قرية برائحة الفراعنة، ماتزال تعيش الأجواء العبقة، تشارك في الامتداد الحضاري للتاريخ، محافظة على الهوية المصرية، مطلعة أطفالها على تراث ممتد لسبعة ألاف سنة، تعيش على صناعة ورق البردى، الذي بنى عليه الفراعنة حضارتهم، ودونوا فيه علومهم ورسائلهم وفنونهم وأسرارهم، قرية القراموص بمركز أبو كبير بمحافظة الشرقية، التي اجتهدت لتبقى على عهدها محافظة على تراث الأجداد، رغم مرور آلاف السنين.
"أهل مصر" زارت قرية أحفاد الفراعنة، لتتعرف على تاريخ صناعة ورق البردى على لسان صناعها.
قال الحاج "سعيد علي إبراهيم" 57 عامًا، موظف ويعمل مدير مشروع البردي بجمعية تنمية المجتمع، مقيم قرية القراموص مركز أبوكبير بمحافظة الشرقية لـ"أهل مصر"، "احنا القرية الوحيدة في مصر اللي بتزرع وتصنع البردي، وأنا من الناس المهتمين باستمرارية المهنة".
وأضاف "سعيد"، بدأت زراعة البردي في القرية عام 1967 منذ 42 عاما، على يد أحد أبنائها الدكتور "أنس مصطفى"، الذى أدخل شتلات البردى للقرية، وهو خريج فنون جميلة، وحصل علي دكتوراه وبدأ يعلمنا كيفية زراعة وصناعة نبات البردي، وتحويله من زرع لخام، وأتى هو وأصدقائه من كلية فنون جميلة وتربية فنية وفنون تطبيقية، وبدأوا يعلمونا "إزاي نشتغل وإزاي نمسك فرشاة، لدرجة أننا بقينا نشتغل لوحدنا ونعمل (ديزاين) ورسومات فرعونية وإسلامية، وبدأنا نمارس المهنة، وانتشرت مجموعات الورش بالقرية، ومنذ 10 سنوات، بدأت المهنة تنحدر، ومبقاش فاضل غير 10 أو15 ورشة فقط".
واستكمل "إبراهيم سعيد" 25 عامًا، يعمل بالمهنة، أن طريقة تصنيع نبات البردي، تبدأ من حصد النبات، ثم تُقطع العيدان حسب المقاسات المطلوبة، ثم يُقطع إلى شرائح طويلة، لتوضع فى أوان مملوءة بالبوتاس المخلوط بالماء فى درجة حرارة معينة، وتسمى "بالبوتسة" للعمل على تليين الشريحة، ثم "الكلورة"، حيث توضع الشرائح فى الكلور ليتم تنظيفها، ومنحها لون أبيض، ثم رص الشرائح لعدة طبقات بالطول وبالعرض على القماش والكرتون، ثم توضع أسفل المكبس، وهو الآلة الوحيدة الموجودة فى هذه الصناعة، ليجفف المياه من الشرائح فتخرج لنا الورقة.
وتابع "سعيد"، نصل لمرحلة الطباعة والرسم، وغالبا تكون رسومات فرعونية، يقوم بها نساء وعمال بسطاء، ربما لا يعرفون القراءة أو الكتابة، ولكنهم تدربوا على هذا العمل، فتحولوا إلى فنانين تشكيليين بالفطرة اشتهروا على مستوى العالم، وأحيانا يطبعون إحدى الرسومات مباشرة على الورقة من الآلة، مشيرًا إلى أن مرحلة التسويق يقوم التجار بشراء الورق وتسويقه فى القاهرة والمناطق السياحية.
وأضاف، يتراوح سعر الورقة من 150 إلى 200 قرشا، وأن أطوال الورقة، تبدأ من 30 سم، وتصل لمتر فى مترين، وهناك من يطلب أكثر، لاستخدامها فى رسم لوحات معينة، وأطوال أكبر تصل لمائة متر لوضعها فوق واجهات الفنادق والشركات، يمكن استخدام ورق البردى كورق حائط، كما تصُدر سواء فارغة أو مرسومًا عليها، تُستخدم أيضًا لكتابة شهادات التقدير.
وأوضح "سعيد"، من أبرز عيوب الصناعة ارتباطها بالسياحة صعودًا وهبوطًا، لذا طالبوا بعمل دعاية سياحية لها، كى يأتى السياح ويرونه على الطبيعة، وكيف يُصنع بمعدات يدوية بسيطة، لذا يجب التعريف بهذا المنتج بصورة تليق به.
ومن جانبه أصدر الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية، قرارًا بتشكيل لجنة قومية عليا لإعداد ملف الصون العاجل، لحرفة صناعة البردي، وإدراجها ضمن قائمة التراث اللامادي بمنظمة اليونسكو، برئاسة اللواء دكتور حسين الجندي السكرتير العام للمحافظة، وعضوية كل من عميد المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، وخبير التراث الثقافي اللامادي بمنظمة اليونسكو، وعضو المكتب العلمي بمكتب وزير الآثار وباحث بمركز دراسات الفنون الشعبية، ومدير عام الشئون الفنية، بمركز إحياء الفن المصري القديم بوزارة الآثار، ووكيل عام فرع ثقافةً الشرقية، ومدير إدارة التراث الحضاري بالمحافظة.
وأوضح المحافظ، أن اللجنة تختص بإعداد ملف الصون العاجل لحرفة صناعة البردي، وإدراجها ضمن قائمة التراث اللامادي بمنظمة اليونسكو.
وأضاف محافظ الشرقية، أن القرار جاء تنفيذًا لخطة المحافظة للحفاظ على التراث، الذي تنفرد به المحافظة، وكذلك توثيقه وإبرازه للعالم كتراث مصري عالمي، والحفاظ عليه من الاندثار لتقوم اللجنة المشكلة والتي تضم مجموعة من الخبراء في هذا المجال، بإعداد الدراسات الخاصة، لوضع حرفة البردي بمحافظة الشرقية، على قائمة التراث العالمي.