بدأ نشاط الإخوان المسلمين في اليمن منذ وقت مبكر، حيث تشير الدراسات إلى أن أول تأثير فعلي للجماعة كان عام 1948،عندما خططوا وشاركوا بشكل مباشر في الإطاحة بإمام اليمن يحيى حميد الدين، لإقامة ملكية دستورية، حينها أرسل حسن البنا مبعوثه إلى اليمن، الذي ساهم بشكل أساسي في التحريض والتوجيه وفي صياغة دستور الثورة التي لم تنجح.
لكن نشاط الإخوان المسلمين استمر في اليمن، واستثمرت الجماعة مرحلة ما بعد سقوط نظام الإمامة بشكل نهائي عام 1962، وتمكنت من التغلغل في المجتمع القبلي، كما جند الإخوان بعض التجار،وظلوا يحتكرون الساحة كممثلين حصريين لتيار الإسلام السياسي، بواجهة إخوانية.
بينما بقي التيار الزيدي منكفئاً، وخاصة أنه كان الواجهة المذهبية لنظام الإمامة التقليدي، ولم يجرؤ فقهاء ورجال الزيدية بعد ثورة 1962 على تنظيم أنفسهم في جماعة أو تيار، لكن البعض يشير إلى أن تجمعاً سرياً كان يضم مجلساً أعلى لتمثيل وتدارس شؤون ومستقبل الزيدية، التي فقدت الحكم بزوال نظام الإمامة، بعد قرون خلت من سيطرتها على اليمن، فيما يرى البعض أن ثورة 62 استبدلت الإمام الزيدي بنظام جمهوري، كانت الغلبة فيه لمحافظات شمال الشمال، حيث الكتلة السكانية التي تحسب على المذهب الزيدي.
وبذلك توارى خطاب الزيدية السياسي، واتخذ المذهب طابعاً اجتماعياً، للإعلان عن هوية غير متكئة على ملمح ديني سياسي واضح أو معلن، إلى أن حدثت تطورات وتراكمات محلية.
اقرأ أيضاً.. مليشيات الحوثي: 20 ضربة جوية استهدفت 3 مطارات في السعودية وقاعدة عسكرية
بعد ذلك تضخم معهد السلفيين في صعدة، بالتزامن مع ظهور رد فعل قام به حسين بدر الدين الحوثي برفقة آخرين، قرروا على ما يبدو مواجهة السلفيين بأسلوب مشابه، تمثل في حلقات تدريس ومحاضرات مضادة للخطاب السلفي المقرب من سلطة صنعاء حينها، ودشنوا نشاطهم عام 1991، من خلال ما عُرف لاحقاً بتنظيم الشباب المؤمن، الذراع الدعوي الأول الذي أنتج حركة الحوثيين ودرب كوادرها ثقافياً.
وكما تضخم معهد السلفيين، ازداد نمو تنظيم الشباب المؤمن، ثم بدأت سلسلة من الصدامات بين نواة الحوثيين الأولى وبين السلفيين، وطور حسين الحوثي من نشاطه، وبدأ يحاضر أتباعه من خلال تفسير خاص به للقرآن، يستعير فيه مفاهيم شهيرة لدى حركات الإسلام السياسي بشكل عام، أبرزها مفهوم الولاء والبراء. مع ترديد شعارات نقلها الحوثي حرفياً من إيران، وفقاً لمركز المزماة للدراسات الاستراتيجية.
ولم تصل الحركة الحوثية إلى مرحلة الصدام المسلح مع الدولة، إلا بعد أن أصبح لدى أتباعها مجموعة كراسات تتضمن تفسير الحوثي للقرآن، من داخل رؤية عامة يحكمها شعور بالاستهداف والمظلومية. وذلك ما يجعل من الحوثيين في حالة تحفز عسكري ضد كل من يختلف معهم.
وبعيداً عن ما يحدث بعد انقلاب الحوثيين على مؤسسات ومعسكرات الدولة اليمنية، باستغلال حالة الضعف والتفكك التي تلت انهيار نظام علي عبد الله صالح، ويمكن القول إن كل ما يدور في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين، غير بعيد عن مظاهر الأسلمة الفجّة، التي تكشف عن جماعة تحارب بضراوة لتثبيت سلطتها من جهة، ومن جهة أخرى تفرض في مناطق سيطرتها وفي وسائل إعلامها خطاباً دينياً يرتكز على أسلمة السياسة وتسييس الدين. مما يجعلهم في الطريق إلى تشكيل تيار إضافي يندرج ضمن حركات الإسلام السياسي والجماعات الدينية المتطرفة في المنطقة،وهذا ما لا يراه المتابعون حتى الآن، في ظل الانشغال بأولويات تستبعد تفكيك خطاب الحوثيين، لتركز في المقام الأول على الجوانب العسكرية في الصراع.