أيام تفصلنا عن عودة الحجاج من بيت الله الحرام خلال أيام التشريق، ومنهم من عاد محملاً بهدايا مكة المُكرمة ومن أشهر هذه الهدايا ماء زمزم، نعتاد سماعها كثيرًا منذ صغرنا، فهي من أشهر عطايا الحجيج القادم من حج البيت.
تعتبر ماء زمزم أشهر مياه في العالم، فهو البئر الذي لم يجف منذ 5 آلاف سنة، يأتي إليه الوافدين من كل صوب، تروي مئات الآلاف من الأشخاص، نعرض خلال التقرير قصة البئر المُقدس.
قصة بئر زمزم
بعد أن عاد سيدنا إبراهيم من العراق إلى فلسطين ومنها إلى مصر وكان معه زوجته سارة، وهي من أجمل نساء الأرض، طمع فيها فرعون مصر، ودعت الله أن يصرفه عنها، وأهدى لها جارية وهي "هاجر"، ولأنها كانت عاقرًا أحبّت أن تهدي إبراهيم جاريتها ليتزوجها ويُنجب منها، وبالفعل أنجب منها سيدنا اسماعيل، وبعدها عاد إبراهيم إلى مكة المُكرمة.
وعندما وصل كانت صحراء قاحله لا ماء فيها، ولا شجر، ولا بشر، فترك إبراهيم -عليه السلام- زوجته هاجر وابنه إسماعيل عليه السلام، ثمّ تركها ومضى فقالت له هاجر: (يا إبراهيم إلى أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي لا أنس فيه ولا شيء؟)، فلم يُجبها، فأعادت عليه السؤال، فلم يلتفت إليها، ثم أعادت السؤال مرارًا، ولكنه لم يلتفت إليها، فقالت: (آلله أمرك بهذا؟) فقال: نعم.
فقالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت، وذهب إبراهيم ليكمل دعوته بأمر من الله تعالى، فتوجّه لله -تعالى- بالدعاء، قال الله تعالى: ( رَبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقيمُوا الصَّلاةَ فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إِلَيهِم وَارزُقهُم مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَشكُرونَ)
وما هي إلا ساعات حتى نفد الماء، واشتد الكرب على هاجر وبعد أن نفد طعام وشراب إسماعيل وأصبحت أمه تركض بين الصفا والمروة تبحث له عن ماء وقد بلغت هاجر الجهد، فسمعت صوتا فإذا بجبريل عليه السلام يفجر نبع الماء من تحت الطفل الصغير، فقامت وغرفت منه وسقت طفلها وشربت حتى شبعا، وقد قال رسول الله: (يرحمُ اللهُ أم إسماعيلَ، لو كانت تركت زمزمَ - أو قال: لو لم تغرف من الماءِ- لكانت زمزمُ عيناً معيناً).
ثمّ بقيت ماء زمزم على ما هي عليه، وتوافدت القبائل من كل حدب وصوب نحو مكة المكرمة، وزادت أهميتها بعد بناء سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام للبيت الحرام، وأصبحت بذلك مركز تجاري لقبائل الجزيرة العربية والشام، وهو تحقيق لدعاء النبي ابراهيم، وبمرور السنوات جاءت فترة من الفترات وردمت زمزم، وكان ذلك قبل عهد عبدالمطلب جد النبي محمد.
ثم جاءه رؤيا لأكثر من مرة تأمره بإعادة حفرها ودُل على مكانها وحفرها وخرج ماؤها مرة أخرى، وأصبح يسقي الحجاج منه، وهكذا بقيت السقاية والرفادة في آل عبدالمطلب وورثها من بعده ابنه العباس بن عبدالمطلب.
من أين يأتي ماء زمزم ؟
وبين الهاشمي أن العيون التي تغذي زمزم "ثلاثة"، إحداها من جهة الحجر الأسود، والثانية من جهة جبل أبي قيس، والثالثة من جهة المكبرية حالياً.
الجدير بالذكر أن مبنى زمزم الذي كان في وسط المطاف كان يتكون من عدة طوابق، وكان بداخله رقبة بئر زمزم بالطوق النحاسي وغطاء البئر، إضافة إلى بكرة لرفع الماء تعود لأواخر القرن الرابع عشر، كما يوجد دلو من النحاس مؤرخ عام 1299 هـ وقد وضعت حاليًا بمتحف عمارة الحرمين الشريفين بأم الجود.