ينتشر الإلحاد في المنطقة العربية رويدا رويدا، وتنتشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي الاف الصفحات التي تروج للإلحاد، ومن الملاحظ أن هناك جهات تقف وراء خطة لنشر الإلحاد بين الشباب، والمفارقة أن مثل هذه الصفحات تروج للإلحاد من خلال طرح استفسارات حول معاني آيات وردت في القرآن الكريم فقط، وكأن هذه الصفحات تستهدف الشباب المسلم على وجه التحديد دون بقية الشباب الذين قد يتبعون أديانا أخرى غير الإسلام ومن الأسئلة الشائكة التي تروج لأفكار الإلحاد عبر هذه الصفحات سؤال حول معنى الاية الكريمة: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولٰكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ۚ ولتسألن عما كنتم تعملون ، فلماذا يعاقب الله سبحانه وتعالى غير المؤمنين به طالما أن مشيئة الله هى اختلاف الناس بين الأديان وبين الكفر والإيمان؟ والمفارقة أن اختيار هذا السؤال الشائك من آيات القرآن الكريم هو اختيار لقضية قديمة بحثها علماء المسلمين قبل عشر قرون على الأقل، ولكن ما يظهر هو أن هناك نية مبيتة ومخطط لها لتشكيك الشباب المسلم في دينه وجره لمربع الإلحاد.
اقرأ أيضا : سيكولوجية الإلحاد هذه هى أسباب الإلحاد النفسية وطريقة التعامل مع الملحدشبهات تنشرها صفحات الإلحاد لماذا يعذبنا الله على أفعالنا
وقد أجاب بن تيمية عن هذا التساؤل الشائك قبل نحو 700 عاما بقوله إن العبد له مشيئة واختيار ، بها يفعل ويترك ، ويؤمن ويكفر ، ويطيع ويفجر ، وعليها يحاسب ويجازى ، مع أن الله سبحانه يعلم ما يكون عليه ، وما سيختاره ، وكيف سيكون مصيره ، لكن الله لم يجبره على فعل الشر ، ولا اختيار الكفر ، بل وضح له الطريق ، وأرسل له الرسل وأنزل له الكتب ، ودله على الصواب ، فمن ضل فإنما يضل على نفسه ، ومن هلك فإنما يهلك عليها، وذلك مصداقا لقول الله تعالى : ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) الكهف/29 ، وقال : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) الإنسان/3، وقال : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) الزلزلة/7، 8 ، وقال : ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) الأعراف/43 ، وقال : ( وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ) السجدة/14 . فبين سبحانه أن الإنسان يؤمن ويعمل والصالحات ، باختياره ومشيئته ، فيدخل الجنة ، أو يكفر ويعمل السيئات باختياره ومشيئته ، فيدخل النار .
اقرأ أيضا : لماذا يلحد الشباب ؟ وهل الملحد مريض نفسي؟ وما سبب تزايد الإلحاد ؟ وكيف أمرنا الله بالتعامل مع الملحدين ؟ الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء فهل الإنسان يخلق أفعاله ومسئول عنها ؟
وكل إنسان يعلم من نفسه ومن النظر إلى من حوله ، أن أعمالنا - من خير وشر ، وطاعة ومعصية – نفعلها باختيارنا ، ولا نشعر بسلطة تجبرنا على فعلها ، فأنت تستطيع أن تسب وتشتم وتكذب وتغتاب ، كما تستطيع أن تحمد وتسبح وتستغفر وتصدق وتنصح ، وتستطيع أن تمشي إلى أماكن اللهو والباطل والمنكر ، كما تستطيع أن تمشي إلى المساجد وأماكن الخير والطاعة ، وهكذا يستطيع الإنسان أن يضرب بيده ، ويسرق ويزور ويخون ، ويستطيع أن يساعد المحتاج ، ويبذل الخير ، ويقدم المعروف بيده . وكل إنسان يؤدي شيئا من هذه الأعمال ، لا يشعر بالجبر ولا بالقهر ، بل يفعلها باختياره وإرادته ، ومن ثم فإنه سيحاسب عليها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر
وما كتبه الله تعالى وقدره ، أمر لا يعلم به العبد ، ولا يصح له أن يعتمد عليه ، أو يحتج به ، كما لا يصح أن يعترض على ربه ، لم جعلت هذا في الأشقياء ، وذاك في السعداء ، فإن الله لم يظلم هذا الشقي ، بل أعطاه المهلة والقدرة والاختيار ، وأرسل له الرسل وأنزل معهم الكتب ، وذكره وأنذره بأنواع من المذكرات ، كالمصائب والابتلاءات ، ليتوب إليه ، ويقبل عليه ، فإذا اختار طريق الغواية ، وسلك سبيل المجرمين ، فلن يضر إلا نفسه ، وهو من أهلك نفسه ، كما قال تعالى : ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) الشمس/
وحول قضية الاختيار بين الكفر والإيمان فقد ذهب جمهور من العلماء إلى أن الإنسان له مشيئة واختيار فيما يتعلق بأمر الكفر والإيمان، وهى مشيئة واختيار ضروريان لتتسقان مع فكرة العدل الإلهي ، فقد منح الله الإنسان بها يفعل ويترك ، ويؤمن ويكفر ، ويطيع ويفجر ، وعليها يحاسب ويجازى ، مع أن الله سبحانه يعلم ما يكون عليه ، وما سيختاره ، وكيف سيكون مصيره ، لكن الله لم يجبره على فعل الشر ، ولا اختيار الكفر ، بل وضح له الطريق ، وأرسل له الرسل وأنزل له الكتب ، ودله على الصواب ، فمن ضل فإنما يضل على نفسه ، ومن هلك فإنما يهلك عليها .