يعد واحداً من أعظم القراء في جيلنا الحاضر، فمن لا يلفت انتباهه صوت الشيخ عبد الفتاح الطاروطي سواء في المآتم أو المناسبات السعيدة أو إذاعة القرآن الكريم، فهو يعد أصغر قارئ للقرآن الكريم يلتحق بإذاعة القرآن الكريم وهو ابن الثامنة والعشرين من عمره.
في هذا الحوار يتذكر الطاروطي ذكرياته في مختلف دول العالم ويدلو برأيه في قضايا عدة ستقرأها في هذا الحوار.. وإلى نص الحوار:
حدثنا كيف حفظت القرآن الكريم؟
أنا نشأت في أسرة حافظة للقرآن الكريم ووالدي كان حافظا له لأنه كان يعمل خادم مسجد بوزارة الأوقاف فنذرني للقرآن منذ أن كنت جنينا في بطن أمي، وكان يسعى جاهدا أن اكون حافظا جيدا للقرآن ليثقل عندى الموهبة التي ظهرت في سن 8 سنوات.
والدى كان يصطحبني معه إلى المسجد لأقوم بالأذان فكان ذلك كفيلا أن يسرع الخطى نحو حفظ كتاب الله، وعندما ظهرت الموهبة كنت وقتها في التعليم الابتدائي وتحديدا في الصف الرابع عندما ظهرت هذه الموهبة فكنت أقرأ في طابور الصباح ووقتها أشار بعض المدرسين على والدى للتحويل من التعليم العام إلى التعليم الأزهري فهذا أثقل لدي الموهبة لأن القراء في المعهد كانت أكثر سلامة في النطق.
وقرأت إلى جوار شيوخ كبار كالشيخ الليثى والشيخ الشحات أنور وغيرهم فهذ أضاف إلى كثيرا، وبناء عليه بدأ الحلم يكبر فكنت دائما حريصا على الاجتهاد في الدراسة وتخرجت في كلية أصول الدين عام 1987 بتقدير عام جيد جدا، وبدأ حلمى يتحقق في عام 1993 عندما التحقت بالإذاعة المصرية كأصغر قارئ يلتحق بالإذاعة.
حدثنا عن كواليس التحاقك بالإذاعة؟
وقتها كان مجرد دخول مبنى التلفزيون حلم بعيد المنال لأن هذا المبنى فيه العمالقة من الرعيل الأولى الذين نشأنا على أصواتهم، فكنت أحذث نفسي أن أكون قارئا في الإذاعة.
لكن الحلم يجب أن يكون بإعداد واجتهاد، فالقارئ الذي يلتحق بالإذاعة لا بد أن يكون على المستوى المطلوب لأن مصر تعودت أن تخرج أفضل الأجيال في جميع المجالات، وبالتالى لا يوجد شفاعة للإنسان في تلاوة القرآن.
وأنا التحقت بإذاعة القرآن الكريم وكان عمرى 28 عاما ودخلت لجنة للامتحان على يد شيوخ عظماء وكان الجلوس أمامهم له رغبة، فأعطوني 6 أشهر للتخلص من التقليد لأننى كنت مقلدا للشيخ الشحات أنور، وبعدها سرت على بركة الله فالإذاعة لا تقبل إلا المتميزين.
بعدها أخذت على عاتقي أن العبرة ليست في دخول الإذاعة ولكن بتحقيق ذاتك فيها وهي أن تحفر اسمك بين عمالقة القراءة لأن هناك أسماء دخلت الإذاعة ولم يشعر بها أحد، ولكنى أحمد الله أننى أثرت بقراءتي في الإذاعة لأننى دخلت وسط كوكبة من العظماء كالشيخ أبو شعيع والشحات أنور وغيرهما.
لذلك أقول للجميع أن الطاروطي لم يدخل وسط جيل ضعيف ولم أكن «أحسن الوحشين» لكني دخلت المجال وسط ملوك دولة التلاوة، وبعد دخولى الإذاعة كانت الانطلاقة إلى جميع دول العالم كقارئ ومحكم في مسابقات عالمية.
ما هي أكثر المواقف تأثير أثناء جولاتك في دول العالم؟
في باكستان مثلا استقبلوني في الساعة الثالثة فجرا وخرجت من المطار لأجد أكثر من 20 سيارة مليئة بالمستقبلين وكل شخص يحمل في يده طبقا من ورد فتحول إلقاء أوراق الورد عليّ كصرب الرصاص فأصبحت ثيابي كلها «مبقعة» وهذا حسن استقبال وشدة حب الناس.
وفي إيران وفي عهد الرئيس الهاشمي فركبنا الأوتوبيس بعدما هبطنا من الطائرة فإذ بنا نجد أن هناك أشخاصا يبحثون داخل الأتوبيس فقدموا اعتذارا لتأخرهم دقيقة واحدة وأنزلونا من الأتوبيس لعربيات خاصة، وبعدها وصلنا لصالة كبار الزوار فوجدنا التلفزيون الرسمي يستقبلنا هو الرئيس الإيراني.
أمر أخر عندما جاء أحمدى نجاد إلى مصر وطلب ألا يقرأ أحد أمامه إلا أنا، وخالف البروتوكول عندما ذهب إليه فأخذني بالأحضان فتعجب الحاضرون من ذلك.
ومشاركتي في تحكيم المسابقات العالمية والمحلية للقرآن الكرين يشعرني بأن عطائي لم يتوقف عن قارئ متميز ولكن محكم مميز أيضا، قالقارئ حين يتميز يكون محط أنظار الناس، وليس معنى ذلك أننى أفضل من غيري فجميع أهل القرآن أكن لهم كل تقدير واحترام.
هل أولادك وعائلتك حافظين للقرآن الكريم؟
أنا لا أحب أن ينقطع نور القرآن من بيتى، فكما كان بيتي الأول أخى وأبي حافظين للقرآن فعلت ذلك مع أولادي أيضا، وبفضل الله حققنا السبق فكنت أنا وأخي قراء في إذاعة القرآن وهذا سبق لم تحققه سوى العائلة المنشاوية وعائلتي أيضا، وأتمنى أن يمد الله في عمرى حتى يجتمع الأب والابن في إذاعة القرآن الكريم.
أتمنى أن أجتمع مع ابنى لقراءة القرآن في الإذاعة
وكل أخواتي البنات وأولادي كلهم يحفظون القرآن منذ الصغر، وأولاد أخي أيضا يحفظون القرآن وهذا شرف ونتمنى أن يمتدد لك، وما نحن فيه من عز ورغد كله بفضل القرآن الكريم، ولذلك أقمت معهدا لإعداد القراء إضافة إلى مجمع الطاروطي الإسلامي.
بنظرتك.. هل اختفى دور الكتاب في القرية؟
يجب أن نوجه الشكر إلى وزارة الأوقاف على افتتاح مدارس قرآنية جديدة وذلك يساعد على تحفيظ القرآن بطريقة علمية، ولكن تبقى روح الكتاب ملهمة جدا لأي شخص، لأن شيخ الكتاب نذر حياته للكتاب، فلذلك نطالب بمن يحفظ القرآن للأطفال أن يتخذها رسالة وليست وظيفة وهنا سيخرج حفظة القرآن الجيدين.
ما هي نصائحك للأجيال الجديدة من القراء؟
أنا من خلال متابعتى لبعض المسابقات في مصر رأيت ما أعجب له من حافظين لكتاب الله وأنا على المستوى الشخصي فخور بهم وأرى طفولتى في مثل هؤلاء، وعطاء الله للقرآن لن يتوقف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا يجعلنا نؤكد أنه طالما هناك قيادة سياسية حكيمة تعمل لأجل القرآن الكريم وتحافظ عليه من التطرف والعبث والإرهاب، فستظل مصر قمة الترقي والعلو ودائما يشع نورها على جميع دول العالم، ولن نسمح لأي أحد أن يكرر مقولة «بساط القراءة انسحب من تحت أقدام المصريين» لأن هذا يخرج عن ألسنة حاقدة ومستكثر نعم الله على مصر، فمصر هي من علمت الدنيا كيف تقرأ القرآن، والدعاة في مصر دعاة وسطيون لا يعرفون الغلو والتطرف.
نقلا عن العدد الورقي.