مرت قبل أسبوعين تقريبا ذكرى ميلاد الزعيم الوطني الراحل مصطفى كامل، الذى ولد في 1 رجب عام 1291 هـ الموافق 14 أغسطس عام 1874م، في مدينة القاهرة بحي الصليبية بقسم الخليفة ، ورحل فى 10 فبراير عام 1908، عن عمر ناهز 34 عاما.
والفقيد هو صاحب المقولات الوطنية الخالدة من أكثر من قرن من الزمان ، ومنها جاء النشيد الوطني المصري الذي يردده ملايين المصريين ( بلادى بلادى بلادى ) وهو من تأليف الشاعر محمد يونس القاضى و تلحين الموسيقار المصرى سيد درويش و بعض كلمات النشيد مأخوذه من خطبة مشهورة للزعيم مصطفى كامل والرئيس الراحل السادات هو من اختاره نشيدا وطنيا لمصر سنة 1979.
وللفقيد مصطفى كامل العديد من المقولات الشهيرة مثل: «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً» ، «أحراراً في أوطاننا، كرماءً مع ضيوفنا» ، «لا يأس مع الحياة ولا معنى للحياة مع اليأس»، «إني أعتقد أن التعليم بلا تربية عديم الفائدة» ، «إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما لا تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء»، «إن من يتهاون في حق من حقوق دينه وأمته ولو مرة واحدة يعش أبد الدهر مزعزع العقيدة سقيم الوجدان»، «إن مصر للمصريين أجمع وعلى حامل اللواء أن يجدّ ويجتهد حتى ينصهر داخل العمل الوطني فلا تستطيع أن تقول إلا أنه جزء من الشعلة».
ومرت ذكرى ميلاد الزعيم مصطفى كامل، وسط تجاهل رسمي وغير رسمي مؤسف للاحتفال بذكرى الأعلام الذين وضعوا أسس ودعائم الوطنية والنهضة المصرية الحديثة خاصة في ظل الاحتلال البريطاني ، وللأسف امتد هذا التجاهل لزعيم وطني بحجم مصطفى كامل إلى مجال إطلاق أسماء بعض الرموز الوطنية والسياسية التاريخية على محطات مترو الانفاق تخليدا لذكراهم..
فقد تصفحت أسماء محطات الخطوط الثلاثة للمترو والتي تعمل حالياً فلم أجد من بينها اسم مصطفى كامل !!! ووجدت اسماء شخصيات وطنية لا يقل عنهم مصطفى كامل في المكانة والتأثير الكبير.. مثل أحمد عرابي وسعد زغلول وجمال عبدالناصر ومحمد نجيب وأنور السادات وغيرهم من الشخصيات التي سجلت أسماؤها على محطات المترو ، فكيف يتم تجاهل أو نسيان اسم مصطفى كامل ؟!!! رغم ما قدمه الفقيد لمصر من نضال وطني داخل مصر وخارجها فأوقد في قلوب المصريين شعلة الروح الوطنية المناهضة للاحتلال.
والزعيم الراحل سعد زغلول - الذي توجد باسمه محطة مترو في الخط الأول - في خطبة له عام ١٩٢١ ، نفى عن نفسه أن يكون هو خالق النهضة الوطنية المصرية بل هي قديمة من قبل ان يأتي هو.. مؤكدا ان المرحوم مصطفى كامل له فضل غزير على الحركة الاستقلالية ضد الاحتلال وانه من مؤسسيها وله فضل على النهضة الوطنية المصرية.
وكما قال المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في كتابه "مصطفى كامل باعث النهضة الوطنية": ان تاريخ مصطفى كامل لا يقف عن سنة رحيله عام ١٩٠٨ بل مستمر الى اليوم والى الغد والى ما شاء الله .. ان الثماني عشرة عاماً التي قضاها الفقيد في الجهاد من ١٨٩٠ الى ١٩٠٨ هي أساس الحركة الوطنية الحديثة فهو باعثها ومحييها وبانيها وسط الشدائد والعقبات.
وكما يقول الدكتور إبراهيم عوض: من إنجازات مصطفى كامل إصداره صحيفة "اللواء" بثلاث لغات هى العربية والفرنسية والإنجليزية، وكذلك صحيفة "العالم الإسلامى" - لمعارضة الاحتلال وبث روح الوطنية- ، وإنشاؤه مدرسة مجانية، مع حث المواطنين على إنشاء أمثالها. وقد بلغ من قوة تأثير خطبه ومقالاته أنْ سحب الإنجليز من مصر معتمَدهم المتغطرس اللورد كرومر بعد أن أرسل عليه الزعيم النبيل من لسانه وقلمه شُوَاظًا من نارٍ جَرّاء القسوة البشعة التى عالجتْ بها سلطات الاحتلال آنذاك موضوع دنشواى، إذ أعدمت بعضا من أهل تلك القرية شنقا على أرضها، وعلى مرأًى من أهليهم وأقاربهم انتقاما لضابط إنجليزى مات من ضربة شمس عند هروبه من غضب الأهالى الذين أثارهم قتله هو وزملائه إحدى نسائهم وإصابتهم بالرصاص رجلا آخر منهم وإشعالهم النار فى جُرْن القرية أثناء تسليهم باصطياد الحمام هناك غير عابئين بمشاعر الناس ولا بأرواحهم وممتلكاتهم.
وينسب الى الفقيد الفضل في الدعوة الى انشاء الجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليا) .
والفقيد له فضل كبير على الصحافة المصرية بتأسيسه اكثر من صحيفة مصرية وطنية مناهضة للاحتلال بكل اللغات وهي اللواء " ١٩٠٠ - ١٩١٢ " باللغة العربية والاجيبشيان ستاندرد بالإنجليزية والايتندار اجبسيان بالفرنسية وشجع رفاقه وتلاميذه في الحزب الوطني على اصدار العديد من الصحف .. فكان مصطفى كامل بصدق مدرسة الوطنية والصحافة معا.
وأعتقد أنه حان الوقت لرد الاعتبار الى الزعيم الراحل مصطفى كامل بإطلاق اسمه على محطة من محطات مترو الانفاق إسوة بالزعيمين الوطنيين أحمد عرابي وسعد زغلول، فدور مصطفى كامل لا يقل عن دورهما في تاريخ الحركة الوطنية المصرية.. فمصطفى كامل امتداد لثورة عرابي التي اندلعت عام ١٨٨١ ولولا مصطفى كامل ما كانت ثورة ١٩١٩ التي ارتبط اسمها بالزعيم سعد زغلول، وهي الثورة التي أوقد نيرانها تلاميذ الفقيد مصطفى كامل ممن تعلموا الوطنية على وقع وتأثير مقالاته وخطبه ومواقفه الوطنية الخالدة.
ولولا روح الوطنية التي بثها الفقيد وتأسيسه الحزب الوطني ما كانت ثورة ١٩٥٢ التي قادها جمال عبدالناصر ومجموعة من الضباط الأحرار الذين تربوا على أفكار مصطفى كامل الوطنية وبعضهم تتلمذ على أيدي قيادات الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل.
وليس من المعقول استمرار هذا التجاهل لمن كانت روحه وخطبه ومواقفه الوطنية سبباً في إبداع النشيد الوطني المصري الذي نردده جميعاً ( بلادى بلادى بلادى لك حبي وفؤادي ) الذي ألفه الشاعر محمد يونس القاضى و ولحنه الموسيقار المصرى سيد درويش و بعض كلمات النشيد مأخوذه من خطبة مشهورة للزعيم مصطفى كامل والرئيس الراحل السادات هو من اختاره نشيدا وطنيا لمصر سنة 1979.
ففي إحدى أشهر خطبه عام 1907م قال الزعيم مصطفى كامل : " بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي.. لكِ حياتي ووجودي، لكِ دمي، لكِ عقلي ولساني، لكِ لُبّي وجناني، فأنتِ أنتِ الحياة.. ولا حياة إلا بكِ يا مصر". وتم تبنيه في العام 1979. وقام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بإعادة تلحينه وتوزيعه بتوجيه من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
ومما يذكر عن تجاهل بعض الحكومات في عهد الاحتلال للزعيم الراحل مصطفى كامل انه بعد وفاته تم إنجاز تمثاله الشهير عام ١٩١٠ على ايدي المثال الفرنسي الشهير ( مسيو سافين ) وجاء التمثال الى القاهرة عام ١٩١٤ وظل سجينا بمدرسة مصطفى كامل مدة ٢٤ سنة ، حتى زاد الضغط الشعبي وتم الإفراج عن التمثال وقررت الحكومة عام ١٩٣٨ ووضعه في مكانه الحالي في الميدان الذي سمى باسم مصطفى كامل بدلا من اسم ( سوارس) وسط القاهرة . وفِي عام ١٩٤٠ تم الإحتفال بوضع التمثال في ميدان مصطفى كامل واكد علي ماهر باشا رئيس الحكومة وقتها في الاحتفال ان الفقيد أحيا أمة ودفع شبابها الى ميادين الكفاح والعلا.. وكلما ذكر اسم الفقيد ظهر اسمه في هالة من المجد وانتشر ذلك النور الساحر الذي يملأ النفوس رهبة وإجلالا.
لذلك نتمنى من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وهيئة مترو الأنفاق رد الاعتبار إلى الزعيم الراحل مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية ، بإطلاق اسمه على محطة من محطات مترو الأنفاق في الخط الرابع الجاري تنفيذه حالياً والذي يمتد من محطة الملك الصالح الى مدينة ٦ أكتوبر.