اقتحمت قوات أمن سودانية مقر الاعتصام أمام مبنى وزارة الدفاع في العاصمة الخرطوم في وقت مبكر من صباح الاثنين الماضي، وتحدثت تقارير عن إطلاق نار وحرائق شبت في خيام المعتصمين، لينتهي هذا التحرك بفض كامل للاعتصام، وسط ردود فعل محلية ودولية مستنكرة هذه الخطوة ومطالبة بفتح تحقيق فوري فيما حدث.
وتوقفت إثر هذا التحرك المفاوضات التي كانت قائمة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى المعارضة، متمثلة في تحالف إعلان قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين.
اقرأ أيضاً: وزير الخارجية الألماني: على الفرقاء في السودان العودة للمفاوضات
وساطة أثيوبية
والتقى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أول أمس الجمعة، قادة الجيش والمحتجين في محاولة لإحياء المباحثات بين الطرفين بعد مقتل العشرات من المتظاهرين في حملة فض الاعتصامات بالعاصمة الخرطوم هذا الأسبوع، والتقى آبي وفدا يمثل المعارضة ضم محمد عصمت وإسماعيل جلاب القياديين في تحالف الحرية والتغيير الذي يضم أحزابا معارضة.
قبول الوساطة
أعلنت قوى الحرية والتغيير في السودان قبول وساطة رئيس الوزراء الإثيوبي بينها وبين المجلس العسكري الانتقالي، ضمن شروط محددة، في حين دعا آبي أحمد الأطراف السودانية إلى تسهيل انتقال ديمقراطي سريع للسلطة، مؤكدا أهمية الوحدة كشرط لاستعادة السلام في السودان.
اقرأ أيضاً: عصيان السودان.. خلو أكبر أسواق الخرطوم وغياب موظفي شركة الاتصالات الحكومية(فيديو)
اعتقال قيادات معارضة
وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان أكدت، أمس السبت، اعتقال اثنين من قيادييها بعد أن قابلا رئيس الوزراء الإثيوبي، خلال زيارته للعاصمة السودانية الخرطوم في مهمة الوساطة.
وقال مساعدو عصمت لوكالة "فرانس برس" إن القيادي اعتقل "عندما خرجنا من مبنى سفارة إثيوبيا"، حيث أوقفت سيارة فيها مسلحون محمد عصمت، وأخذته إلى جهة مجهولة.
اقرأ أيضاً: الصادق المهدي: التصعيد المتبادل بين القوى المعارضة والمجلس العسكرى سيضر بالسودان
وأكد عضو الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، رشيد أنوار، أن جلاب اعتقل "الساعة الثالثة من صباح أمس السبت"، بعد وصول سيارة فيها مسلحون إلى مكان إقامته "وأخذوه إلى جهة مجهولة".
وكانت قوات الأمن أوقفت، الأربعاء، نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، ياسر عرمان، بعد عودته إلى العاصمة السودانية من منفاه أواخر الشهر المنصرم.
مطالبات بالإفراج عن المعتقلين
من جانبها، طالبت بريطانيا المجلس العسكري الانتقالي بالإفراج عن قادة الحركة الاحتجاجية المحتجزين لديه.
وشدد السفير البريطاني لدى الخرطوم عرفان صديق، على حسابه في "تويتر" مساء أمس السبت، على أنه من غير المقبول استمرار حبس ثلاثة قياديين للمحتجين المطالبين بإصلاحات ديمقراطية في البلاد، هم ياسر عرمان ومبارك أردول وإسماعيل خميس جلاب، دون أي أنباء عن حالتهم.
وأشار إلى أن الأخيرين اعتقلا بعد يوم من لقائهما بنائبه، وتابع: "يجب على المجلس العسكري الانتقالي الإفراج فورا عنهم وعن قيادات المعارضة الآخرين".
إشادة بالمبادرة الإثيوبية
من جانبه، أعرب المجلس العسكري في السودان عن إشادته العميقة بالمبادرة التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للوساطة بين المجلس وقوى المعارضة، مؤكدا "انفتاحه وحرصه على التفاوض".
وأكد المجلس في بيان نشره على "فيسبوك" "حرصه وانفتاحه على التفاوض للوصول إلى تفاهمات مرضية تقود إلى تحقيق التوافق الوطني، والعبور بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان، بما يفضي إلى التداول السلمي للسلطة في البلاد".
لجنة تقصي حقائق
وأعلنت المفوضية القومية لحقوق الإنسان السودانية، تشكيل لجنة عليا لتقصي الحقائق بشأن أحداث فض الاعتصام يوم الاثنين الماضي وانتقدت الانتهاكات والخسائر في الأرواح والممتلكات التي نتج عن ذلك .
جاء ذلك في وقت يسود الجدل في الشارع السوداني في أعقاب ظهور جثث مكبلة كان قد ألقي بها في نهر النيل.
واستنكرت المفوضية، في بيان صدر أمس السبت، "الانتهاكات والخسائر في الأرواح والممتلكات" التي نتجت عن فض الاعتصام، مشددة على ضرورة الإسراع في الإجراءات ليتسنى إنهاء التحقيقات حول مجمل هذه الأحداث.
وناشدت المواطنين التبليغ الفوري عن أي حالات انتهاك لحقوق الإنسان أو أي حالات اختفاء حدثت أثناء أو قبل أو بعد فض الاعتصام، حسب ما نقلته وكالة الأنباء السودانية.
ويوم الخميس، بدأت لجنة تحقيق شكلها النائب العام السوداني، الوليد محمد، استجواب شهود في فض قوات الأمن الاعتصام الذي خلف 113 قتيلا، حسب بيانات قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة، بينها قدرت السلطات عدد الضحايا بـ61 قتيلا.
عصيان مدني شامل
ودعا تجمع المهنيين السودانيين، أبرز مكونات "قوى التغيير"، المواطنين إلى عصيان مدني شامل، يبدأ اليوم الأحد ويستمر حتى تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وذلك في ظل استئناف مفاوضات غير مباشرة بين المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان والمعارضة بشأن المرحلة الانتقالية عبر وساطة يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بين الطرفين.
واشترطت المعارضة على المجلس "الاعتراف بجريمة فض الاعتصام"، وتشكيل لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقائق.
وبالفعل، بدأ المحتجون في السودان، اليوم، عصيانا مدنيا يستمر حتى تسليم المجلس العسكري الانتقالي السلطة لحكومة مدنية وطالب تجمّع المهنيين السودانيين، بإذاعة بيان تسليم السلطة للمدنيين عبر التلفزيون.
وأصدر تجمع المهنيين السودانيين بيانا بالجدول الثوري الأسبوعي، أوضح فيه أن "شعبنا السوداني الأبي ماض في طريق ثورته الذي اختطه بدماء الشهداء، من أجل بلوغ فجر الخلاص عنوة واقتدارا صعودا لا هبوطا، فالصعود مسلك الشهداء والعصافير والهبوط صفة الرواسب والأثقال".
وتصدر الهاشتاج السوداني #العصيان_المدني_الشامل الذي أطلقه محتجون الترند العالمي خلال الساعات الماضية على تويتر متحاوزا 250 ألف تغريدة.
وأطلق الناشطون عددا من الهاشتاجات بينها" #العصيان_المدني_الشامل الذي كان ضمن أكثر الهاشتاجات انتشارا في معظم الدول العربية، وأكد من خلالها المستخدمون تمسكهم بمطالبهم حتى يقدم المجلس العسكري السوداني تنازلات بشأن مدنية الحكم.
أول قتيل مع بدء العصيان
وشلّت الحركة في الخرطوم اليوم الأحد، وسقط أول قتيل من المحتجين مع بدء سريان العصيان المدني المفتوح للضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة لحكومة مدنية.
وقال شهود عيان إن هناك إطلاقا كثيف للغاز المسيل للدموع من قبل قوات ترتدي زي شرطة مكافحة الشغب في حي المزاد بالخرطوم بحري حيث سقط مواطن يدعى وليد عبد الرحمن إثر إصابته بالرصاص كما سقط عدد من المصابين بالغاز.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية، إن "روح الشهيد وليد عبد الرحمن ارتقت قبل قليل بمدينة بحري، متأثرا بجروحه إثر الإصابة بطلق ناري مباشر في الصدر، فيما لا يزال إطلاق النار مستمرا من قبل القوات القمعية".
ردود فعل دولية
وتوالت ردود الفعل العالمية المنددة بـ "الاستخدام المفرط للقوة" من جانب القوات السودانية ضد المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش، وفيما أعلن المدعي العام عن تشكيل لجنة تحقيق، طالبت بريطانيا وألمانيا بعقد جلسة لمجلس الأمن.
مفوضية الاتحاد الإفريقي
دعت مفوضية الاتحاد الإفريقي إلى إجراء "تحقيق فوري وشفاف" فيما حدث في ساحة الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، وقال رئيسها موسى فقيه في بيان إنه يجب محاسبة المسؤولين عن العنف، كما دعا مجلس السلم والأمن التابع للمفوضية المجلس العسكري في السودان، إلى التفاوض على "اتفاق شامل" مع المعارضة لتشكيل حكومية مدنية.
الأمين العام للأمم المتحدة
كما أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غجوتيريش ما وصفه بـ "الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن ضد المدنيين، والذي أسفر عن مقتل وإصابة الكثيرين"، وقال بيان صادر عن الأمم المتحدة إن جوتيريش "يذكر المجلس العسكري الانتقالي بمسؤوليته عن سلامة وأمن المدنيين في السودان".
مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان
وفي جنيف، أعربت ميشيل باشيليت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن إدانتها لاستخدام ما وصفتها بـ "القوة الفتاكة" ضد المتظاهرين في السودان، داعية "إلى وقف هذه الاعتداءات بشكل فوري"، وأضافت باشيليت أن المحتجين كانوا يمثلون مصدر إلهام على مدى الشهور القليلة الماضية، حيث تظاهروا بشكل سلمي وعملوا على الانخراط مع المجلس العسكري.
الخارجية الألمانية
بدوره قال متحدث باسم الخارجية الألمانية اليوم في برلين: "هذا العنف غير مبرر ويتعين وقفه فوراً"، وذكر المتحدث أن الإخلاء العنيف للاعتصام يعرض عملية تسليم السلطة إلى حكومة مدنية لخطر بالغ، وقال "ندعو أطراف المفاوضات إلى تجنب التصعيد والعودة إلى مائدة المفاوضات"، وفي وقت لاحق طالبت بريطانيا وألمانيا بعقد جلسة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الأزمة، وفق ما أفاد دبلوماسيون، وأشار الدبلوماسيون إلى أن من المتوقع عقد جلسة مغلقة للمجلس الثلاثاء.
فرنسا
كما دانت فرنسا الاثنين فض اعتصام المحتجين بالقوة، وقالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية في بيان إن "فرنسا تدين أعمال العنف التي ارتكبت في الأيام الماضية في السودان في قمع التظاهرات، وتدعو إلى مواصلة الحوار بين المجلس العسكري الانتقالي والمعارضة بهدف التوصل إلى اتفاق شامل سريعا حول المؤسسات الانتقالية".
الولايات المتحدة
كما دانت الولايات المتحدة ما وصفته بـ "القمع الوحشي" ضد المحتجين في السودان من قبل المجلس العسكري، وكتب تيبور ناجي مساعد وزير الخارجية لشؤون أفريقيا على تويتر "نقف إلى جانب المحتجين السلميين في السودان، الطريق إلى الاستقرار والانتعاش والشراكة مع الولايات المتحدة تكون من خلال حكومة يقودها مدنيون".
وقال المسؤول الأمريكي إن ما حدث في الخرطوم "كان ذلك هجوماً وحشياً ومنسقاً قادته ميليشيا قوات الدعم السريع ويعكس أسوأ أفعال نظام البشير" في إشارة إلى الرئيس المخلوع عمر البشير، وأكد أن "الشعب السوداني يستحق حكومة يقودها مدنيون تعمل من أجل الشعب، وليس مجلسا عسكرياً سلطوياً يعمل ضدهم".
الإمارات
من جانبه، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن أبو ظبي تشعر بالقلق إزاء ما وصفه بالمجرزة في السودان، وتؤيد إجراء تحقيق بشأنها.
جامعة الدول العربية
بدوره دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الأطراف السودانية إلى ضبط النفس ودعم مسار الانتقال الديمقراطي.