فتى صغير، بليغ اسما وموهبةً نجح في أن تمر موسيقاه على حناجر الكبار.. استلهم الايقاعات الشعبية المصرية ليمزجها بموهبته المتفردة، وينتج مئات الأعمال الموسيقية المدهشة لعمالقة القرن الماضي.. إنه بليغ حمدي التي تمر ذكرى رحيله ال22 اليوم 12 سبتمبر، وصفه عبد الحليم حافظ في إحدى الحفلات في مطلع سبعينيات القرن الماضي بأنه أمل الموسيقى في مصر، قدم بليغ حمدي أهم ألحانه لأول مرة مع أم كلثوم بعدها حليم وشادية حتى فايزة ونجاة ومحمد رشدي، أما وردة فقدم لها خلاصة موهبته.
لماذا أصر بليغ حمدي على نزول قبر عبد الوهاب
وكان في السينما له بصمته الخاصة في الأفلام بموسيقاه التصويرية المميزة، حتى ارتفع لآفاق غير مسبوقة، فمثلا لا أحد ينسى موسيقى فيلم "شيء من الخوف"، كان بليغ أمهر أبناء الموسيقار الأعظم عبد الوهاب، وعند موته بكاه بليغ بحرقة، وأصر على أن ينزل معه القبر عند دفنه.
بليغ حمدى ملحن أسطورة كان يتميز في الدمج بين الشعبية الرومانسية والوطنية الحماسية، لكننا يمكننا اعتبار الإسهام الأساسي الذي قدمه بليغ في الموسيقى هو إيصال الموسيقى والإيقاعات الشعبية المصرية بطريقة تتناسب مع أصوات المغنين الكبار أمثال أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وشادية، وغيرهم كما اشتهر بليغ بسهولة وبساطة ألحانه الأمر الذي يجعل أي متذوق للموسيقي قادر علي التفرقة بين موسيقاه وأي موسيقي أخري يسمعها.
حكايات في ذكرى بليغ حمدي
الشاب المُلحن ابن شُبرا، لم يكن ليعرف أنه في يوم ما سيكون الملحن المُدلل لكوكب الشرق أم كلثوم..ومُنذ أن وطأت قدميه مدرسة «عبد الحفيظ إمام» للموسيقى الشرقية، كان طالب كلية الحقوق الذي لم يكمل بها بسبب اهتماماته الفنية ظاهرة، فنية ذو لون حديث تُضيف روحًا جديدة للأغنية المصرية، وبسبب عبقريته التلحينية، ما لبس الشاعر الكبيركامل الشناوى، حتى وصفه وقتها بأنه طالب فاشل للحقوق والقانون إلا أنه أمل مصر فى الموسيقى.
في مطلع الخمسينات، حيثُ تبدأ مصر عصر أغنية حديثة بعيدة عن أغاني الأناشيد والطقطوقة والأغنيات القصيرة والمونولوج، بدأ بليغ حمدي يعرف طريقه على يد «درويش الحريري» أستاذ الموشحات العربية، كان الشاب الصغير يقبع خلف شيش النوافذ ليتطلع إلى كل ما هو جديد في أصول الموسيقى والتوشيح، اعجب بالغناء كثيرًا.
كان بليغ حمدي بارع التجويد، رشيق المقامات لديه حس طربي شرقي يميل إلى التلحين، وهُنا توجه إلى الإذاعة المصرية ليحترف الغناء، إلا أن موهبة التلحين رجحت كفتها فالتفتت إليه الأنظار بالتحديد بعد تلحينه لحني لفايدة كامل، هما «ليه لا ليه قابلتني ليه» و«متحبنيش بالشكل ده»؛ وبدأت علاقته تتوثق بفايدة كامل، ليبدأ في التعارف على الفنان محمد فوزي، الذي لعب دورًا كبيرا في انطلاقته.
تعرف على أم كلثوم من خلال «فوزي»، الذي كان مُفترض أن يصنع لها لحن «أنساك»، لكنه قدّم لها بليغ حمدي بعد أن دندن بعض الجُمل الموسيقية لكلمات الأغنية، فأعجب بها فوزي كثيرًا، توالت بعدها أعماله مع كوكب الشرق، إذ منح لأغنياتها روحًا بإيقاعات الآلات الحديثة التي قرر مزجها بآلات فرقتها في الخمسينات، لتتحرر بعدها أم كلثوم من اللون السنباطي، وتبدأ لونًا جديد بأغنيات سيرة الحب، بعيد عنك، فات الميعاد، ألف ليلة وليلة، وقتها أطلقت عليه أم كلثوم بالملحن المجنون، وأطلقوا عليه في الوسط الأب الشرعي للأغنية المصرية الحديثة.
في بداياته الفنية في أواخر الخمسينات تحديدًا، نجح بليغ في تلحين لحن فريد لعبد الحليم حافظ «تخونوه»، حيثُ كانت البداية قوية في أولى ألحانه، ومن بعدها خسارة، وخايف أحب ليقدم فى مشواره الفنى مع العندليب ما يقرب من 29 عملا فنيًا. وبمجرد انطلاق الأغنية، سمعتها وردة في باريس، وقالت إن صاحب هذا اللحن أحببته وبالتأكيد سأتزوجه يومًا. من هنا وقعت وردة في حبه، وبعد أن عادت لمصر فرحت كثيرًا أنها ستقابل «حمدي» صاحب اللحن.
لم تهتز مشاعري لامرأة مثلها
وقت أن تقابلا، وقعت عيني بليغ حمدي على وردة، وقال بعدها: «لم تهتز مشاعري لإمرأة مثل وردة عندما رأيتها»، لتبدأ قصة حب بينهما، وبعد أن قررا الزواج رفض والدها، وزوّجها لقريب لها، وظلت في الجزائر عدة سنوات، حتى جاء عيد استقلال الجزائر وتقابلا للمرة الثانية وغنى لها بليغ على العود «العيون السود» فأعجبت بها كثيرًا وتعلق قلبها أكثر، قررت وردة الإنفصال عن زوجها والقدوم إلى مِصر، وفي حفل عقد قران الراقصة نجوى فؤاد، قررا الثنائي أيضًا عقد قرانهما، ليتعاونا في أكثر من 90 لحنًا.