في ذكرى ثورة 23 يوليو.. أهالي "النحارية" بالغربية مازالوا يتساءلون: لماذا أُجبر محمد نجيب على التنحي؟.. حفيد أول رئيس لـ"مصر" يفتح خزائن أسرار جده

عباس قشلان حفيد الرئيس الراحل محمد نجيب أمام منزل جده بقرية

منزل من الطوب اللبن، يكسو الحزن والأسى جدرانه في انعكاس صادق لحياة صاحبه.. هنا في قرية النحارية، التابعة لمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، وداخل هذا المنزل الضارب في أعماق التاريخ لأكثر من 100 سنة مضت، ولد محمد نجيب، أول رئيس لمصر عقب ثورة 23 من يوليو 1952.

يخبيء منزل محمد نجيب، بقرية النحارية، التابعة لمركز كفر الزيات، بين جدرانه أسرارًا لم تُنشر بعد؛ ففي هذا المنزل ولد رئيس مصر الأول في عهد الجمهورية، وعاش أكثرية سنوات عمره بين جدرانه، وعقب نجاح ثورة 23 يوليو، واختياره من قبلِ الضباط الأحرار رئيسًا للجمهورية، أصر على الاحتفاظ به دون أي تغيير أو تجديد، وكأنه كان يشعر بأنه عائد إليه لا محالة.

اقرأ أيضًا.. أنور السادات.. حكاية مذيع ثورة 23 يوليو مع السيد البدوي.. هرب إلى طنطا خوفًا من الإنجليز.. بشره الشيخ الخطيب برئاسة مصر.. وهذا سر ارتباطه بـ"شيخ العرب"

لماذا فعلوا بي هذا؟

عقب إجبار محمد نجيب، على التنحي ووضعه تحت الإقامة الجبرية داخل فيلا بحي المطرية في القاهرة، لم يجد سوى هذا منزله القديم بقرية النحارية، ليعود إليه بعد أن ألغى الرئيس الراحل محمد أنور السادات، قرار تقييد إقامته، قبل أن يجبره المرض على مغادرته مرة أخرى ليظل في القاهرة حتى وفاته.

"لماذا فعلوا بي هذا؟"، سؤال طرحه محمد نجيب، في مذكراته وصف به عدم معرفته بالأسباب التي جعلت مجلس الثورة يطيح به ويجبره على التنحي، وهو نفس السؤال الذي ما زال أهالي قرية النحارية في مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، يطرحونه حتى اليوم، وبالأخص كلما داهمتهم ذكرى ثورة 23 من يوليو.

ولأن الكثير من الأسئلة ليس لها إجابات، خاصة تلك المتعلقة بوقائع تاريخية؛ فقد اكتفى أهالي قرية النحارية، بتغيير اسم القرية ليصبح قرية محمد نجيب، في نوع من أنواع التكريم والوفاء للرئيس الراحل. ورغم مرور 67 عامًا منذ قيام ثورة يوليو؛ إلا أن الوصول لمسقط رأس محمد نجيب، ومن ثَمَّ استرجاع ذكريات الرجل بين جدران منزله، أمرُ محفوف بالمخاطر مثله مثل تلك الحياة التي عاشها الراحل.

حتى تصل إلى منزل محمد نجيب، داخل القرية التي تحمل اسمه بمركز كفر الزيات، يجب عليك المرور فوق "مدق" معدني متهالك يعلو ترعة الري المتصدرة للقرية، ويحد المنزل من الجانبين بعض المنازل القديمة المتهالكة مثله تمامًا، وكأن أصحابها يبقون عليها لتكون وفية لجدران "منزل نجيب"، مثلما ظلوا هم أوفياء لشخص الرئيس الراحل، ولن يلفت انتباهك سوى ذلك البروز الذي تتميز به جدران منزل نجيب عن جيرانها من المنازل، لتذكر الناظر إليها بدرجات صعود صاحبه إلى القمة عقب ثورة يوليو، ثم إجباره على الهبوط للقاع.

اقرأ أيضًا.. "مصطبة" جدّ جمال عبد الناصر بـ"بنى مر" شاهدة على ثورة يوليو.. ابن عم الزعيم: أحد أبناء القرية حاول نفاق الرئيس فرد عليه "كلكم تعرفون عائلتي وسأعيش وأموت فقيرا"

حكايات الأحفاد

يقول عباس قشلان، حفيد الرئيس الراحل محمد نجيب: "جدي ولد في العام 1901، لأب مصري وأمًا سودانية، تزوجها حينما شارك فى القوافل الطبية التي كانت ترسلها مصر إلى السودان، ثم جاء بها إلى مصر عقب عودته واستقرا هنا في محافظة الغربية، وظل يمارس عمله في التجارة حتى رزقه الله بـ(محمد نجيب)، الذي ألتحق بالجيش المصرى، وشارك فى حرب 1948، وثورة 23 يوليو، ليصبح أول رئيس لمصر في العهد الجمهوري".

قشلان، البالغ من العمر 70 عامًا، يضيف في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر": "عقب إجبار جدي على التنحي، ثم إلغاء الرئيس السادات قرار حظر إقامته، وعودته للعيش معنا داخل قريتنا بكفر الزيات؛ كان حريصًا على جمع أحفاده كل يوم عقب صلاة العصر ليقص على مسامعهم ذكرياته مع ثورة 23 من يوليو، وحكايات الضباط الأحرار، والصداقة التي جمعته بجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وأنور السادات، وكيف أنهم أختاره ليكون أول رئيس لشعبيته وكبر سنه ومقامه داخل مجموعة الضباط الأحرار، وكنا نشعر وهو يروي لنا هذه الذكريات بـ(المرارة) والحزن والأسى وهو يحكي، وكان دائمًا ما ينهي حديثه بسؤال: لماذا فعلوا بي هذا؟".

حفيد الرئيس الراحل، يتابع حديثه قائلًا: "في أحد الأيام كنا نلتف حول الراديو نستمع لإحدى البرامج الإذاعية، وفجأة قطع البرنامج إعلان عن موعد خطاب سوف يلقيه الرئيس جمال عبد الناصر، فقمت أركض نحو المذياع وأغلقته؛ فسألني جدي: لماذا فعلت هذا؟ فأجبته ببراءة الطفولة: الراجل ده خد مكانك وأنا بكرهه، فما كان منه إلا أن نهرني وأمرني بإعادة تشغيل الراديو مرة أخرى، وقال لي: تلك كانت معركتي، ولا يحق لكم القتال فيها".

اقرأ أيضًا.. فتيات للبيع.. تفاصيل مرعبة لـ"زواج القاصرات" بالغربية.. 500 جنيه ثمن الوثيقة.. وحكاية "هاجر" الطفلة التي ماتت بعد انفجار رحمها

قشلان، يؤكد، أن محمد نجيب كان أثناء عمله بالجيش، دائم التردد على منزله بقرية النحارية بمركز كفر الزيات، لقضاء المناسبات والأعياد وسط أهله وأبناء عمومته؛ كما أعتاد مساعدة الجميع، موضحًا: "في إحدى الأيام التي كان متواجدًا فيها بالقرية اشتعلت النيران بقرية قليب أبيار، المجاورة لنا، فهب إليهم وظل معهم حتى إخماد النيران، وتبرع بالخيام ومواد إعاشة للمنكوبين، ومرة أخرى وقبل أن يلقى ربه قسم قطعة أرض كان يملكها على المستأجرين ليخرج من الدنيا كما جاء إليها، لا يملك من حطامها أى شيء".

حفيد أول رئيس لمصر، يختتم حديثه لـ"أهل مصر"، قائلاً : "حاولنا كثيرًا تحويل منزله بالقرية، إلى متحف ومزار؛ إلا أن وزارة الأثار رفضت، بدون سبب، وهذا الأمر بالنسبة لنا حلم نتمنى أن يتحقق، لأنه سيكون بمثابة نوع من التكريم ورد الاعتبار لأول رئيس يحكم مصر في العهد الجمهوري، ويكفي أن جدي عاش مهضوم الحق ومات مقهورًا".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً