل شبه كامل .
** لا لإثارة العطف على قوى الشر ، ولا لتقديمها فى شكل باهر كبطولات :
كذلك يجب تجنب القصص التى تتضمن إثارة العطف على قوى الشر أو تمجدها، مثــل القصـص التــى يتغلب فيها الشريـر على الشرطى أو على ممثل القانون . إن بعض من يقدمون مثل هذه القصص ، يدافعون عنها بقولهم إنهم يعرضون صور السلوك الخاطئة لكى يقوموا بإدانتها فى خاتمة القصة ، لكن ما أشد خطأ هذا التصور .
إن القراء الصغار يتأثرون بمختلف مواقف القصة التى يقرءونها أو نحكيها لهم، لما فى تلك المواقف من حركة وتشويق . فإذا كانت تلك المواقف تتضمن انتصار الشر والعنف أو تمجيدهما ، وإظهار بطولتهما ، فإن ما فيها من إبهار هو الذى سيؤثر بعمق فى سلوك الأطفال ، أكثر كثيرًا من تأثرهم بخاتمة ندين فيها الشر والعنف بعبارات عامة .. فما أقل تأثير الكلمات على الأطفال ، وما أقوى تأثير مواقف الحركة والحوار والخيال عليهم .
** اتجاهات معاصرة فى " موضوعات " قصص الأطفال :
المـوت ، وأبنـاء الطـلاق ، ووجـود أخ فـى الأسـرة معـاق أو متخلـف عقلِيًّـا ، ومـرض أحــد الوالديـن مرضًا طويلاً يجعل الشخص عاجزًا عن خدمة نفسه ، وفَقْد الأب لوظيفته أو تعرضه لحملة تشهير ظالمة .. كل هذه الموضوعات وجدت مَن يكتب عنها مهما كان الموضوع حسَّاسًا أو شائكًا .
كذلك تتناول القصص تقديم المستقبل للأطفال ، وتنمية قدراتهم على الإبداع والتخيل والابتكار ، وتنمية أساليب التفكير العلمى والمنطقى لديهم ، ووسائل زيادة التفاعل بين الطفل والقصة لمواجهة تحديات عصر الكمبيوتر والإنترنت .
مع أهمية تناول موضوعات تدور حول المحافظة على البيئة ، والتسامح وتَقَبُّل الآخرين ، وأهمية العمل كفريق ، واللغة غير المنطوقة التى يعتمد عليها الأطفال فى الاتصال بالآخرين مثل ملامح الوجه وحركات الجسم ونغمات الصوت .
لقد أصبح الأدب قادرًا على تناول كل ما يخطر على البال من موضوعات ، وتكمن موهبة الكاتب فى طريقة وأسلوب هذا التناول بما يتناسب مع قدرة القارئ على الفهم والاستيعاب .
** دور العمل الأدبى فى تقديم المعلومات للقارئ الصغير - الوصف أم الحكاية :
مع اتساع مجالات المعرفة وما يجب أن يعرفه الإنسان , أصبحت النصيحة تؤكد على أنه : " على الكاتب أن يعرف جيدًا ما يريد أن يكتب عنه " ، ولا يكتفى بأن "يكتب عما يعرف " .
وهذا يتطلب أن يصل المؤلف إلى كل المعلومات التى لها صلة بخلفية القصة التى يكتبها ، سواء تعلقت هذه المعلومات بالمكان أو الزمان أو نماذج الشخصيات أو غير
ذلك ، لكى يعايش فى خياله كل عناصر روايته وكأنه قضى حياته معها فعلاً .
- وليس معنى هذا أن يستخدم المؤلف " كل " ما يحصل عليه من معلومات ويضعها فى عمله الأدبى ، بل يستخدم فقط ما يحتاجه ويكون ضروريًّا لعمله ، بحيث يدخل فى صميم نسيج العمل الفنى ولا يكون مُقْحَمًا عليه . وعلى المؤلف أن يحاسب نفسه دائمًا لكى لا يضع فى عمله الأدبى من المعلومـات إلا ما هـو
مُرتبط ارتباطًا عضويًّا قويًّا بهذا العمل .
- وإذا كانت هناك حاجـة فنيـة لإدخـال معلومـات ، فلابـد مـن إدخالهـا عـن طريـق حـوار ، أو فى مقاطع صغيرة سهلة الفهم مختصرة ، تأتى وسط الأحداث ، مع التجنب التام لأن تكون مفروضة على النص .
* الوصف أم الحكاية :
ويقود هذا إلى التأكيد على أن الاسترسال فى " الوصف " قـد يـؤدى إلى سقـوط الإيقـاع والبطء فى تقدّم الحبكة , لأن ما يدفع القارئ إلى نهاية الكتاب هو الأحداث والحركة واكتشاف المواقف الجديدة للشخصيات ، وليس مجرد تراكم المعلومات أو الوصف .
- وإذا حاول المؤلف أن يجعل من روايته مصدرًا للمعلومات ، فهذا يُخرِج العمل فورًا من مجال الفنون الأدبية ، ويُدخله فى مجال المقال الصحفى أو الدعاية أو كُتب المعلومات .
** تزايد الاهتمام بقصص وروايات الخيال العلمى ، باعتبارها من أهم وسائل تنمية الاهتمام بالثقافة العلمية ودور العلم فى حياتنا :
يُعتبر أدب الخيال العلمى علاجًـا حقيقيًّا للقطيعـة بين العلم والأدب . وهــذا التقــارب يمكن تفسيره بالتأثير الضخم للعلم والتكنولوجيا على حياتنا ، وبتأثير الروح الصناعية فى زماننا على الأدب. وهناك إجماع على أن أدب الخيال العلمى هو أفضل وسيلة لإثارة حماس المراهقين والشباب الصغير للعلم ، ودوره الأساسى فى حياتنا .
- وتعبير " أدب الخيال العلمى " مقصود به نوع من أنواع الكتابة الأدبية ، يحاول فيه الكاتب أن يتصور ما يستطيع العلم أن يقدمه فى المستقبل إلى الإنسان من إمكانيات ، وأن يفتح عيوننا على الخير الذى يمكن أن تقدمه هذه الإمكانيات ، أو يحذرنا من أخطارها المحتملة . بالإضافة إلى أنه يهيئ الرأى العام لتقبُّل وجود العلم فى كافة جوانب حياة المجتمع . إن أدب الخيال العلمى يساهم فى تنمية الإبداع، وتكوين الفكر العلمى ، والاهتمام بالثقافة العلمية لدى القراء ، ويساعد على تعميق فهم الناس لدور العلم فى حياتنا .
** عليك أن تعرف ما تريد أن تكتب عنه :
وهنـاك تطـور مهـم آخـر فى نوعية ما يكتبه مؤلفو القصة والروايـة حاليًّـا فـى العالـم كله ، فقد كانت النصيحة ألا يكتب الكاتب إلا عمَّا يعرف ، أما الاتجاه الحديث فيؤكد للكاتب : " عليك أن تعرف ما تريد أن تكتب عنه " . فالقصة أو الرواية لم تعد تدور فقط حول تجارب شخصية ، ولا حول مُجرّدِ الخيال المُنطلق ، بل على الكاتب ، بعد أن يستقر على موضوع عمله الأدبى ، أن يجمع أكبر قدر من المعلومات والخبرات من مُختلف المصادر حول الموضوع الذى سيكتب عنه .
إن النحلة ، لكى تقدم جرامًا واحدًا من العسل الذى فيه شفاء للناس ، لا بد أن تكـون قـد جمعـت الرحيق من ثلاثة آلاف زهرة أو أكثر . هذا الرحيق المجانىّ ، عندما تتم معالجته داخل أجهزة النحلة العبقرية ، يَتَخَلَّق منه العسل والشهد بما لهما من قيمة فائقة . وهذه هى قيمة الخبرة والتجربة والمعلومات التى لا بد أن يحرص المبدع على الوصول إليها قبل أن يبدأ فى إبداع عمله الأدبى أو الفنى .
** أثر السينما وألعاب الفيديو على القراء :
أصبحت أفلام السينما من أهم الفنون التى يتعايش معها القراء حاليًّا منذ الطفولة المبكرة ، قبل أن يجيدوا القراءة بوقت طويل ، وذلك نتيجةَ اعتيادِ الأسرة فتحَ التليفزيون طوال النهار بغير التنبه إلى أثر ذلك على صغار الأطفال ، أو لعدم إدراك البالغين لوجود مثل هذا الأثر أصلاً . ونتيجة لذلك تَشَكَّل تذوق القراء للعمل الروائى والقصصى المقروء بالبناء الفنى الذى تحرص عليه أفلام السينما .
- ولا شك - حاليًّا - أنه كلما اقترب بناء العمل القصصى أو الروائى وإيقاعه من هذا الذى تَعَوَّد القراء على مشاهدته والتفاعل معه على الشاشات ، كان ذلك عاملاً مهمًّا فى جذبهم إلى القراءة وتذوقهم لما يقرءون من أعمال روائية أو قصصية . لهـذا فـإن الأديـب الـذى يكـتـب القصـة أو الروايـة ، لابـد أن يتنبـه إلى تأثيـر مُشاهـدة الأجيـال الجديدة - على نحو مستمر ومتواصل - لأفلام السينما .
- ومن أهم آثار مشاهدة القراء لأفلام السينما ، أن عيونهم تعودت أن " ترى " الأشياء: أشكال الملابس ، طُرز العمارة ، مفردات الأثاث ، عناصر البيئة ( صحراء - بحر- قرية - مدينة ) ، وتأثيرات المناخ ( سماء صافية / سُحب / أمطار .... ) ، وبالتالى قَلَّ اهتمامهم " بقراءة وصف " لهذا الذى تعوَّدت عيونهم أن تستوعبه جيدًا بغير حاجة إلى كلمات . لهذا فإن الأدباء لم يعودوا فى حاجة إلى إطالة الوصف لما يمكن أن تراه العين ، وأصبح عليهم أن يتركوا مُهمة الوصف البصرى لعمل الرسام ، الذى أصبح دوره ضروريًّا ومطلوبًا حتى بالنسبة لكُتب المراهقين والشباب .
- كذلك تَعَوَّد القراء على الاستماع إلى " الحوار المباشر "، أو ما يطلق عليه (direct speech)، سواء فى الأفلام أو التليفزيون - فلم يعودوا يتقبلون كثيرًا أن نكتفى بأن نسرد لهم مضمون الحوار (indirect speech) .
القسم الرابع
كيف تكتب رأيك فى قصة أو رواية
التعريف بالكتاب :
تتطلب كتابة تقرير عن قصة أو رواية ، أن نكتب مقدمة قصيرة تتضمن اسم الكتاب ، واسم المؤلف ، والسنة التى تم فيها نشر الكتاب ، واسم الناشر . ويمكن أن نذكر فى عبارة قصيرة السبب فى اختيار هذه القصة أو هذا الكتاب لنكتب عنه ، وما هو موضوع الكتاب أو ما هى فكرته الرئيسية .
بعد المقدمة ، نكتب ملخصًا مختصرًا يوضح الحبكة أو عقدة القصة على نحو منطقى مفهوم . وأن نبين الخط الرئيسى الذى تدور حوله الأحداث أو الصراع أو المنافسة بين الشخصيات الرئيسية . ومن المهم أن نبين بوضوح خصائص كل شخصية باختصار ونحن نقدمهم أو نستعرضهم . ومن المهم أيضًا أن نبين المكان الذى تحدث فيه الأحداث ، ومتى تقع أحداث القصة .
أما خاتمة التقرير ، فمن المفروض أن نبين فيها الرأى أو وجهة النظر فى الكتاب. إن خاتمة تقريرك يجب أن توضح ما إذا كنت ترشح الكتاب للقراءة ، وأن تشرح لماذا انتهيت إلى هذا الرأى .
مقدمة التقرير :
فى مقدمة تقريرك عن القصة أو الرواية ، من المهم أن تعرض نوعيــة الكتــاب الــذى تكتب عنه تقريرك ، بمعنى أوضح : هل هو من الكتب القصصية ، أم غير القصصية.
وفى مقدمتك ، وأنت تخبر قارئك لماذا اخترت هذا الكتاب لتكتب عنه ، اذكر ما الذى أعجبك فيه ، وهل قرأت كتابًا أو كتبًا أخرى لنفس المؤلف ، وهل يتناول هذا الكتاب موضوعًا كنت مهتمًّا به ، أو هل كنت تعرف شيئـًـا عن موضوع الكتاب أو فكرته الرئيسية قبل أن تقرأه . تأكد أنك حددت بوضوح موضوع الكتاب فى مقدمتك .
ملخص القصة أو الرواية :
كتابة ملخص قصة يجب أن تتناول : مَن ؟ أى الشخصيات - وماذا يحدث ؟ أى العقدة أو الحبكة ، وأين ؟ أى مكان وقوع الأحداث - ومتى ؟ أى زمن وقوع الحكاية - ولماذا ؟ أى بيان دوافع الشخصيات .
مَن ؟ .. الشخصيات أو أبطال القصة :
اجعلنا نتعرف على الشخصيات . أخبرنا بأسمائهم ، قدم لنا وصفًا لهيئتهم . ثم عليك أن تشير إلى بعض الأشياء التى توضح السمات الخاصة لكل شخصية . ثم اشرح كيف جعل المؤلف شخصيته تتطور ولماذا ، وهذا ما نطلق عليه " تجسيد الشخصيــات " ، أو "بناء الشخصية " ، أى كيف قام المؤلف برسم الشخصية . وفى معظم القصص الناجحة تتطور الشخصية بين بداية الرواية ونهايتها ، وعلينا توضيح ذلك . كذلك فإن توضيح نوعية العلاقات بين شخصية وأخرى مهم للغاية .
ماذا يحدث ؟ .. العقدة أو الحبكة :
ما يحدث فى القصة هو ما نسميه " الحبكة " أو " العقدة " . اذكر الخط الرئيسى للرواية .. استعرض مع قارئك أهم الأحداث .. وَضِّح بطريقة منطقية مقدمات كل حادث وكل تطور بحيث يصبح ملخص القصة مفهومًا بسهولة . وما هو الصراع بين الأطراف الذى يجعل القارئ شغوفًا بأن يقرأ حتى النهاية ليعرف نتيجة الصراع ، أى لكى يصل إلى حل العقدة . والعقدة لها قمة أو ذروة: بَـيِّن أكثر مواقف القصة إثارة وتأثيرًا .
أين ؟ .. مكان أو أماكن وقوع أحداث القصة :
تدور أحداث القصة أو الرواية فى مكان ما ، وعليك أن تخبر قارئك أين حدث هذا . أحيانًا لا يحدد المؤلف مكانًا معينًا ، لكن يجب أن تقدم فى تقريرك أكثر ما تستطيع من معلومات حول مكان وقوع الأحداث : هل تعيش الشخصيات فى القاهرة أم فى المريخ أم فى حظيرة ؟ إن مكان وقوع الأحداث يساعد القارئ على تصور الجو العام الذى تقع فيه الأحداث . وإذا تخيلت جوًّا مختلفًا تعيش فيه إحدى الشخصيات ، ستكتشف مدى أهمية دور المكان أو الجو الذى تحيا فيه تلك الشخصية ، ويؤثر على تصرفاتها وسلوكها وتفكيرها . إن العناصر المادية الطبيعية التى تحيط بشخصيات القصة ، والطريقة التى يتحدث بها الناس ، تساهم كلها فى رسم جو القصة . هذه التفاصيل عن المكان الذى تقع فيه أحداث القصة تساعد على أن يشعر قارئ القصة بأن أحداثها حقيقية ، كما تساعده على أن يتخيل بسهولة مكان وقوع الأحداث .
متى ؟ .. زمن وقوع أحداث القصة :
أحد عناصر رسم الجو العام الذى تقع فيه أحداث القصة ، هو بيان الزمان الذى تقع فيه الأحداث : هل تجرى أحداث القصة فى الوقت الحالى ، أم منذ مائة سنة مضت ، أو بعد سنوات كثيرة فى المستقبل ؟ أحيانًا لا يحدد المؤلف بوضوح الوقت أو الفترة ، لكنك ستجد دائمًا مؤشرات تساعدك على تحديد الزمن أو الوقت الذى تقع فيه الأحداث .
لماذا ؟ .. ما هى دوافع الشخصيات :
ما الذى يحدث للشخصيات وحولها ، ويتسبب فى أن تقوم بما قامت به فعلاً من أحداث أو مواقف ، أو يكون سببًا لأن تتغير الشخصية خلال القصة . وإذا كنت من القراء اليقظين المتنبهين للتفاصيل ، فقد تستطيع أن تفهم الدوافع أو الأسباب التى جعلت الشخصيات تتصرف أو تفكر أو تتغير على النحو الذى رسمه المؤلف .
التحليل النهائى :
خاتمة تقرير عن كتاب من المفترض أن توضح للقارئ ما إذا كنت قد أحببت القصة أم لم تحبها . إننا نحب الكتاب عادة بسبب الطريقة أو الأسلوب الذى كتب به المؤلف قصته.
* وفيما يلى بعض تقنيات أو أساليب الكتابة :
رسم الصور بالكلمات : يمكن للكاتب أن يرسم صورًا بالكلمات . هـذا الرسـم يساعد القـارئ علـى أن يرسم صورة فى ذهنه لما يقرأ عنه ، وبذلك يصبح من السهل فهم الكتاب واستيعاب القصة ، وتصبح أكثر تشويقًا ومتعة له .
أشكال معتادة من الرسم بالكلمات :
التشبيه : باستخدام التشبيه تتم مقارنة شيئين أحدهما بالآخر ، باستخدام كلمة " مثل " أو " كأن " أو " كأنه " أو " وهذا يشبه " . فعندما تقول لوالدتك إن أخاك " بكى مثل الأطفال الصغار " عندما سقط وأُصيبت ساقه ، فستفهم والدتك أنه مع أن أخاك لم يعد طفلاً صغيرًا ، فقد تألم بشدة حتى صاح باكيًا مثل صغار الأطفال .
أما الاستعارة أو المجاز : فهى تشبيه بين شيئين " بغير " استخدام كلمة " مثل " أو " هذا يشبه " ، فعندما تقول أنا لم أفهم لهذا الموضوع رأسًا من ذيل ، فمعنى هذا أن الأمور اختلطت أمامك فلم تعد تفهم شيئًا ، فقد أصبحت الرأس مثل الذيل والذيل مثل الرأس . لقد شبهت بداية وخاتمة الموضوع برأس وذيل حيوان اختلطا معًا فلم تعد تميز أحدهما عن الآخر .
الأسلوب أو الجو العام : ومقصود بهذا الروح العامة التى تسود القصة : هل هى جو مثير للفزع والخوف على مصير الشخصيات ، أم أن جو السخرية هو الذى يسيطر على أسلوب الكاتــب وتعبيــرات الشخصيــات . أو قــد يوحــى جو القصة بأهمية التضامن وقوة الإرادة
للتغلب على العقبات مهما كانت قسوتها .
* ويفيد أن توضح فى خاتمة رأيك لماذا اختار الكاتب الموضوع الذى دارت حوله القصة ، وما الذى يريد أن يُـبَلِّغَهُ الكاتب للقارئ عن طريق الكتاب ، أو ما نطلق عليه " وجهة النظر " . ثم تبين رأيك فيما إذا كان المؤلف قد نجح فيما يهدف إليه من قصته .
* إن كتابة الرأى فى كتاب لا بد أن تتضمن حقائق حول الكتاب ، لكن طريقة عرض وترتيب هذه الحقائق لابد أن تعطى فكرة عن الكتاب ككل . إن تقريرًا عن كتاب لا بد أن يلخص ماذا أراد المؤلف أن يقول ، وكيف قاله ، وما إذا كان الكاتب قد نجح فى توصيل ما أراد أن يقوله إلى القارئ .
وإذا كان عرض الرأى فى كتاب يتطلب مناقشة محتوى القصة أو الكتاب ، فإنه يمكن أن يتضمن أيضًا نقدًا للكتاب إضافة إلى التعريف به . إن رأيك الخاص ووجهة نظرك الشخصية مهمان جدًّا ، ما دمت تريد أن تنصح القارئ بما إذا كان الكتاب جديرًا بالقراءة أم لا .
القسم الخامس
وسائل لتنمية قدرات الطلاب على كتابة القصة
* نقدم هنا للمعلم عددًا من الوسائل لتنمية قدرات الطلاب على معايشة فن كتابة القصة ، والتفاعل مع موضوعات وشخصيات ومواقف القصص ، وهو ما يعمل على صقل مواهبهم، وتنمية قدراتهم على كتابة القصة :
** أولاً : أثناء قص قصة على الطلاب : يستطيع المُعلم استخدام أسلوب الحوار والسؤال والجواب لقص القصة : فعلى من يحكى القصة أن يحرص على اشتراك الطلبة معه فى التعبير بألفاظهم وخبراتهم وخيالهم عن مواقف القصة المختلفة ، لتشجيعهم على الإبداع والابتكار والتفاعل والمشاركة ، وللتعرف على عناصر القصة .
وعلى المُعلم أن يستعين بوسيلة إيضاح ، ليكون من السهل عليه أن يسأل الطلبة عما يشاهدون ، لكى يعبِّروا هم بألفاظهم عن مواقف القصة المختلفة . فعند كل موقف ، من المهم الاستماع إلى أكثر من طالب ، بل إلى أكبر عدد من الطلاب ، لكى يقدم كل منهم تعبيره ورأيه الخاص عن ذلك الموقف ، لما فى هذا من تنمية القدرات الإبداعية المتفردة .
- ومن أفضل الوسائل لتنمية أسلوب الحوار والمشاركة بل والإبداع ، تشجيع الطلبة على " ابتكار الحوار " الذى يمكن أن يدور بين شخصيات القصة فى المواقف المختلفة ، سواء كانت هذه الشخصيات من البشر أو الحيوانات أو الجمادات . وهنا لا بد من تشجيع الطلبة على أن يعبر كل واحد منهم بألفاظه وعباراته وتعبيرات وجهه وجسمه ، على نحو يختلف عن أسلوب تعبير غيره من الطلبة ، وذلك لتنمية القدرة على التخيل والابتكار والإبداع ، ولتنمية الثروة اللغوية ، وتنمية الثقة بالنفس ، والقدرة على التعبير بالكلمات عن المواقف والأحداث والشخصيات .
وكذلك لتدريب الطلبة على اللعب الخيالى أو التمثيلى ، الذى يمكن أن يقوم به الطلبة كنشاط مستقل بعد الانتهاء من قص القصة ، عندما يقومون هم أنفسهم بتحويل مواقف من القصة إلى حوار ، يقومون هم بإبداعه ، ثم تمثيله مجموعة بعد مجموعة ، على أن تقدم كل مجموعة عبارات جديدة ، أو أساليب تعبير تمثيلية تختلف عن الذين سبقوهم .
- كما يمكن تشجيع الطلبة على تقديم أكثر من سبب لتصرفات أبطال القصة ، مثلاً فى قصة " الحمامة والنملة " ، يمكن أن يقدم الطلبة إجابات مختلفة عن سؤال : "لماذا سقطت النملة فى الماء ؟ " وقد تكون الإجابات : لأنها أرادت أن تشرب - أو كانت تريد أن ترى صورتها فى الماء - أو لأنها ذهبت لتغسل أقدامها التى لوثها الطين - أو لأنها أرادت أن تلعب مع الأسماك أو تتفرج عليها - أو أن الرياح الشديدة قذفت بها إلى الماء - أو أنها أرادت استرداد شىء وقع منها فى الماء .
** ثانيًا : بعد الانتهاء من قص القصة ، ولتدريب الطلبة على معايشة الإبداع القصصى ، على المُعلم تشجيع الطلبة على القيام بكل أو بعض الأنشطة التالية :
- أن يقوم الطلبة بإعادة قص القصة ، يشاركون فى ذلك واحدًا بعد الآخر ، مُستخدمين الوسائل المُعينة ، ثم بدون الوسائل المُعينة ( وسائل الإيضاح ) ، ويكون لهم حرية التعديل والإضافة والحذف ، مستخدمين قدراتهم الإبداعية والابتكارية .
- أن يقوم المُعلم بإلقاء أسئلة وإجراء حوار مع الطلبة حول مواقف القصة ، وشخصياتها ، وفكرتها الرئيسية ، مع ربط كل هذا بخبرات الطلبة الشخصية . ويمكن أن يقوم الطلبة بتوجيه الأسئلة لبعضهم بعضًا ، كما يمكن تدريب الطلبة على صياغة أسئلة حول بعض الإجابات التى يختارها المُعلم أو أطفال آخرون .
- تشجيع الطلبة على اختيار اسم جديد للقصة ، ويمكن لعدد كبير من الطلبة اختيار أسماء متعددة . ونلاحظ أن هذا النشاط يساعد على استخلاص فكرة القصة ، وموضوعها ، ووجهة النظر التى تتضمنها ، مع بيان سبب هذا الاختيار .
- تشجيع الطلبة على اختيار خاتمة جديدة للقصة ، ويمكن لأكثر من طالب أن يقترح خاتمة مختلفة للقصة ، مع بيان سبب هذا الاختيار .
- تشجيع أن يقترح الطلبة تغيير أحد مواقف القصة ، ويمكن لأكثر من طالب أن يقترحوا تغييرات مختلفة للموقف الواحد ، مع مناقشة الهدف من كل اقتراح .
- تمثيل الطلبة لأحد مواقف من القصة ، ويمكن أن يتم تمثيل الموقف الواحد عدة مرات بطلاب مختلفين ، على أن يغير كل واحد منهم أساليب التعبير وجمل الحوار .
- يقوم الطلبة بقص أو كتابة قصص مشابهة فى موضوعها أو مضمونها للقصة التى سمعوها .
** ثالثًا : كتابة قصة من واقع عدد من الرسوم لا تتضمن أية كلمات ، وهناك عدد كبير من كتب المدارس الأجنبية ، صدر تحت عنوان " أستطيع أن أكتب قصة " ، يتضمن كل كتاب حوالى 15 قصة مرسومة بغير كلمات . وفى نهاية كل كتاب عبارة تقول : " إذا كنت قد استطعت أن تكتب أربع عشرة قصة مستعينـًـا بالرسوم ، فإنك تستطيع أن تكتب قصة جديدة من تأليفك ، كما تستطيع أن ترسم قصة تبتكر موضوعها " .
وهناك مجموعات من كتب الأنشطة العربية موجهة إلى طلبة المرحلة الابتدائية، تتضمن مثل هذا النشاط الحافز على كتابة القصة ، صدرت تحت عنوان " اصنع بنفسك " .
** رابعًا : تنمية موهبة كتابة القصة ومعايشة عناصر القصص عن طريق تحويل القصص إلى تمثيليات . ذلك أنه يُمكن أن نُعاون الأطفال على تمثيل قصة طالعوها أو سمعونا نقرؤها لهم . وفى هذا النشاط التمثيلى ، يجب أن نترك للأطفال حُـرّية ابتكار الحوار وأساليب التعبير . بل تغيير بعض المواقف أو تغيير الخاتمة ، كذلك يجب أن يشترك كل الأطفال فى هذا النشاط ، فالشخصية الواحدة يُمكن أن يُمثــّـلها أكثر من طفل بالتناوب .
ويُمكن أداء هذا النشاط التمثيلى بالدُّمى ( العرائس ) ، التى يُمكن أن يصنعها الأطفال بأنفسهم ، أو بالأقنعة . ويتم هذا النشاط داخل قاعة الفصل أو فى قاعة المكتبة ، بغير حاجة إلى قاعة مسرح ، وبغير بحث عن متفرجين خارج مجموعة الأطفال المشاركين .
** خامسًا : كتابة قصص حول موضوعات يقترحها المُعلم ، تكون قريبة من خبرات الطالب الحياتية ، وتتضمن العنصر الإنسانى ، مع الاهتمام فى بناء العقدة بما يحدث للبطل من " تَحَـوُّلات " ما بين بداية القصة ونهايتها .
ونقدم بعض النماذج لهذه الموضوعات :
* هناك شىء أو شخص أو موقف كنت تخاف جدًّا منه وأنت صغير ، ثم حدث شىء جعلك تتغلب على هذا الخوف - اكتب قصة هذا التحول وكيف حدث .
* زميل فى فصلك كنت تظن أنه لا يمتلك أية مواهب ، وفى أحد المواقف ظهرت بوضوح إحدى مواهبه المتميزة ، فتغير تقديرك له .
* ابن أو ابنة فى أسرة يتصور أو تتصــور أن الوالديــن لا يعطيــان له أو لهــا نفــس
الاهتمام الذى يتمتع به بقية الإخوة والأخوات ، ثم حدث شىء ترتب عليه تغيير هذا التصور .
* هناك شىء تريد أن تغيره فى نفسك لكنك لا تستطيع ، ثم حدث شىء جعلك تتغير (مثلاً : لا تذاكر - لا تهتم بأن ترعى أخًا أو أختًا أصغر منك - لا ترتب غرفتك ) .
* ماذا يحدث لو أننى … ( سمكة شاهدَت زميلة لها تقع فى شبكة الصياد - وردة يريد ولد أو بنت أن يقطفها مع أنها تزين الحديقة - قطرة ماء تخاف من التلوث - قطة فى بيت يعاملها ولد أو بنت بقسوة وبغير شفقة ) .
* شىء أنت مقتنع أنه صواب ، واضطررت للدخول فى صراع دفاعًا عن رأيك ..
كيف حدث هذا ، وكيف واجهت النتائج ؟
* أساء مدرس ذات مرة إلى مشاعرك .. لماذا فعل ذلك ؟ وماذا كان موقفك أو رد فعلك ؟
** سادسًا : تشجيع المُعلم لطلبته على كتابة اليوميات أو المذكرات : فالطالب يمكن أن يسجل فى دفتر يومياته كل ما وقع على حواسه خلال النهار ، ما سمع وما رأى وما لمس أو تذوق . أن يحكى انطباعاته وانفعالاته عن مواقف حدثت فى المدرسة أو الشارع أو البيت ، أو عن رأيه فيما قرأ من كتب أو مجلات أو ما شاهد من أفلام أو مسلسلات .. عن مباراة رياضية أثارت اهتمامه . إن الطالب يتعود ، بهذه الطريقة ، على تحويل الخبرات والمشاعر والانطباعات والأحداث إلى كلمات وعبارات ، وهذا هو أساس عمل المؤلف الناجح .
بالإضافة إلى أن هذا التنبه إلى كل ما يحدث حولنا ، يزودنا بذخيرة هائلة من الخبرات ووجهات النظر فى الأشخاص والأشياء .
المهم المواظبة على الكتابة يوميًّا بغير توقف ، حيث إن الكتابة ثم الاستمرار فى الكتابة هما أهم تدريب يؤدى إلى الإتقان والوضوح وسلاسة التعبير .
وعلى المُعلم أن يهتم ، بين يوم وآخر ، أن يدعو مَن يكون مستعدًّا من الطلبة ، ليقرأ على زملائه بعض ما يختاره من دفتر مذكراته أو يومياته .
إن كثيرًا من أشهر المؤلفين يعثرون على موضوعات قصصهم فى دفاتر يومياتهم ، كما يعثرون فيها على كثير من نماذج شخصيات أبطال قصصهم .
** سابعًا : تشجيع الطلاب على أن يكتبوا آراءهم فى قصة أو رواية ، فى ضوء ما أوضحناه فى هذه الدراسة . إنها وسيلة أساسية يكتشف الطلاب من خلالها أسرار فن كتابة القصة .
يعقوب الشارونى
الحائز على جائزة أفضل المؤلفين للأطفال على مستوى العالم
من المجلس العالمى لكتب الأطفال " الإبى " بسويسرا 2016
ومؤلف الكتاب الحائز على جائزة أفضل كتاب أطفال فى العالم
من معرض بولونيا الدولى بإيطاليا لكُتب الأطفال 2002 .
الرئيس السابق للمركز القومى لثقافة الطفل
والرئيس الحالى للجنة العلمية لمركز توثيق وبحوث أدب الأطفال
التابع لدار الكتب والوثائق القومية .
ت .المنزل : 23645569 - فاكس : 23680057 - محمول : 5181107 / 0100 - واتساب: 01032802961
Email:[email protected]
مراجع الدراسة
- أحمد شفيق الخطيب. (2010): ترجمة، اللغة وشبكة المعلومات العالمية،القاهرة، المركز القومى للترجمة.
- برو جودوين. (2011): كتب الأطفال- دراستها وفهمها - SAGE للنشر لندن- ترجمة: عائشة حمدى- مجموعة النيل العربية.
- دون تابسكوت. (2012): جيل الإنترنت- كيف يغير جيل الإنترنت عالمنا. الطبعة الأولى- ترجمة ونشر: كلمات عربية للترجمة والنشر.
- ديفيد كريستال. (2010): اللغة وشبكة المعلومات العالمية. نشر جامعة كامبريدج. الطبعة الثانية- ترجمة: أحمد شفيق الخطيب، القاهرة، المركز القومى للترجمة.
- سيسيليا ميرابل: مشكلات الأدب الطفلى- ترجمة: مها عرنوق- سلسلة دراسات نقدية عالمية- رقم 33، سوريا، منشورات وزارة الثقافة السورية.
- شاكر عبد الحميد. (2005): عصر الصورة. سلسلة عالم المعرفة، الكويت، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب.
- فالنتينا إيفاشيفا. (2006): الثورة التكنولوجية والأدب- ترجمة: عبد الحميد سليم، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- ماريا ألبانو. (2009): القصة المصرية الحديثة للأطفال. ترجمة من الإيطالية، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- محمد حسن عبد الله. (2001): قصص الأطفال ومسرحهم. الطبعة الأولى، القاهرة، دار قباء للطباعة.
- محمد محمود رضوان. (1973): الطفل يستعد للقراءة. الطبعة الثانية، القاهرة، دار المعارف.
- هالة الشارونى. (1996): اصنع بنفسك. سبع البحر بالأصابع، الجزء الخامس، القاهرة، مكتبة مصر.
- (1996): اصنع بنفسك. فراشة لمسرح العرائس ، الجزء العاشر، القاهرة، مكتبة مصر.
- هالى بيرنت: كتابة القصة القصيرة. ترجمة: أحمد عمر شاهين. سلسلة كتاب الهلال،القاهرة، دار الهلال.
- يعقوب الشارونى، سالى رءوف. (2012): ترجمة- مهارات الكتابة للأطفال. القاهرة، المركز القومى للترجمة.
- يعقوب الشارونى. ( 2002): كيف نقرأ لأطفالنا، مكتبة الإسكندرية للنشر والتوزيع.
- (2002): تنمية عقل وذكاء الطفل، مكتبة الإسكندرية للنشر والتوزيع.
- (2005): تنمية عادة القراءة عند الأطفال. الطبعة الرابعة، القاهرة، دار المعارف.
- (2012 ): كيف نحكى قصة، مكتبة الإسكندرية للنشر والتوزيع. مصر
- (2012): القراءة مع طفلك. سلسلة اقرأ. الطبعة الأولى، القاهرة، دار المعارف.
- (2013): معجزة فى الصحراء، القاهرة، دار نهضة مصر.
- (2014): قصص وروايات الأطفال فن وثقافة، سلسلة "اقرأ". القاهرة، دار المعارف.
- Adamson, Lesley. (1981): I can write a story, Book 1, 2, 3. WHEATON.
- Kathleen Christopher Null. (1997): How to Write a Story.