هناك العديد من الأحاديث التي تنسب إلى الأنبياء والصحابة، نسمعها وتتكرر على مسمعنا كل يوم ولكن لم نسأل أنفسنا يوما عن مدى صحتها، ومن هذه الأحداديث ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تطيعوا للننساء أمرا، وهذا بعد الدراسة نثبت هنا أنه ليس حديثا بل أثرا من الآثار قول ورد في بعض الكتب، ويتناقله الناس ونسبوه إلى سيدنا علي بن أبي طالب يقولون فيه عنه: "قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أيها الناس! لا تطيعوا للنساء أمراً، ولا تأمنوهن على مال، ولا تدعوهن يدبرن أمر عشير، فإنهن إن تُرِكن وما يردن أفسدن الملك، وعصين المالك، وجدناهن لا دين لهن في خلواتهن، ولا ورع لهن عند شهواتهن، اللذة بهن يسيرة، والحيرة بهن كثيرة، فأما صوالحهن ففاجرات، وأما طوالحهن فعاهرات، وأما المعصومات فهن المعدومات، فيهن ثلاث خصال من اليهود: يتظلمن وهن ظالمات، ويحلفن وهن كاذبات، ويتمنعن وهن راغبات، فاستعيذوا بالله من شرارهن، وكونوا على حذر من خيارهن، والسلام.
وعن هذا الأثر يرد الشيخ محمد المنجد قائلا ما نصه:
هذا الكلام لا تصح نسبته إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك لدليلين اثنين:
الأول: أنه ليس له أصل إسنادي في كتب السنة والآثار، ولا يعرف له موضع في كتب أهل السنة، اللهم إلا أن القرطبي نقله بنصه في كتاب "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص/818) من طبعة دار المنهاج، وقال المحقق الدكتور الصادق: بحثت عن هذا الأثر عن علي رضي الله عنه ولم أجده، وما أظن أن يثبت مثل هذا عنه رضي الله عنه، لما فيه من المبالغة في التشنيع على النساء على وجه لا يليق " انتهى. وعن الإمام القرطبي نقله السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص/458) والعجلوني في "كشف الخفاء " (2/63) ولم يحكما فيه بشيء.
الثاني: فيه مبالغة ظاهرة في التشنيع على جنس النساء ، والتحذير منهن، ولو كان التحذير مقتصرا على شرار النساء لكان مقبولا، أما أن يشمل التحذير والتشنيع الصالحات من النساء فهذا أمر مرفوض لا يقبل وليس في الشريعة ما يؤيده ، ولا يصدر عن مثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو العالم بقول الله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) النساء/34، وبقوله عز وجل : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/35.
وكل ما ورد من آثار في بعض كتب التاريخ والأدب تحث على ترك طاعة النساء، ومخالفة أمرهن، وذم الصالحات فيهن، وتخوين الطاهرات منهن: فهي آثار مردودة لا تثبت، وإنما يؤمن بها الرافضة في تراثهم المزور، فقد عقد الكليني في كتابه " الكافي " (5/518) بابا بعنوان "باب في ترك طاعتهن"، وسرد فيه مجموعة من الآثار التي تشنع على النساء في هذا الشأن ، وأما نحن فنقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) رواه أبو داود (رقم/236)، فالنساء فيهن العابدات المؤمنات اللاتي شاركن في بناء التاريخ الإسلامي العظيم، فلا يقبل التعميم الذي يرد في بعض الآثار عن بعض السلف وفيه مبالغة التشنيع على جنس النساء.