تحركات مكثفة بقيادة "أوبك" وكبار منتجي النفط لدعم استقرار وتوازن السوق وتحسين مستوى الأسعار، تقابلها تحركات إيرانية لبيع النفط رغم العقوبات الأميركية في عرض البحر وبأي سعر معروض، مع استمرار الإنتاج الأميركي في الارتفاع، كلها عوامل ما زالت تضغط على السوق التي تشهد حالة من عدم الاستقرار في الوقت الحالي.
في تعاملات ارتفع سعر النفط أعلى 64 دولاراً للبرميل، إذ فاقت تخفيضات إنتاج أوبك والتوترات في الشرق الأوسط، إثر النزاع التجاري الصيني الأميركي الذي يضغط على الاقتصاد العالمي والطلب على النفط.
اقرأ أيضاً.. مصادر تؤكد تخطيط هواوي لتسريح عدد كبير من موظفيها في أمريكا
وقالت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن "أوبك" وحلفاؤها اتفقت على تمديد اتفاق خفض الإنتاج حتى مارس 2020، وارتفع سعر خام "برنت" نحو 20% منذ بداية العام الحالي مدعوماً بالاتفاق والتوترات في الشرق الأوسط، لا سيما المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني.
لكن في تعاملات الثلاثاء، ارتفع خام القياس العالمي مزيج "برنت" 38 سنتاً إلى 64.49 دولار للبرميل، فيما زاد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 20 سنتاً إلى 57.86 دولار للبرميل.
هل نعود مجدداً إلى تكثيف المعروض النفطي؟
وفي تقرير حديث، رجح بنك "جولدمان ساكس"، أن يفوق النمو في إنتاج النفط الصخري الأميركي الزيادة في الطلب العالمي في الأقل خلال 2020، ويحد من مكاسب أسعار النفط على الرغم من تخفيضات الإنتاج التي تقودها منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك".
وتوقع البنك نمو إنتاج النفط الأميركي بنحو 1.3 مليون برميل يوميا و1.2 مليون برميل يوميا في 2019 و2020 على الترتيب، وذلك مقارنة مع توقعات بنمو الطلب العالمي عليه البالغة 0.8 مليون برميل يوميا و1.6 مليون برميل يوميا لنفس الفترات على الترتيب.
لكن في المقابل، فإن استعداد دول "أوبك" لمواصلة التنازل عن حصة من السوق، من المرجح أن يحد من الاتجاه النزولي لأسعار النفط.
وأبقى البنك على توقعاته للأسعار في 2020 من دون تغيير عند 60 دولارا للبرميل لبرنت و55.50 دولار لخام غرب تكساس الوسيط.
وأشار التقرير إلى أنه لم تجر مناقشة استراتيجية خروج من التخفيضات، ولا يزال من غير المعروف ما إذا كان قرار تمديد التخفيضات لاستيعاب نمو النفط الصخري سيقود في نهاية المطاف إلى الحاجة لتخفيضات أعمق في 2020".
فيما أظهرت بيانات حديثة أصدرها معهد البترول الأميركي، أن مخزونات الولايات المتحدة من النفط الخام انخفضت أكثر من المتوقع خلال الأسبوع الماضي، في حين تراجعت مخزونات البنزين وارتفع مخزون نواتج التقطير.
وهبطت مخزونات الخام 8.1 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الخامس من يوليو إلى 461.4 مليون برميل، بينما توقع المحللون انخفاضها 3.1 مليون برميل.
اقرأ أيضاً.. في خضم التوترات.. وزير الخارجية الإيراني يطير إلى أمريكا
وتراجعت مخزونات الخام بنقطة التسليم في "كاشينج" بولاية أوكلاهوما 754 ألف برميل، لكن ارتفع استهلاك الخام بمصافي التكرير ثمانية آلاف برميل يوميا.
وانخفضت مخزونات البنزين 257 ألف برميل، مقارنة مع توقعات سابقة بانخفاض قدره 1.3 مليون برميل. فيما زادت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، بمقدار 3.7 مليون برميل، مقارنة مع توقعات بأن ترتفع 739 ألف برميل.
وتراجعت واردات الولايات المتحدة من الخام الأسبوع الماضي بمقدار 63 ألف برميل يوميا إلى 7.1 مليون برميل يوميا.
كيف يتأثر النفط الصخري بقرارات "أوبك" الأخيرة؟
لكن موقع "أويل برايس" المتخصص في شؤون النفط طرح هذا السؤال: هل سيؤدي قرار "أوبك" بتمديد اتفاق خفض الإنتاج إلى موجة جديدة من انتعاش إنتاج النفط الصخري الأميركي؟
وذكر أن المراقبين يرون أن المنتجين المستقلين غير الأعضاء في "أوبك" سوف يستفيدون من اتفاق خفض الإنتاج، وبالطبع سيكون من بينهم منتجو الخام الصخري في الولايات المتحدة.
وحطم الإنتاج الأميركي من النفط الصخري مستويات قياسية تلو الأخرى في الأشهر الأخيرة، وبدأت وتيرة نمو الإنتاج في التباطؤ بشكل ملحوظ هذا العام بعد انخفاض أسعار الخام بنسبة 40% في الربع الأخير من العام الماضي.
وذكر أنه في حال نجاح اتفاق "أوبك" لخفض الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يومياً، في تقليص المعروض والمخزونات العالمية وأيضاً إذا تم حل النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين الأمر الذي يؤثر إيجابياً في الطلب، فسوف ترتفع أسعار النفط مما يؤدي إلى انتعاش الإنتاج الأميركي وزيادة المخزونات، ومن ثم، ستتراجع الأسعار مجدداً.
وفي تصريحات سابقة، قال خبير النفط، مدحت يوسف، إن العديد من دول العالم لجأت أخيرا إلى إنتاج الزيت والغاز الصخري على الرغم من تكلفته الباهظة، ولكن بالمقارنة بأسعار النفط العالمية عندما تجاوزت الأسعار ما يفوق 100 دولار للبرميل.
وتأتي الولايات المتحدة على رأس هذه الدول، حيث قلصت التكاليف باستخدام تكنولوجيات حديثة موفرة للطاقة الكبيرة المطلوبة لاستخراج الزيت الصخري، لدرجة أصبح معها من الممكن تحقيق ربحية عند مستويات 60 دولارا للبرميل من النفط وربما تقل قليلا.
وارتفعت بالتبعية مخزونات النفط لدى أميركا والدول المنتجة للزيت الصخري لدرجة أثرت على قرارات منظمة "أوبك"، مما جعلها تتفاوض مباشرة مع منتجي الزيت الصخري في أميركا.
ومن هذا المنطلق، اتجهت "أوبك" نحو العمل على ألا يتجاوز أسعار سلة "أوبك" من النفط حدود معينة حتى تتوقف عمليات إنتاج الزيت الصخري في الدول الأخرى، وبالتالي سيؤثر ذلك على حصص أعضاء "أوبك" من السوق بالانخفاض، وهو ما يحبذه أعضاء المنظمة.
ويؤدي ارتفاع إنتاج الزيت الصخري إلى انخفاض أسعار النفط مما سيؤثر إيجابا على الدول المستوردة للنفط وسلباً على الدول المصدرة.
وأخيرا تزايد إنتاج النفط الصخري، وتشير البيانات الرسمية إلى أن البحرين وأميركيا وروسيا يمتلكون أكبر احتياطي نفط صخري في العالم، إلا أن استخراجه يواجه العديد من التحديات، أهمها احتياجه إلى كميات كبيرة من المياه، حيث إن إنتاج برميل واحد من النفط الصخري السائل يتطلب استخدام برميلين من المياه، كما يتطلب طاقة كهربائية تعادل 1200 ميغاوات، وهذه طاقة كبيرة تعادل تزويد مدينة يقطنها نصف مليون نسمة بالكهرباء.
ماذا تربح أميركا إذا صعد "برنت" لـ 80 دولاراً؟
وأشار مسح أجراه الفيدرالي الأميركي، إلى أنه عند تداول "برنت" قرب 80 دولارا واقتراب "نايمكس" منه، فإن كافة مناطق الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة، سواء الخام الصخري أو غيره، سوف تصبح رابحة بسهولة.
لكن بعد انخفاض أسعار النفط في الربع الأخير من العام الماضي، تباطأ نمو إنتاج أميركا من الخام في 2019 رغم حقيقة أنه بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق في أبريل عند 12.162 مليون برميل يومياً، بناء على حسابات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وكشفت البيانات الرسمية عن أن الإنتاج الأميركي من الخام والمكثفات شهد نمواً بنحو 1.52 مليون برميل يومياً في الأشهر الثلاثة من فبراير وحتى أبريل من العام الحالي على أساس سنوي، مقارنة بنمو قدره 1.97 مليون برميل يومياً في الفترة من أغسطس وحتى أكتوبر من العام الماضي.
وربما يواصل نمو الإنتاج الأميركي من النفط التباطؤ حتى نهاية العام الحالي بعد انخفاض الأسعار في الربع الرابع من عام 2018، وذلك مع ظهور إشارات عدة على تباطؤ أنشطة التنقيب والإنتاج.
وأشار التقرير إلى انخفاض عدد منصات التنقيب عن النفط في أميركا بنحو 65 منصة حالياً مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وذلك بناء على بيانات أصدرتها شركة "بيكر هيوز"، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الإنتاج الأميركي أعلى بنحو 1.2 مليون برميل يومياً على أساس سنوي.
وبالنسبة إلى الخام الصخري، فقد أشار مسح حديث أجراه البنك الفيدرالي، إلى أن أنشطة قطاعي النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة كانت مستقرة في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو الماضي، وذلك بعد سنوات من النمو المستمر.
وعلى الرغم من ارتفاع الإنتاج الأميركي من النفط والغاز للربع السنوي الحادي عشر على التوالي، إلا أن مؤشرات إنتاج الخام تشير إلى تباطؤ في النمو، حيث إن الشركات لديها تشاؤم حيال الظروف المستقبلية بالتزامن مع عدم اليقين حيال الطلب.
وعلى هامش اجتماعات "أوبك" الأخيرة، قال وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، إن لديه قناعة بأن الخام الصخري الأميركي سوف يصل ذروته ثم سيستقر ليتحول بعدها إلى الانخفاض.
لكن كلما أشارت التوقعات إلى أن أسعار النفط سوف تستقر عند النطاق بين 70 و80 دولارا للبرميل، يأتي الخام الصخري الأميركي وينتعش إنتاجه والتنقيب عنه ليكسر مجدداً هذه التوقعات ويقود الأسعار إلى التراجع.