حارة المستوقد بشارع المعز.. هنا أقدم "منقد فول مدمس" بمصر.. محمد الحاج: كنا نطهو 70 قدرة يوميًا..واليوم تقلص العدد لـ 30 فقط.. وهذه رحلة تدميس الفول من حرق "مخلفات القمامة" إلى "وابور الشرايط"

حارة المستوقد بشارع المعز
حارة المستوقد بشارع المعز

عرف المصريون الفول المدمس، منذ قديم الأزل؛ فكلمة "فول"، هي كلمة مصرية قديمة، و"مدمس" كلمة قبطية معناها "المطمور" أو "المطبوخ تحت الأرض"، وقد تعددت الأقوال التاريخية حول مدى عشق المصريين لأكل الفول المدمس، الذي يعد الطبق الوطني الأول عند غالبية الشعب، باعتباره أكلة يرجع تاريخها لآلاف السنين، وذكر مؤرخو مصر في العصور الوسطى، أن "الفول المدمس كان الوجبة المميزة في مصر خلال العصور الوسطى"، وقد لعب الفول، دورًا مهمًا في تغذية سكان حوض البحر الأبيض المتوسط، حتى أطلق عليه اسم "لحم الفقير"، كما أنه يعد وجبة رئيسية للمصريين، ويطلق عليه "حبيب الشعب".

وداخل حارة صغيرة تضرب بجذورها في التاريخ لمئات السنين، يُنبئك كل شيء فيها - حتى ملامح أهلها - أن هذا المكان مازال محتفظًا بعبق الماضي.. عاداته وتقاليده و"جدعنة أهل البلد"، هنا في حارة "المستوقد"، التي يصل إليها من شارع ضيق متفرع من شارع المعز لدين الله الفاطمي، بحي الجمالية التابع لمحافظة القاهرة، يوجد أقدم "منقد فول مدمس" في مصر.

قدر الفول المدمس

منذ الوهلة الأولى لدخولك حارة "المستوقد"، تُدرك أن داخل منطقة تغذي أكثرية مطاعم مصر بـ"قدر الفول المدمس"؛ فعلى يمين ويسار المار بالحارة تجد العشرات من عربات الفول، كما أن الحارة سميت بـ"المستوقد"، نسبة إلى أقدم منقد فول مدمس بمصر، والمملوك لشخص يُدعى "محمد الحاج".

يقول محمد الحاج: إنه يعمل بهذا المنقد منذ 20 عامًا، وقد ورث هذه المهنة عن والده، الذي ظل يعمل بالمنقد طوال عمره، ولذلك قرر أن يكمل المشوار ويحافظ على المهنة المتوارثة من الآباء، مشيرًا إلى أن العمل في السنوات الحالية اختلف كثيرًا عن الماضي؛ فبعدما كان يطهو أكثر من 70 قدرة يوميًا، توزع على مختلف المطاعم وأصحاب عربات الفول، أصبح لديه الآن 30 قدر فقط بأحجام مختلفة، ويتضاعف عددها في شهر رمضان ليصل إلى 50 قدر، نظرًا لارتفاع الطلب على الفول للسحور.

وأضاف الحاج، خلال حديثه لـ"أهل مصر"، أن منقد الفول قديمًا يختلف عن الحاضر؛ ففي الماضي كان يُشترط أن يوجد أي منقد بجواره حمام شعبي مثل ذلك الذي نراه في الأفلام القديمة، حتى يتم تسخين المياه بجانب قدر الفول، حيث توضع 4 براميل فوق المنقد، وبعد أن ترتفع حرارة النيران تسخن المياه للحمام.

طريقة تسوية الفول

وأوضح الحاج، أن تسوية الفول قديمًا كانت تتم باستخدام مخلفات القمامة؛ فأي شيء كان يُحرق لتسوية الفول، أما اليوم فقد اختلف الأمر؛ فبعد أن فُرض على أصحاب المستوقدات من وزارتي البيئة والصحة عدم حرق القمامة لتفادي التلوث البيئي، الذي يصيب المصريين بالعديد من الأمراض، تم استبدال حرق القمامة بـ"وابور الشرايط"، وأصبحت عملية الطهي تستغرق ما يقرب من 14 ساعة، وهو ما يستدعي أن نسهر طوال الليل لوضع الخشب اللازم تحت "الوابور" لإشعال النيران.

وعن المكونات التي توضع في "القدر" مع الفول؛ يقول الحاج: نضع مع الفول، كميات من العدس، والأرز داخل القدرة، وتترك حتى تستوي دون تدخل في تحديد الوقت اللازم لطهيها، مؤكدًا أن سعر "قدرة الفول" قديمًا كانت تتراوح ما بين 7 إلى 8 جنيهات، أما اليوم وتأثرًا بارتفاع أسعار الغاز والخشب، أصبح سعر القدرة الصغيرة 20 جنيهًا، والكبيرة 30 جنيهًا.

صاحب أقدم منقد فول مدمس بمصر، اعتبر أن تدميس الفول باستخدام مخلفات القمامة يُسبب العديد من الأمراض، هو مجرد شائعات عارية تمامًا من الصحة، قائلًا: "هذه أكذوبة، أنا كنت أول واحد بملأ طبق وآكل من القدرة المدمسة بمخلفات القمامة، ولو كانت الاشاعات دي حقيقة فهل كنت أوافق على أن أضر نفسي؟ كما أن هناك إشاعة أخرى انتشرت خلال الأيام الأخيرة، وهي أننا نضع على الفول مادة يتم شراؤها من العطارين، تجعل عملية الطهي لا تستغرق سوى نصف ساعة فقط، وكل هذا الكلام شائعات ليس لها أي أساس من الصحة".

يعتبر ارتفاع سعر السولار، من أبرز المشكلات التي يعاني منها أصحاب مناقد الفول؛ إذ يقول الحاج: "زمان كانت المشكلة التي نعاني منها تتمثل في مطاردة موظفي البيئة لنا، والسبب في هذا كان اعتمادنا في تدميس الفول على حرق القمامة؛ أما الآن فقد أصبحت المشكلة تكمن في ارتفاع سعر السولار، والذي يمثل عبئًا علينا ويضطرنا لرفع الأسعار، وأنا لا استخدم الحرق بالغاز الطبيعي خوفًا من الحرائق".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً