سر هبوط طائرة "ساترفيلد" في بيروت.. هل تفرض أمريكا اتفاقية حدودية بين حزب الله وإسرائيل في لبنان؟

ديفيد ساترفيلد القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي
كتب : سها صلاح

هبطت طائرة "ديفيد ساترفيلد" القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى سراً في العاصمة اللبنانية بيروت في رحلة غير معلنة،حيث أكدت مصادر في البيت الأبيض لموقع "لوج بلوج" أن أمريكا تراجع خطط عسكرية لمهاجمة إيران، بعد أن وافق حزب الله الدخول في مفاوضات لتسوية النزاع الحدودي مع إسرائيل، إذاً هل كان ذلك السبب وراء الهجوم الأمريكي المفاجئ على إيران.

فلم تمنع التوترات المتصاعدة بين واشنطن وطهران ساترفيلد من الإسراع إلى بيروت، بعد موافقة حزب الله المدعوم من إيران أخيراً على موقف الحكومة اللبنانية المتمثل في دخول مفاوضاتٍ مباشرة لتسوية نزاعٍ حدودي مع إسرائيل.

ومن المتوقع أن تبدأ هذه المفاوضات في الأسابيع المقبلة، وقد تستكشف فيها الولايات المتحدة وإيران محادثاتٍ مباشرة بينهما لأول مرة منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهام منصبه في عام 2017.

ومنذ عام 2012، تتوسط الولايات المتحدة في نزاعٍ حدودي بحري بين لبنان وإسرائيل على منطقة مثلثية تبلغ مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً قبالة ساحل البحر المتوسط اكتُشِف فيها غازٌ في عام 2009.

اقرأ أيضاً..الطاقة الذرية: إيران رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم

وفي العام الماضي 2018، حصل تحالفٌ تجاري مكون من شركة توتال الفرنسية، وشركة إيني الإيطالية، وشركة نوفاتيك الروسية على عقدٍ لبدء الحفر في منطقتين قبالة الساحل اللبناني، من بينهما المنطقة رقم 9 المُتنازع عليها.

في أثناء التحضير لزيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى بيروت يومي 22 و23 مارس، عقد ساترفيلد اجتماعاً متوتراً مع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الذي يؤدي دوراً رئيسياً في لبنان بخصوص النزاع الحدودي مع إسرائيل.

ففي 6 أبريل، طرح تقرير إخباري فكرة أن واشنطن قد تفرض عقوباتٍ على الدائرة الداخلية لنبيه بري في رسالة واضحة إلى زعيم حركة أمل، الذي يعد حليفاً وثيقاً لحزب الله.

والخط الأزرق هو الخط الحدودي البري الذي رُسم بعد انسحاب إسرائيل من لبنان في عام 2000. وبالمصادفة في اليوم التالي، سربت جريدة الأخبار اللبنانية برقياتٍ دبلوماسية مُرسلة من السفارة اللبنانية في واشنطن إلى وزارة الخارجية اللبنانية تناولت بالتفصيل اجتماعاً عقده ساترفيلد مع مسؤولين لبنانيين زائرين في واشنطن.

وكانت المبادرة مكونة من عنصرين رئيسيين:

1) تشكيل لجنة عسكرية لعقد اجتماعات في مقر قيادة "اليونيفيل" في بلدة الناقورة جنوبي لبنان تحت رعاية الأمم المتحدة إلى جانب الولايات المتحدة بصفتها وسيطاً فعلياً.

2) التفاوض على الحدود البرية والبحرية في وقتٍ واحد.

ما الذي جعل التفاوض مع إسرائيل ضرورة؟

اعترفت بيروت بضرورة التفاوض مع إسرائيل بدلاً من السماح للأمم المتحدة بترسيم الحدود البحرية من جانب واحد على أساس خرائط دولية تُثبت ملكية لبنان.

لكن رأت أمريكا وإسرائيل أنَّ ترسيم الحدود البحرية لا يدخل في نطاق سلطة الأمم المتحدة، وقامت إسرائيل بالتشكيك في دور الأمم المتحدة، لكنها وافقت على دورها اللوجستي في المفاوضات.

ولكن هناك مسألةٌ أخرى مثيرة للجدل، وهي ما إذا كان ينبغي التفاوض على ترسيم الحدود البحرية والبرية في وقتٍ واحد كما عرضت لبنان في المبادرة، أم جعل المحادثات مقصورةً على الحدود البحرية كما تقترح إسرائيل،بينما ألمحت إسرائيل إلى أنها ستتفاوض على الحدود البحرية فقط، لم يتضح رد لبنان المرتقب حتى الآن.

اقرأ أيضاً.. إيران تسلم الأمريكي نزار زكا لـ"حزب الله"

قواعد المفاوضات التي سيتم البدء بها:

مدة المفاوضات: تريد لبنان وإسرائيل تحديد هذه المعايير خاصة الإطار الزمني وإطار العمل- قبل بدء المفاوضات في الناقورة.

إذ تسعى إسرائيل إلى تحديد مهلة مدتها 6 أشهر لهذه المحادثات، لكن الجانب اللبناني يُصر على جعل المفاوضات مفتوحةً حتى التوصُّل إلى اتفاق، بحجة أنَّ إسرائيل قد تماطل إذا جرى تحديد إطار زمني.

إطار العمل: يدور إطار العمل حول تحديد دور الأمم المتحدة والولايات المتحدة في هذه المفاوضات، إذ يريد المسؤولون اللبنانيون ضمان حمايةٍ من الأمم المتحدة لأنَّها هي التي ستُضفي الطابع الرسمي على أي اتفاقٍ يجري التوصُّل إليه وتُسجله، ويريدون كذلك من واشنطن أن تضغط على الجانب الإسرائيلي عند الحاجة.

ويبدو أن إدارة ترامب ليست مستعدةً لتكرار جهود الوساطة الأمريكية الفاشلة السابقة، عندما رسم السفير "فريدريك هوف" في عام 2012 خطاً حدودياً بحرياً يمنح لبنان 60% من المنطقة المتنازع عليها أصبح يُعرف باسم "خط هوف"، وترك الولايات المتحدة وسط هذه المحادثات الصعبة.

على الرغم من التصعيد الدبلوماسي والعسكري في الشهر الماضي بين واشنطن وطهران، فإنه ظهر كيف ظهرت هذه الانفراجة الكبيرة في النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل، والتي تُقدِّم أيضاً نموذجاً فريداً لكيفية نزع فتيل التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وبين إسرائيل وإيران.

إذ تعكس المرونة الإيرانية في لبنان حقيقة أنَّ حزب الله لم يعد يفرض حق الرفض على المفاوضات إلى تسوية قضايا حدودية مع إسرائيل.

اقرأ أيضاً.."الطاقة الذرية": تزايد التوتر حول برنامج إيران النووي

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ المسؤولين الإسرائيليين ووسائل الإعلام الإسرائيلية قد التزموا الصمت إلى حدٍّ كبير بشأن هذا الخلاف الحدودي، في حين كان المسؤولون اللبنانيون والتسريبات الإعلامية يسيطرون على الإعلام ويقودون تغطية جهود ساترفيلد الدبلوماسية.

هناك ثلاثة دوافع رئيسية وراء المبادرة اللبنانية:

أولها القلق من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يدعمه ترامب، قد يحدد الحدود البحرية لإسرائيل مع لبنان من جانبٍ واحد.

ثانيها أن هناك ضغوطاً أمريكية على الحكومة اللبنانية للشروع في محادثاتٍ مع إسرائيل، وهو ما كان واضحاً في رحلة بومبيو إلى بيروت في مارس الماضي.

ثالثها أن الحكومة اللبنانية تواجه أزمةً اقتصادية حادة وتحتاج بشدة إلى عائدات الغاز.

إذ تهدف لبنان إلى البدء في حفر آبار الغاز في المنطقة رقم 9 المتنازع عليها (والواقعة على الحدود البحرية مع إسرائيل) في يناير من العام المقبل 2020، بالإضافة إلى أنها فتحت باب المزايدة بالفعل في أبريل الماضي أمام الشركات الراغبة في الحصول على المناطق الخمس المتبقية، التي تتضمن منطقتين مجاورتين للساحل الإسرائيلي، وهو ما شكل دافعاً إضافياً لبيروت لحل هذا النزاع الحدودي.

أما بالنسبة لنتنياهو فإن من مصلحته أيضاً توفير بيئة آمنة للشركات الأجنبية التي تنقب عن الغاز في البحر المتوسط.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ استقالة أفيجدور ليبرمان، الذي يُفضل الحلول العنيفة، من وزارة الدفاع الإسرائيلية في نوفمبر الماضي ساعدت في تخفيف التوترات في ظل انتقال مسؤولية ملف المفاوضات بالكامل إلى وزير الطاقة شتاينيتس بدلاً منه.

وجدير بالذكر أن الضغط الأمريكي في الفترة التي سبقت زيارة بومبيو إلى بيروت في مارس الماضي أسفر عن بعض التغييرات في وجهات نظر الحكومة اللبنانية بشأن المفاوضات مع إسرائيل وكيفية التعامل مع أسلحة حزب الله.

وفي 16 مايو، طلب الرئيس اللبناني من الولايات المتحدة "المساعدة في زيادة الاستقرار على طول الحدود مع إسرائيل بترسيم حدودٍ دائمة".

إلا أن هذه التحركات تهدف إلى امتصاص الضغط الأمريكي وليس دفع تحولٍ كبير في سياسة لبنان.

حيث ترى إدارة ترامب أن هذه المحادثات الإسرائيلية اللبنانية ضرورية لإضعاف حجة حزب الله بشأن الاحتفاظ بأسلحته في الوقت الذي يتعرض فيه لضغوطٍ مالية أمريكية متزايدة.

ولكن ثمة أزمات مستقبلية قد تعيق الوساطة الأمريكية وعملية التفاوض، فاستعداد نتنياهو للانتخابات البرلمانية المقبلة، المتوقع إجراؤها في سبتمبر، قد يُضعف احتمالية موافقته على اتفاقية حدودية قد تستخدم ضده كنقطة ضعف في حملته الانتخابية.

بالإضافة إلى ذلك قد يضطر "ساترفيلد" قريباً إلى تولي منصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا، بعدما صدَّق مجلس الشيوخ على تعيين "ديفيد شينكر" خلفاً له في منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.

وقد يؤخر ذلك عملية التفاوض، نظراً إلى أنَّ شينكر سيتعين عليه أن يتعرف على المحاورين الرئيسيين إذا وقع عليه الاختيار لمواصلة جهود الوساطة التي يؤديها ساترفيلد.

صحيح أن الولايات المتحدة ضغطت على لبنان لقبول المفاوضات، لكنَّ فرض اتفاقية حدودية قد يسفر عن نتائج عكسية،وكذلك فهذه المحادثات قد تصبح أقل أهميةً في الأحداث المنتظرة بين واشنطن وطهران في المستقبل القريب.

بالإضافة إلى ذلك يبدو أن الولايات المتحدة مترددة في المشاركة المباشرة في طرح أفكارٍ لحل هذا النزاع، وهو ما قد يقيد وساطتها لأن كلا الجانبين لن يُقدم تنازلاتٍ وحده.

لكن التحدي الذي يواجه واشنطن هو الحفاظ على نهج متوازن في هذه الوساطة. فعلى سبيل المثال، رفض بومبيو في ديسمبر الماضي طلباً إسرائيلياً بفرض عقوبات على لبنان بسبب اكتشاف أسلحة حزب الله، مما ساعد على بناء بعض الثقة بين إدارة ترامب والقادة اللبنانيين.

لكن لجوء الولايات المتحدة أو إيران إلى استخدام ورقة التنقيب عن الغاز لفرض تحالفاتٍ إقليمية جديدة على لبنان من شأنه أن يضعف النظام السياسي اللبناني.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً