تزامنت ذكرى
مقتل «اسامة بن لادن» زعيم تنظيم القاعدة أمس مع ظهور زعيم تنظيم داعش «أبو بكر
البغدادي» منذ أيام، وبدأت خيوط اللعبة تنكشف أول الأمر، عندما تلقت عائلة بن لادن
في مدينة جدة غرب السعودية، رسالة مجهولة المصدر دون أن تعرف كيف وصلت، ولا من
أوصلها؟.
«بن
لادن» كشف مفاجأة عن إيران قبل مقتله
واتضح وفقاً
لمصدر نقلت عنه صحيفة «الاندبندنت» أن الرسالة التي وصلت لعائلة «بن لادن» أنه
رسالة شخصية منه كان يستغيث فيها بهم للتدخل ليس من أجل وضع حد للحصار المطبق عليه
يومئذ في مخبئه كما يزعم، لكن من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه باستعادة عائلته من
إيران بأي ثمن، المهم أن ترفع عنهم أيدي نظام ولاية الفقيه.
وقال المصدر،
الذي قرأ الرسالة المطولة، إن بن لادن قال في رسالته إنه «يشعر بحبل المشنقة يطوّق
رقبته، كما أنه وجد من تعامل الإيرانيين مع تنظيمه أنهم ينوون الغدر به وابتزازه
عبر عائلته التي يستضيفونها، إن لم يكن عن طريق استخدامهم ضده، فبواسطة تشكيلهم
فكرياً كما يشتهون».
ولم يتضح ما إذا
كانت تلك الرسالة هي الأولى التي تتلقاها عائلة بن لادن من زعيم تنظيم القاعدة بعد
أحداث 11 سبتمبر أم لا، إنما الأكيد أنها الأخيرة، إذ سريعاً ما أعلن الأميركيون
اقتناص بن لادن في أبوت آباد الباكستانية يوم الإثنين 2 مايو2011.
ومع أن الجميع
شاهد خبر الحادثة، إلا أن أسرة «بن لادن» كانت بين قلة من المعنيين بالأمر شاهدوا
صورة أسامة بن لادن الحقيقية بعد مقتله، إذ اجتمع بهم مسؤول أميركي في جدة
بالتنسيق مع السلطات السعودية، فروى لهم وقائع الحادثة رسمياً، وأطلعهم على صور
موثقة محظورة التداول لابن لادن مقتولاً، وأخذت منهم عينات لإجراء تحليلات “دي إن
إن” لمزيد من التأكيد والتدقيق، وأخبرهم الأميركيون بالرواية نفسها التي أعلنوها
للعالم أجمع، من تجهيز وصلاة ودفن.
بالعودة إلى
مراسلات بن لادن، التي أفرج عنها الأميركيون، نجد التفسير الذي قاد على الأرجح
زعيم تنظيم القاعدة إلى البحث عن طوق نجاة أخير له ولأسرته، ففي إحدى مراسلاته مع
رجاله في وزيرستان، حسبما توضح الوثيقة رقم 10، كان بين الموضوعات المطروحة
للنقاش، كيفية التعامل مع صور سعد بن لادن المقتول، فبينما يرى فريق بن لادن أن
نشرها ضروري لإطلاع الأمة على الوجه الأسود للنظام الإيراني، يختلف معهم بن لادن
في ذلك، ويدعوهم إلى الاحتفاظ بها في أرشيف منصة “السحاب” التابع للتنظيم.
وكان من بين
التفاهمات، التي جرى التوافق عليها في 2009، أن تطلق إيران نجل زعيم التنظيم سعد
بن لادن ليتوجه إلى أفغانستان، وفق آلية معينة جرى تدبيرها على هيئة هروب من
السجن، الذي كان يخضع فيه هو وعائلته إلى ما يشبه الإقامة الجبرية، لكن الذي حدث
أن الإيرانيين، حسب اتهام تنظيم القاعدة، سربوا إلى الأميركيين تحركات سعد إلى
أفغانستان، فاستهدفه الأميركيون بغارة فقتلته.
إيران
باعت «بن لادن» لأمريكا
الإيرانيون
الذين أنكروا رواية القاعدة، ظلوا على اتصال مع التنظيم، إذ لا يزالون يحتفظون
بعدد من رموزهم وأسرهم، فيما بقيت أوراق القاعدة للضغط على طهران محدودة.
في هذا الظرف
على الأرجح جاءت رسالة بن لادن إلى عائلته إثر خشيته أن يكون مصير بقية أفراد
أسرته مثلما حدث لابنه الذي قتل، بل راودته فكرة أخطر بأن يستهدفه الأميركيون
بالتعاون مع الإيرانيين حين موافقة طهران على إطلاق سراح عائلته ومغادرتها نحوه في
باكستان، فكما تظهر الوثائق لا يخشى على دخول عائلته مذهب ولاية الفقيه مثلما حاول
أن يوهم عائلته في السعودية لاستثارة عاطفتها فقط، لكنه خشي على نفسه أيضاً من
الاستهداف، بعد أن شك في نوايا الإيرانيين، وأنهم “قلبوا له ظهر المجن”، بعد أن لم
يعد التعاون بينهما كما بدأ، ليجيب -وفق الوثيقة رقم 3- مسؤول التنظيم في وزيرستان
قائلا “بخصوص ما ذكرتم في رسالة سابقة بأنه قد يذهب بعض الإخوة إلى إيران ضمن خطة
المحافظة على الإخوة، فأرى أن إيران غير مناسبة”.البرنامج
النووي على الخط
العلاقة بين
القاعدة وإيران لم تنقطع، إلا أن الثقة لم تعد في مستواها الذي سبق مقتل نجل بن
لادن، وهذا ما يمكن أن يفهم من الدفعة الثانية من الوثائق التي أفرج عنها
الأميركيون، إذ وثقت طلب أسامة من وزيرستان محمود (عطية الله الليبي) أن يطلب من
الإيرانيين بإرسال عائلته ليس إلى أفغانستان، لكن إلى حيث أمكن نحو قطر أو
السعودية، التي يسميها الحجاز، في إشارة من بن لادن إلى أمل استجابة عائلته لطلبه
السابق ودفعها لمحاولة إقناع السلطات السعودية بصواب الخطوة التي اقترحها.
الإيرانيون
الذين بدا أنهم يبحثون عن أوراق لإقناع الرئيس الأميركي السابق أوباما بالبت في
صفقة البرنامج النووي الإيراني التي بدأت مفاوضاته السرية في هذه المرحلة أو توشك
أن تبدأ، كانوا مستعجلين إطلاق سراح عائلة بن لادن، أملاً في أن يساعد الأميركيين
تتبع خطواتهم نحو زعيم القاعدة، في استهدافه، لهذا يوحي تاريخ الوثائق المفرج عنها
بأن الإيرانيين بعد منعهم العائلة من أي تواصل مع التنظيم، جعلوا يسهلون على حمزة
بن لادن أن يتوسل إلى والده أن يفعل أي شيء حتى يطلق الإيرانيون سراحه.
وقال في رسالته
الوحيدة إليه، وهو في إيران، “شاءت الأقدار ووقعنا في أيدي هؤلاء القوم، ولا حول
ولا قوة إلا بالله، حيث لا نزال في أيديهم، لكن ما يحزنني حقاً والله، أن قوافل
المجاهدين قد سارت ولم ألتحق بها، ولا زلت واقفا مكاني تمنعني قيود الحديد، وقد
قضيت فترة المراهقة وأنا في هذا المكان، ثم بدأت في فترة الشباب وقطعت منها شوطاً،
وما زلت في نفس المكان، وأخشى أن أقضي بقية شبابي خلف قضبان الحديد، لكني أريد أن
أطلب منك طلبا بسيطا مع أنني على يقين تام بأنك تسعى لإنجازه، وتتمناه قبل ما
أتمناه وهو: أن تحاول مع القوم بكل الطرق المناسبة لإخراجنا من أيديهم سالمين
آمنين”. وهي الرسالة التي شحنها بكم هائل من العواطف والأشواق، وكانت ضمن الدفعة
الثانية من الوثائق، أي التي أفرج عنها 2017.
وأكدت الصحيفة
أن “الحرس الثوري الإيراني يواصل تقديم الدعم المالي والمادي أو التدريب أو نقل
التكنولوجيا أو الأسلحة التقليدية المتقدمة أو الإرشاد أو التوجيه إلى مجموعة
واسعة من المنظمات الإرهابية، بما في ذلك حزب الله والجماعات الإرهابية الفلسطينية
مثل حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وكتائب حزب الله في العراق وسرايا الأشتر في
البحرين وغيرها من الجماعات الإرهابية في سوريا ومختلف أنحاء الخليج”.
كيف
عادت أسرة بن لادن
الكيفية التي
عادت بها عائلة بن لادن وطريقة لقياها به والظروف المحيطة بكل ذلك، من بين أشياء
كثيرة توضح الوثائق جانباً منها، عند المقارنة بين القديمة والجديدة، وربطها
بالأحداث الإقليمية المحيطة، فمن خلال الوثائق يمكن استنتاج أن عائلة بن لادن عادت
بعد مفاوضات، أسرع مما توقعت القاعدة، بدليل أن أحداً لم يكن مستعداً لعودتهم أو
للكيفية التي يتم التعامل معهم في وزيرستان، لدرجة دفعت بن لادن إلى توجيه عطية
بأن يتخلص من العائدين، ويعتذر إليهم بأن الظروف لا تناسب انضمامهم إلى صفوف
التنظيم مجدداً.
وأصدر كذلك
أوامره إلى من أصر على العمل القتالي بالانضمام إلى الطالبان، باستثناء القياديين
الذين اقترح عطية أن يتم إعادة تأهيلهم وإدماجهم، نظير حاجة القاعدة إلى تعويض
خسائرها من قيادات الصف الأول، التي اعتادت الطائرات بدون طيار الأميركية التي
تسميها القاعدة “الجاسوسيات” أن تحصدها، على الرغم من أن القاعدة -وفق الوثائق-
تعرف كيف تتعامل معه، لولا أن البشر يبقون بشراً، ويتناسون مع ظروف الحياة
احتياطات كثيرة كان بن لادن يحض عليها رجاله، قبل أن ينساها هو الآخر، حين أطلت
سيدة قلبه خيرية بعد سنوات صبر وانتظار من طهران، قاصدة زوجها المحاصر في آبوت
آباد.
وتشير مراسلات
التنظيم، إلى أن تدبير أمر عائلة بن لادن استغرق الهم الأكبر في البريد المتداول
بين أسامة ورجاله في وزيرستان، فكيف تجتمع العائلة؟ وهل يُبقي عليها التنظيم عنده،
ويوفر لها ما استطاع من الحماية، أم ينقلها إلى مكان أكثر أمناً، تحت عينه وحراسة
عملائه والمتعاطفين معه داخل باكستان حتى تتحسن الظروف الأمنية، فتلتحق هي برب الأسرة،
أو ينضم هو إليها.
كل هذه
الاحتمالات وردت في المراسلات وتم نقاشها، إلا أن أخطرها أوصى الجميع باستبعاده،
لولا أن اشتياق بن لادن إلى زوجته خيرية أجبره على اعتماده، وهو توزيع العائلة
قسمين: فريق خيرية يتجه مباشرة إلى بن لادن حيث يقيم، وآخر يصبر ممثلاً في حمزة
ابنها مع قيادة القاعدة في وزيرستان إلى حين.
هذا الخيار مع
إقراره إلا أنه استدعى تفكيراً طويلاً من بن لادن وتحريات من التنظيم وتفتيشاً
لمتعلقات العائلة التي جاءت بها من إيران، بما في ذلك حشوة أسنان أم حمزة خيرية
صابر، التي ركبتها في إيران، وكذلك المجوهرات التي كانت بحوزتهم.
وكان رأي أسامة
بن لادن أنه إذا كانت الحشوة تم زرعها قبل سنة فإنه لا حرج أن تتركها زوجه، أمَّا
إن كانت بعد ذلك، فإن الأفضل أن يستدعى طبيب مأمون فيستبدلها بأخرى أو يخلع السن
بالكلية حسب ما يقرر، المهم أن تقطع القاعدة الشك باليقين بأن الإيرانيين لم
يزرعوا خلية تجسس في أسنان خيرية ليصطادوا بها رئيس القاعدة، في واحدة من أكثر
الأدلة على مستوى القلق، الذي كان يساور التنظيم من نوايا حليفه الإيراني.
قرار توجه عائلة
بن لادن إليه في آبوت آباد فيما تكشف الوثائق، جاء متناقضاً مع رسالة وجهها إلى
زوجته خيرية يعتذر فيها عن الظروف التي أرغمته على أن يؤجل لقياها إلى وقت آخر
تكون فيه المعطيات الأمنية أنسب، لكن الوثائق تفيد بعد ذلك بأنها ذهبت إليه
مباشرة، مما يوحي بأن هنالك حلقة مفقودة، فهل كانت خيرية المعروفة بقوة شخصيتها
وبّخت زوجها بن لادن، وطلبت منه أن يجتمعا فوراً مهما تكن النتائج، أم أن الظروف الأمنية
فجأة تحسنت، وأصبحت تسمح بانضمامها إلى زوجها، أم أن الأخير هو الذي نفد صبره
فتجرع كأس السم؟ تواريخ
وقرارات وثائق بن لادن
عند الرجوع إلى
وثائق بن لادن التي أفرج عنها الأميركيون في دفعتيها الأولى والثانية، نجد أن
أقربها إلى تاريخ مقتله في 2 مايو 2011 كانت الوثيقة التي تحمل الرقم 10، الذي
يوافق بالتاريخ الميلادي 26 أبريل 2011،
أي قبل 5 أيام من مقتله.
تاريخ الرسالة
ليس فقط يعطينا فكرة عن أي شيء يشغل فكر بن لادن في لحظاته الأخيرة، لكن يمنحنا
أيضاً تصوراً تقريبياً عن المدة التي بقيها حياً بعد وصول زوجته خيرية إليه في
مجمعه، الذي قتل فيه، مما يرجح الفرضية التي كان يخشى منها بن لادن نفسه، وهي أن
يتم استهدافه بتواطؤ أميركي – إيراني، ففي تاريخ 23 سبتمبر 2010 كان الموضوع
الرابع من مراسلة عطية إلى زعيم التنظيم حمزة ووالدته قائلاً “بالنسبة لأم حمزة
فهي جاهزة للانطلاق إلى جهتكم، لكن كنا ننتظر تأكيد الأمر منكم، وأيضاً ننتظر
أياماً غائمة مناسبة للحركة حسبما وجهتم”، مما يعني أن خيرية في أحسن الأحوال لم
تكن لتصل زوجها قبل مطلع 2011.
وتبرهن الوثيقة
رقم 10 التي خطها بن لادن قبل أربعة أيام فقط من مقتله على أنه لم يعش طويلاً بعد
وصول أسرته إليه، إذ جاءت حاملة بعض التوجيهات الضرورية لالتحاق نجله حمزة
بالعائلة في آبوت آباد، باعتباره يمثل الدفعة الثانية من العائلة التي تقرر أن
تلتحق برب الأسرة، حيث يقيم في نهاية المطاف، فلم يكن مع العائلة في بيت والده حين
قتل، بما يعني أنه بلغه الخبر وهو في طريقه إلى موقع سكنى والديه. وتبعاً لرسالة
بن لادن السابقة إلى زوجته خيرية، فإن السماح لحمزة بالانضمام إليهم، يعني أنهم
اختاروا منزلاً جديداً، واستبدلوا عناصر حمايتهم الأمنية من المحليين، الذين قطعوا
أي أمل أمام محاولات بن لادن الأب ضم أسرته الجديدة إليه، مع أن التقارير أجمعت
على أن بن لادن قتل في البيت، الذي ظل فيه سنوات عدة، فهل قدم مزيداً من الإغراء
للمكلفين بحراسته بما أقنعهم بتوسيع دائرة سكان المجمع؟