لا يقتصر الغزو على احتلال الجيوش والإطاحة بالدول، بل الأسوأ هو آثار هذا الاحتلال، فهو أخطر بكثير من الاحتلال نفسه، بعد عام 2003، أصبح العراق حاضنة للفساد، ودمر الاقتصاد الوطني والبنية التحتية وما ينتج عنها من الفقر والبطالة وضعف الدولة والقانون.
كل هذا جعل العراق هشاً ويعاني من الفساد الإداري والمالي، والتفكك الاجتماعي "المخدرات والإدمان والجريمة"، وغزو المخدرات، الذي وصل إلى مستويات لم تتمكن الوكالات الحكومية من معالجتها لأن عصابات المخدرات تتمتع بحماية قوية القوى السياسية والميليشيات والمافيا في البلاد.
قبل عام 2003، كان العراق من أنظف البلدان في المنطقة من حيث الاستهلاك أو الاتجار بالمخدرات، ولكن بعد الاحتلال وفتح الحدود العراقية، أصبح العراق قناة مهمة لنشاط مهربي المخدرات وإساءة استعمالها واستهلاكها وإدمان الشباب.
فيما يتعلق بأسباب بيع المخدرات وتعاطيها في العراق، فإن السيطرة على الميليشيات المسلحة والقوية على المخدرات هي الأهم، وفتح الأبواب على مصراعيها لدخول المخدرات وتهريبها.
أكد قاضي مكافحة المخدرات "رياض العكيدي"، أن الأسباب الرئيسية هي انعدام الأمن في البلاد وانتشار البطالة، بالإضافة إلى عدم وجود عقوبات رادعة كتلك التي كانت قبل الغزو الأمريكي للعراق، حيث عقوبة التجارة وسوء المعاملة بلغت الموت للحد منها. ودعا "العكيدي" الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات إلى إعداد مشروع قانون لمكافحة المخدرات بشأن العراق، من أجل السيطرة على هذه الظاهرة، ومنع شباب البلاد من الوقوع في هذه الآفة التي تهدد المجتمع العراقي.
ينتمي غالبية تجار المخدرات إلى فصائل مسلحة، بعضهم ينتمي إلى ميليشيات مسلحة ويعملون بحرية، ويأخذون ممرات رسمية وغير رسمية على طول الحدود الشرقية التي تربط العراق بإيران، وقال ضابط في أحد مركز مكافحة المخدرات.
وقال "العكيدي" أن "بعض الفلاحين في العراق، خاصة في المناطق النائية، الذين كانوا يزرعون الطماطم وغيرها من الخضروات، يتحولون الآن إلى زراعة المواد المخدرة، لأن الربح سريع ومغري".
وأثبت بعض التقارير أنه بعد عام 2003، تحول العراق من ممر لتجارة المخدرات إلى بلد مستخدم وحتى زراعته، ولكن إلى حد محدود، وأن قوات الأمن العراقية تجد في بعض الأحيان مزارع المخدرات، وخاصة في المناطق الريفية المناطق المتاخمة للحدود مع إيران.
اقرأ أيضاً.. رئيس وزراء العراق يعيّن إيرانيين في مناصب حساسة في الدولة
بالنظر إلى خطورة انتشار ظاهرة المخدرات في المجتمع العراقي بطريقة غير مسبوقة، فقد حذر العديد من المنظمات والجماعات المعنية والأجهزة الأمنية والمشرعين من خطر انتشار هذه الظاهرة، ويدعون إلى حلول عاجلة.
البصرة ضحية المخدرات: المخدرات ظاهرة غريبة على مجتمع البصرة المعروف باسمه المحافظ والديني، والمعروفة بالعلم والمعرفة والأدب والفن، والكثير من أبناء العراق العظماء هم من مجتمع البصرة الأصلي، ولكن بعد 2003،غياب القانون، وضعف الحكومة والفساد، فقد وصلت المحافظة إلى ما هو عليه الآن، ولا تنسوا أنها واحدة من أغنى محافظات العراق.
وأكد نائب محافظة "عدي عواد" في مجلس النواب، أن موقع محافظة البصرة، كونها المنفذ العراقي الوحيد على البحر، تحولت إلى لعنة لشعبها، كما شهدت خلال الثلاثة الماضية سنوات دخول المخدرات وتجارتها بشكل ملحوظ، حتى وصل عدد المعتقلين إلى أكثر من 4035 من التجار والمستخدمين خلال العام الماضي فقط.
وفي السياق ذاته، أشار قائد شرطة البصرة "رشيد فليح" إلى أن 80٪ من الأدوية التي تدخل المحافظة القادمة من إيران ، والباقي 20٪ يأتي من بقية المنافذ، بما في ذلك الكويت، مؤكداً أن هناك محاولات لتدمير المجتمع في البصرة من انتشار المخدرات.
أكدت الشرطة في محافظة البصرة أنها شنت حملات أمنية تستهدف تجار المخدرات في المدينة ، لكن هذه الإجراءات لم تحد من انتشار المخدرات، وأعلنت أن الأجهزة الأمنية تعتقل يوميًا (10 إلى 15) شخصًا في المحافظة.بين المستخدم ومخازن الأدوية، مما يشير إلى أنهم ألقوا القبض على أكثر من 4000 من تجار المخدرات والمروجين والمستخدمين في المقاطعة خلال السنوات الماضية.
بلغ عدد المعتقلين بسبب تعاطي المخدرات أو الاتجار بهم خلال النصف الأول من هذا العام في 15 محافظة عراقية باستثناء محافظات إقليم كردستان العراق، عدد 6187 معتقلاً، وأن بعض المحافظات كانت حتى العام الماضي خارج نطاق هذه الظاهرة الخطيرة، وهي نينوى ديالى وكركوك والأنبار لكنهم الآن في مناطق المخدرات.
يؤكد المراقبون أن أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم آفة المخدرات وعدم القدرة على القضاء عليها أو الحد منها ، هو أنها تحظى بدعم الأحزاب والميليشيات والمافيا التي يحصلون منها على أموال ضخمة،وأن المخدرات تأتي إلى العراق عبر إيران وأفغانستان وسوريا ولبنان وتصل إلى المناطق الجنوبية والغربية بكميات كبيرة، وأن هناك مشاركة كبيرة في هذه القضية، وذلك باستيراد 16 مليون قرص عبر ميناء البصرة مقابل دولار 60 مليون دولار، ليس تاجر عادي، إنه تاجر مدعوم من الأحزاب والكتل والمسؤولين.
الفساد الإيراني في العراقمن ناحية أخرى، يقوم عدد من الزوار الإيرانيين القادمين إلى العراق سنويًا تحت ستار زيارة الأضرحة المقدسة بنقل كميات كبيرة من المخدرات معهم، وقد تم اعتقال المئات منهم في المعبر الحدودي عندما يقومون بتهريب المخدرات والمصير، ضابط برتبة رائد ألقى القبض على الملا الإيراني واختطف من جيبه أموالاً كويتية أراد شراء الزئبق من عصابة تم أسرها، مصير الضابط سيتم القبض عليه ، وهذا هو أكبر دليل على تهريب منظم العملية، وفتح الحدود وإدخال المخدرات، ومصير الشخص الذي منع هذه الجرائم هو الاعتقال والاتهام، وسوف يكون هناك في المستقبل القريب زيادة في معدل تعاطي المخدرات والاتجار بها، بحيث يبقى الشباب على وجه الخصوص يصرف الضائع في عالم الهلوسة ،بعيدا عن السياسيين وعمليتهم التي حولت العراق إلى أكثر الأماكن فسادا في العالم.
لتوضيح حقيقة ظاهرة المخدرات في العراق، أوضح مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان أن العراق أصبح الآن سوقًا رئيسيًا في المنطقة لتعاطي المخدرات والاتجار بها، بعد أن كان مجرد مرور.
في بيان له، حذر عضو المفوضية العليا لشؤون اللاجئين "فضل الغراوي" من أن متعاطي المخدرات من كلا الجنسين يتزايد عددهم، وأن انتشار المخدرات بين الشباب والرجال والأطفال "10-15 سنة" من كلا الجنسين أصبح الآن "تحدياً خطيرًا للأمن المجتمع".
وأكد البيان أن آخر بيانات اللجنة أن" عدد الأشخاص الذين اعتقلوا بتهمة سوء المعاملة أو الاتجار بالمخدرات خلال النصف الأول من هذا العام في 15 مقاطعة باستثناء محافظات إقليم كوردستان بلغ عدد المعتقلين 6187، وأن المحافظات كانت حتى العام الماضي خارج نطاق هذه الظاهرة الخطيرة ، نينوى وديالى وكركوك والأنبار، وهم يعانون الآن من انتشار المخدرات.
المخدرات بين طلاب المدارس: في ندوة لمديرية التربية والتعليم وأجهزة الأمن في محافظة ذي قار، حذر المتخصصون في مجال مكافحة المخدرات من مخاطر انتشار المخدرات والحبوب والعقاقير المخدرة بين طلاب المدارس في المقاطعة، داعياً إدارات المدارس والأسرة والمجتمع إلى ممارسة دورها في الحد من مشكلة تعاطي المخدرات، والتي تتصاعد في المجتمع.
قال "حيدر السعدي"، مسؤول التعليم في ذي قار إن "تفاقم مشكلة المخدرات في المجتمع يتطلب منا أن نقف وننذر ناقوس الخطر لتحذيرهم، ونحن نبحث عن طرق لمنع انتشارها بين الطلاب"، مشيرة إلى أن "كميات المخدرات تدخل بأطنان عبر الموانئ والمنافذ العراقية".
يجب أن تكون هناك خطة علمية وتعليمية تستند إلى دور الأسرة والطلاب، وإدارة المدارس والمجتمع والمجتمع والحكومة والمؤسسات المجتمعية، لتنفيذ تدابير أمنية ومراقبة فعالة للقضاء على تعاطي المخدرات داخل المدارس، مع حملات لتحديد مخاطر المخدرات استخدام ، بالإضافة إلى أهمية الكشف المبكر عن الحالات وعلاجها قبل أن تصل إلى مرحلة الإدمان.
في مدينة السماوة بجنوب العراق، تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن هناك أكثر من 500 تاجر مخدرات في منطقة السماوة وحدها، وأنهم يديرون معظم حبوب المخدرات والحشيش التي يتم تهريبها بانتظام من إيران إلى مدينة السماوة، وتستخدم المخدرات لتوزيعها على المحافظات العراقية ، في حين أن الجزء الأكبر من التهريب إلى مناطق السماوة المجاورة.
استغلال الشباب للترويج للمخدرات: فيما يتعلق بمحافظة ديالى المجاورة لإيران، كشف النائب "أحمد مظهر الجبوري" عن محاولة شبكات متخصصة في تهريب المخدرات ، لتجنيد الشباب من المحافظة في عمليات النقل والترويج ، أن محافظة ديالى تمر بتحديات متعددة إلى جانب تحدي الإرهاب ، وخاصة المخدرات التي ظهرت في السنوات الأخيرة ، مع زيادة عدد الشبكات الإجرامية النشطة في هذا المجال.
في محافظة كركوك الشمالية، أعلنت السلطات الأمنية أن القضاء في عام 2017 حكم على إعدام سبعة تجار مخدرات في المحافظة، بالإضافة إلى أحكام أخرى متفرقة ضد 31 شخصًا بين تاجر ومتعاطي مخدرات.
وفي سياق متصل، اعتقلت مديرية مكافحة المخدرات العمال الثلاثة في أمانة العاصمة بغداد بتهمة "زراعة المخدرات"، كما اعتادوا على زراعة الخشخاش وشقائق النعمان ، لوجود تشابه بين الزهور.
السلطات المختصة مسؤولة عن إدخال البذور والسماح للمتاجر التي تبيع هذا النوع من البذور،يشار إلى أن "شقائق النعمان" هي زهرة برية حمراء مرتبطة بالأدب العربي، يقال إنها نمت على قبر النعمان بن المنذر، أشهر ملوك الحيرة، عندما داسه الفيلة، لأنه رفض الخضوع للملك الفارسي لتسليم المرأة العربية.
أكدت مصادر مطلعة وجود مزارع للمخدرات في بعض مدن العراق تحت حماية الأحزاب والميليشيات المسلحة والقوية، حيث كشف الحكيم الزميلي عن وجود مواقع لزراعة المخدرات في المناطق الشمالية والوسطى من العراق، بالإضافة إلى تصنيع البلورات المخدرة في بعض المدن، بما في ذلك بغداد، وهي تجارة مربحة، وتدر الكثير من المال.
كما أعلن النائب فايق الشيخ علي وجود مزارع الخشخاش التي تنتج الحشيش في جنوب العراق تحت رعاية الأحزاب السياسية ذات النفوذ والجماعات المسلحة، والتي أعطت هذه الظاهرة بعداً سياسياً باستخدام الأحزاب للاستفادة من إنتاج المخدرات.
أكدت مصادر أمنية في حي الشرقاط شمال صلاح الدين، الذي استولت عليه داعش في عام 2014، أن قوات الأمن دمرت 16 دونماً من مزارع الخشخاش في مزرعة تابعة لمنظمة إرهابية مزروعة في الشرقاط لتمويل عملياتها.
في إقليم كردستان، في شمال العراق، لم تكن بعيدة عن المخدرات، حيث استولت السلطات على مزرعة للمخدرات في ضواحي أربيل في عام 2016 ، وقدرت قيمة محتوياتها بحوالي مليون دولار.
من جانبهم، أكد المختصون والباحثون العراقيون على خطورة تفشي المخدرات وتأثيرها المدمر والمتصاعد على شرائح المجتمع العراقي، وخاصة الشباب، حيث يتفقون على استحالة القضاء على هذه الظاهرة ما دامت الدولة ضعيفة و يفسد الفساد أجهزته، وفتح حدوده مع إيران، مع وجود قوى سياسية وميليشيات تستفيد من عائدات المخدرات الضخمة ، مقتنعين من قبل الكثيرين بأن بعض القوى السياسية تشعر بالارتياح إزاء انشغال الشباب بالمخدرات، تخلصوا من شكاواهم وتذمرهم ومظاهراتهم ضد فساد الدولة وفشلها.
يزداد معدل البطالة والفساد والسيطرة على بعض الميليشيات على الحدود العراقية التي يسهل اختراقها ، وفقًا لبعض المراقبين، فضلاً عن الإجراءات الأمنية الوقائية الضعيفة التي تسببت في الآفة التي تدمر النسيج الاجتماعي للعراق.
كشفت مصادر برلمانية ارتفاع تعاطي المخدرات إلى حوالي 46 ٪، مما يشير إلى أن هناك مافيات تديرها شخصيات وكبار المسؤولين في الدولة، وأكدت النائب "ليلى فليح" وجود معلومات موثقة حول دخول المخدرات إلى المدارس، مشيرة إلى أن بدأت إساءة المعاملة بين بعض الطلاب في المرحلتين المتوسطة والإعدادية، ولاحظت تراجع النظام التعليمي وراء دخول المخدرات إلى المدارس، ونقص الوعي، وقلة السيطرة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، مما ساهم في انتشار المخدرات بين الطلاب، دعوة المؤسسات الدينية إلى تحمل مسؤولية الوعي ومسؤولية الدولة والمجتمع والمؤسسات ضد هذه الظاهرة الخطيرة.