موسم شرس شهده عيد الفطر هذا العام من خلال تواجد 5 أفلام من العيار الثقيل ولأسماء بارزة، أسفر عن تصدر «كازابلانكا» للفنان أمير كرارة شباك التذاكر، يليه بفارق كبير فيلم «الممر» لأحمد عز، وفى المركز الثالث يحل رامز جلال بفيلمه «سبع البرمبة»، ثم «حملة فرعون» لعمرو سعد، وفى المركز الأخير يقبع فيلم محمد سعد «محمد حسين».
ويتحدث الناقد الفنى طارق الشناوى لـ «أهل مصر»، فى رؤية تقييمية تحليلية منه لأفلام «كازابلانكا والممر ومحمد حسين».
«كازابلانكا» يؤكد أن نجاحه لم يكن صدفة
افتتح الناقد طارق الشناوى حديثه بفيلم «كازابلانكا» المتربع على عرش السينما المصرية في سباق أفلام العيد، قائلاً: «الفيلم يؤكد نجاح التعاون بين أمير كرارة والمخرج بيتر ميمى، والذي انتقل من الشاشة الصغيرة إلى الشاشة الكبيرة؛ ليعتلى قمة الإيرادات في السينما، وبفارق كبير عن الوصيف، فيلم "الممر" صاحب المرتبة الثانية؛ ليؤكد هذه المرة أن الأمر لم يكن مجرد صدفة، وإنما بيتر يجيد قراءة جمهوره. ويأتى فى مقدمة القوة الضاربة إياد نصار الذى يمتلك قدرة على التغيير فى الأداء الهادئ على السطح المحمل بالداخل بالكثير من مشاعر الانتقام، وعمرو عبد الجليل الذى اعتاد أن يأخذ كل شخصية يؤديها إلى ساحته وملعبه الخاص، فعبد الجليل لا يذهب إلى الشخصية، ويمسك بتفاصيلها الداخلية، إنما يكتفى فقط بارتداء ملامحها الخارجية، ثم يعيد تدويرها؛ لتعبر عن مفرداته. والحالة التى يقدمها تحقق درجة من الاندماج مع جمهوره، الذى أضحى ينتظره فى كل إطلالة».
توافقت مع مفتاح الدور باعتباره لعبة
ويشيد الشناوي بغادة عادل، واصفًا حضورها بـ«المميز»، قائلاً: «ورغم أن هناك بالتأكيد مشاهد حركة تحتاج لدوبلير، إلا أنها توافقت مع مفتاح الدور باعتباره لعبة، وتعاملت معه على سبيل اللعب فنجحت. وبالنسبة للممثل التركي خالد أرجنش فتوظيفه فى العمل ذكى ولماح فى تعامله السينمائي لأول مرة مع الجمهور، ولبلبة تقوم بتجسيد دور والدة غادة، وهذا هو المتاح أمامها فى الفترة الراهنة كمساحة إذا أرادت أن تتواجد على الخريطة فى مثل هذه الأفلام».
بيتر يدرك المطلوب منه ويقرأ جمهوره
وتنتقل إشادته إلى المخرج بيتر ميمى، مواصلاً حديثه: «يقدم شاشة جذابة تجمع بين عنصري التشويق وخفة الظل، وفى "كازابلانكا" استعان بعناصر فنية ضمنت له النجاح، أولها فنان الموسيقى التصويرية التونسى الموهوب أمين بوحافة ومدير التصوير حسين عسر والمونتير أحمد حمدي، فبيتر يدرك تمامًا ما هو مطلوب منه ويقرأ جمهوره، ويعي جيدًا مفردات السينما التى يتبناها، لم يدع شيئًا، ولم يقل هتافات زاعقة "حنجورية". بيتر منذ البداية يلعب، ويدرك أنه يلعب؛ ولهذا ينجح، فهو حَرِّيف في قواعد تلك اللعبة. أما الآخرون فيعانقون الفشل؛ لأنهم يلعبون، ويعتقدون أنْ لا أحد يكشف لعبهم أو ألاعيبهم».
كرارة لا تزال موهبة الممثل كامنة بداخله
أما بطل العمل أمير كرارة فقال عنه الناقد طارق الشناوى: «أمير يصنع دائرة جماهيرية قابلة دائمًا للاتساع، فهو بالتأكيد له مصداقيته فى سينما الأكشن، وفى هذا الإطار يحافظ على بنيته الجسدية ولياقته البدنية، وأصبح حضوره كنجم شعبى بناء على طلب الجماهير، لكن السينمائيين يرون وجهًا واحدًا لكرارة، ألا وهو القوة العضلية والحضور الطاغي وتمكنه من جذب الجمهور، لكن لا تزال قناعتي أن موهبة الممثل لا تزال كامنة بداخله، وهم يريدون استثماره كبطل أكشن يحطم الإيرادات».
فيلم «الممر» بداية ذكية جدًّا
وانتقل الناقد طارق الشناوى إلى فيلم «الممر» قائلاً: «بداية "الممر" ذكية جدًّا وموحية من قبل شريف عرفة كاتب ومخرج الفيلم قبل نكسة 67 بأيام قلائل.. أم كلثوم تغنى «راجعين بقوة السلاح.. راجعين كما رجع الصباح.. من بعد ليلة مظلمة»، ويبدو أن الرسالة التي رغب الرئيس جمال عبد الناصر في إرسالها بصوت أم كلثوم، وشعر صلاح جاهين وموسيقى رياض السنباطى، كانت تحمل التهديد واستعراض القوة للعدو. أما الجانب الإسرائيلى فيتابع بهدوء التفاصيل، ووجدوا الملقن لأول مرة خلف أم كلثوم ضمن أفراد الفرقة الموسيقية، وهو يسمعها الكلمات، ويدل ذلك على أن هناك استعجالاً من القيادة السياسية لبثِّ الرسالة في هذا التوقيت الصعب».
رغم رفض تصوير هزيمة 67 الدولة امتازت بالمرونة
ويواصل «الشناوى»: «الأفلام العسكرية الحربية تعتبر نادرة وشحيحة في بلادنا؛ لأنها تصطدم بأكثر من عائق، منها التقنية المرتبطة في جزء منها بضآلة الميزانية، و"الممر" وراءه مخرج حرفى موهوب، نجح فى توظيف التقنيات الحديثة، وقاد فريق عمل أجنبي لتنفيذ خياله، وهناك عائق خاص بأجهزة سيادية، حيث إن تصوير هزيمة 67 يقابل عادة برفض، لكن الدولة تلك المرة امتازت بالمرونة».
البعد الاجتماعى هو العمق الاستراتيجي لفيلم «الممر»
ويتابع «الشناوى» رؤيته لفيلم «الممر» مؤكدًا أن: «الفيلم من وحي الخيال، حتى لو استند لخطوط حقيقية، والبعد الاجتماعى هو العمق الاستراتيجي للفيلم، توقف أمام سخرية المصريين من الهزيمة ومن ناصر. والحقيقة أن الضمير الجمعى أراد أن ينتقد الزيف في خداع الناس بالقوة المفرطة، ثم نكتشف على أرض الواقع أنها مجرد بالونات ملونة وفارغة، وأراد شريف عرفة أن يعقد التوازن بهذا المشهد، الضابط أحمد عز قائد الوحدة العسكرية في السنترال يريد الاتصال بوحدته في الإسماعيلية، يواجه ليس فقط بالسخرية ولكن بالتجاهل، فيفقد أعصابه، وينهال على الجميع بالضرب المبرح. الضابط يتم التحقيق معه في القسم. ضابط الشرطة شريف منير يجبر الضحايا على التنازل؛ ليؤكد مجددًا أن الشعب كان مقهورًا أمام تعسف السلطة، وهذا المشهد يلقى بظلاله على أكثر من زاوية، مثل العلاقة مع السلطة، هل أرادها كلها عرفة، أم أن الجرعة لم تنضبط، فباتت أقرب لضربة درامية مقصودة وعشوائية أيضًا؟».
مراهقة في الكتابة الدرامية
ويكمل: «يقود عز الفرقة العسكرية المكلفة بعبور الجانب الآخر من القناة، ويختار أفراد الفرقة لتمثل جميع أطياف المجتمع، فالنوبة وجنوب الصعيد المهمش تجسدا في شخصيتى «أمير صلاح ومحمد فراج»، وبدو سيناء كان من المهم تأكيد ولائهم لمصر. وبالنسبة لتواجد شخصية الصحفى إحسان «أحمد رزق» وما يحمله الاسم من حيرة بين الرجل والمرأة، كأداة مباشرة للتخفيف الدرامى، لم تكن مريحة، ووضع السيناريو على رزق مسئولية الضحك. وهذا النهج في التناول الدرامى تجاوزه الزمن، وتأجيل الصراع وامتداده مرتين بين إياد نصار الذي يؤدي شخصية الضابط الإسرائيلي وكل من الضابطين المصريين أحمد فلوكس ثم أحمد عز يشعرنا بقدر من التصنع في فرض معركة جسدية وفكرية تأخذ الطابع العنترى؛ لتصل الرسالة مباشرة، أن الضابط المصرى يتحدى وينتصر على الإسرائيلى، أرى هذا الصراع وتأجيله مراهقة في الكتابة الدرامية».
سيناريو شريف عرفة خذلنى
ويواصل «الشناوى» تقييمه للعمل بقوله: «عرفة قاد ممثليه «عز وفراج وفلوكس ورزق ومحمود حافظ» بإتقان، فحصل منهم على أفضل ما لديهم. كما أن المتميزة هند صبرى وعمر خيرت يمنحان الشاشة زخمًا بتلك الرؤية الموسيقية التي حرص عليها عرفة. وتأتي أغنية النهاية على التترات التي كتبها أمير طعيمة، المشارك أيضًا في الحوار؛ لتحلق بنا لذروة الأحداث. ومدير التصوير أيمن أبو المكارم يجعل الشاشة تتكلم سينما، وهناك أيضًا جهد رائع لمصممة الملابس ملك ذو الفقار، محققة البعد الزمنى بكل تفاصيله، وشاشة نشتاق إليها من زمن قدمها عرفة، وإحساس بالعز الوطنى يسكننا، لكن فى النهاية سيناريو عرفة خذلنى أكثر من مرة».
فيلم «محمد حسين»
وبالنسبة لمحمد سعد وفيلمه «محمد حسين» فكان النقد لاذعًا، حيث قال الناقد طارق الشناوى: «سعد يتجه بقوة إلى طريق النهاية، فهو بفيلمه «محمد حسين» يتواجد فى المركز الأخير من حيث الإيرادات وحيدًا، والصالة الصغيرة المتاحة لفيلمه نصف مقاعدها خالية، وأعتقد أن من يقطع التذكرة من أجل سعد واحد من اثنين: الأول من بقايا المريدين القدامى، وهؤلاء فى طريقهم للانقراض، والنوع الثانى من ذهب للسينما من أجل قضاء سهرة العيد، ووجد أن الصالات فى الأفلام الأربعة كاملة العدد، فأصبح الحل الوحيد المتاح أمامه دخول هذا الفيلم».
محمد سعد صار طاردًا للجمهور
ويتابع طارق الشناوي: «منذ عشر سنوات والمسافة تزداد بين سعد وجمهوره، وفى العام الماضى ألقى المخرج شريف عرفة بطوق النجاة لسعد، وأسند له دور بطولة مشتركة فى فيلمه «الكنز». ورغم ترنح إيرادات أفلامه وتراجع العديد من شركات الإنتاج عن استكمال مشروعات سابقة معه، حتى إن اسمه صار طاردًا للجمهور، إلا أنه لا يستطيع أن يتوافق ببساطة مع ما حدث فى الشارع، فهو لا يعترف بالحقائق الرقمية التى تؤكد أن تغييرات حادة حدثت فى مفردات الضحك فى السنوات الأخيرة، بينما سعد لا يزال متوقفًا عند «اللمبي» وإخواته، و«محمد حسين» هو إحدى هذه المحاولات لخلق شبح آخر من «اللمبى»، وفى فيلم «الكنز» تلقى سعد الإشادة على دوره، وكان من المنتظر أن يكمل المسيرة بعيدا عن «اللمبى» وإخواته، لكته قرر استعادته فى «محمد حسين اسمه صار طاردًا للجمهور».
محمد سعد يعيش مرحلة إنكار الهزيمة
ويختتم «الشناوى» بقوله: «الفنان الكوميدي حتمًا يشعر بالتوتر عندما يعلم أن تواجده على الشاشة لم يعد قادرًا على الإضحاك، وغالبا يبدأ بمرحلة الإنكار، فلا يصدق أن الجمهور خذله، ويرجع ذلك عادة للدعاية الفقيرة للفيلم، أو ربما لمؤامرة كونية. هو لا يصدق أن موت الضحك يعنى أن الشفرة تغيرت، وأن هناك جيلاً آخر بات قادرًا على انتزاع الضحكات. وهذه هى المشكلة التى فرضت نفسها على سعد مع أفلام مثل "بوشكاش وكتكوت واللمبى 8 جيجا" وغيرها. الأرقام تتراجع وهو يزداد إنكارًا، ودليله على الإنكار أنه لا يزال يلعب بطولة فيلم. كل فنان من الممكن أن تحدد له ميزانية للفيلم مقابل العائد المتوقع مهما تضاءل الرقم، وما حدث مع سعد تكرر مع محمد هنيدي وأحمد آدم، حيث إن شركات الإنتاج حتى الآن تصنع لهم أفلامًا رغم أن الإيراد الداخلى يتناقص، والسبب فى ذلك سوق الخليج؛ فلا يزال لهؤلاء جمهور يحتفظ بضحكة من الزمن القديم، وهو يقطع التذكرة لأجلهم. وبعد تعويم الجنيه زادت قطعًا قيمة العملة الخليجية قياسًا بالجنيه المصرى، وهكذا نجد أن عائد دور عرض الخليج مع محطات التليفزيون شكل نوعًا من الإغراء للإنتاج. وفى مثل هذه الأعمال الفنية من الممكن أن تجد مثلاً مى سليم توافق بأقل أجر، ويتنازل سمير صبرى مقابل التواجد على الشاشة، والنتيجة أنه لا يوجد فيلم ولا ضحك، و"محمد حسين" مفترض أنه فيلم كوميدى، إلا أنه لا يضحك أحدًا، ولا يزال سعد يعيش مرحلة إنكار الهزيمة».
نقلا عن العدد الورقي.