61 عامًا من صناعة الفخار.. كيف تحول عشق "يوسف محمد" لمهنة الآباء إلى مصدر شقاء؟ (صور)

وجه أسمر بلون النيل، تكسوه تجاعيد تُنبئ الناظر إليها أن صاحب هذا الوجه مشبع بخبرات الحياة وتجاربها. يوسف محمد، ذلك الشيخ الطاعن في السن، الذي اتخذ من الترحال والتنقل بين قرى الصعيد المترامية البُعد مهنة له؛ فهو صانع الفخار الماهر، الذي اعتاد منذ قرابة الـ 50 عامًا اتقان صنعته في بيته، ثم الخروج بمنتجاته متجولًا في البلاد ليبيعها لمن يرغب.

اقرأ أيضًا.. نحات الأسمنت.. أنامل جسدت التاريخ بجداريات ملموسة

لم تُعد مهنة الفخار، تُدر ربحًا مثلما كانت في السنوات الماضية؛ إلا أن "يوسف"، البالغ من العمر 61 عامًا، والمولود في قرية المدمر التابعة لمركز ومدينة طما شمال محافظة سوهاج، لا يزال متمسكًا بهذه المهنة التي توارثها أبًا عن جد، ويرفض تغيير أي طقس من الطقوس المتوارثة، حتى عربة "الكارو" التي يجرها حمار أنهكه السير وقلة المأكل والمشرب في الطريق الطويل الذي يقطعه ذهابًا وإيابًا، يعتبره "صانع الفخار" رفيق الدرب الذي يجب أن يبقى. 

اقرأ أيضًا.. حكاية المنزل الذي عاشت فيه السيدة زينب بالقاهرة

يقول "يوسف": إنه عمل بصناعة الفخار منذ أن كان طفلًا؛ فقد اعتاد رؤية والده وأعمامه يصنعون المنتجات الفخارية من الطين، ثم يحرقونها في النار، ويحملونها على عربة "الكارو" متجولين في القرى والبلاد المجاورة لبيعها، ويعودون في نهاية اليوم وفي جعبتهم قليل من النقود وكثير من الرضا والسعادة.

تعلم "يوسف"، صناعة الأواني الفخارية، وأصبح بارعًا في تشكيل الأنواع العديدة منها، وبخاصة تلك التي يحرص أبناء الصعيد على اقتنائها، مثل: "الزير، والماجور، والقعباية، والقدوس، والقُلة، والبُكلة، والفازات، وبلاطة الفرن البلدي، وبيت طيور الحمام"، وهو ما جعله عاشقًا لهذه المهنة.

اقرأ أيضًا.. بعد رحلة بحث 29 عاما.. عراقى يزور معلمه في الدقهلية: ساعدني في عبور الثانوية العامة والالتحاق بالجامعة (فيديو)

يصف "يوسف"، عشقه لمهنة صناعة الفخار بقوله: "اتربيت عليها، ومقدرش اعيش من غير ما اشتغلها"؛ فقبل سنوات متباعدة من الآن كان بيع الأواني الفخارية يُدر ربحًا مكن "صانعها" من رعاية أبنائه وتعليمهم حتى تخرجوا جميعًا من المرحلة الجامعية، ثم تزوجوا من العائد الذي يدره الفخار، إلا أن هذه المهنة كغيرها من المهن والصناعات اليدوية أصابها الركود في وقتنا الراهن.

اقرأ أيضًا.. حبس قاتلي شقيقتهما بعد محاولة اغتصابها 4 أيام على ذمة التحقيقات في سوهاج

يؤكد "يوسف"، أن هناك أسباب عدة وراء ركود عملية بيع الأواني الفخارية، من أبرزها غزو منتجات الصين لمدن وقرى الصعيد؛ فقد أصبح الناس يقبلون على شراء الصيني بسبب رخص سعره دون البحث عن كفاءة المنتج، إضافة إلى عدم رغبة الشباب في تعلم صناعة الفخار، نظرًا للمجهود الكبير الذي يتكبده صانع هذه الأواني، وما يحتاجه من صبر، والأهم من هذا والذي يعتبر عاملًا رئيسيًا في عزوف الشباب عن تعلم هذه المهنة هو قلة الربح الذي تدره على العاملين بها.

اقرأ أيضًا.. نقاش بدرجة فنان.. محمد عايد يلعب بالهواء ويبدع في رسومات الـ 3D على الجدران

الركود الذي أصاب سوق بيع الأواني الفخارية، جعل عشق "يوسف" للمهنة يصبح مصدرًا للشقاء، وبات يتمنى لو أن الزمان عاد به إلى الوراء ليعمل في أي مهنة أخرى؛ إذ يقول: "المهنة مبقتش زي زمان، وتعبها وشقاها بقي أكتر، والفلوس اللي بتيجي منها قلت، والمنتج الصيني خلى الناس هجرتها، ومفيش حد راضي يشتغل فيها، وأنا مسؤول عن أسرة، وقلة البيع والشراء خلتني خايف على مستقبل أسرتي، ونفسي يكون ليا دخل شهري ثابت يأمنهم".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً