لا يدم الود طويلًا طالما تعلقت الأمور بالمصالح، هكذا انقلبت العلاقة بين تنظيم الإخوان المسلمين وزعيم ثورة 23يوليو، فـ«شهر العسل» بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والإخوان المسلمين، لم يستمر طويلًا.
«الإخوان المسلون» التي أسسها حسن البنا في 1928، وكانت في خلاف مع الملك، ويذكر التاريخ أن جماعة الإخوان لم تشارك في ثورة 23 يوليو لكنها ساندتها وأعلنت دعمها للضباط الأحرار، ليبدأ شهر العسل بين قيادة الثورة وجماعة الإخوان، التي كانت تتطلع لدور بارز في السياسة والسلطة.
استمر الود بين الضباط الأحرار والإخوان، حيث اعتمد ضباط الجيش على عناصر الجماعة، في تأمين الدولة ومواجهة الإنجليز، وتم إسناد ثلاث وزارات في وزارة محمد نجيب في 7 سبتمبر 1952 للإخوان، وقامت الجماعة بترشيح أحمد حسني ومحمد كمال الديب ومنير الدلة وحسن العشماوي لاختيار ثلاثة منهم, لكن جمال عبد الناصر اختار واحدًا فقط وهو الشيخ أحمد حسن الباقوري وزيرًا للأوقاف، فرد مرشد الاخوان بفصل الباقوري من الجماعة، حتى أنه مع قرار مجلس قيادة الثورة بحل جميع الأحزاب السياسية أبقى على جماعة الإخوان، باعتبارها جماعة دعوية دينية، لا تمارس السياسة بشكل حزبي، وظلت الجماعة تمارس أنشطتها دون أي مضايقات قانونية.
وفي يناير 1953، وبعد صدور قانون حل الأحزاب السياسية، طالب الإخوان المسلمون بوضع جديد يحقق للجماعة «مكسبًا» من مساندتهم للثورة، فذه وفد من الإخوان المسلمين ضم الصاغ صلاح شادي والمحامي منير الدولة إلى مجلس قيادة الثورة، برسالة لعبد الناصر مفادها أنه بعد حل الأحزاب لم يبق من مؤيد للثورة إلا جماعة الإخوان ولهذا فإنهم يجب أن يكونوا في وضع يليق بدورهم وبحاجة الثورة لهم.
وكانت هذه بداية محطات الخلاف، حيث رفض عبد الناصر مطلب الإخوان، بدعوى أن الثورة ليست في محنة أو أزمة لكن الإخوان أصروا على أن يتم عرض القوانين، والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها، ووضعوا هذا شرطًا لاستمرار تأييد الجماعة لمجلس الثورة، وهو ما رفضه عبد الناصر، قائلًا: لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة أو ما شابهها.. وانني أكررها اليوم مرة أخرى.
لم يكتف الإخوان بالمعارضة، فوجدوا أن سبيلهم للحكم لن يُختصر إلا بإنهاء الزعيم، فجاءت «حادث المنشية» 26 أكتوبر1954، لتقلب الطاولة على الجماعة كلها، حيث حاولت الجماعة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، فحين كان عبد الناصر يلقي خطابًا بميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 أكتوبر 1954م في احتفال أقيم تكريمًا له ولزملائه بمناسبة اتفاقية الجلاء، وعلى بعد 15 مترًا من منصة الخطابة جلس السباك محمود عبداللطيف عضو الجهاز السري للإخوان، وما إن بدأ عبد الناصر خطابه حتى أطلق «السباك» عضو الإخوان ثماني رصاصات باتجاه عبد الناصر، وأصاب معظمها الوزير السوداني ميرغني حمزة وسكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية أحمد بدر الذي كان يقف إلى جانب «ناصر»، وباءت محاولة الاغتيال بالفشل في حين ألقي القبض على منفذ محاولة الاغتيال – ورغم أن الإخوان يرون تلك المحاولة بأنها خدعة من عبد الناصر للإطاحة بالإخوان ووضعهم بالسجون- إلا أنه لا أحد يختلف على أن هذه الفترة شهدت تحولًا مساريًا في علاقة الإخوان بقيادة الثورة.
«القشة التي قسمت ظهر البعير» هكذا وضعت حادث المنشية جماعة الإخوان في مرمى النار، حيث حظرت الجماعة إلا أنه في عام 1960 جرت مصالحة بين الإخوان وعبد الناصر، بأن تمارس الجماعة نشاطها ويؤمن لها حرية الحركة ولكن بدون إعلان، ومع مطالبة الإخوان بعودة الجيش إلى ثكناته وإعادة الحياة النيابية، زاد الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر، خاصة بعد أن نقض الإخوان الاتفاق مع عبد الناصر، وتم إعدام عدد من قيادات الجماعة المؤثرة مثل الدكتور عبد القادر عودة وهو فقيه دستوري وأستاذ جامعي، كما تم إعدام الشيخ محمد فرغلي وهو من علماء الأزهر وقد رشح ليكون شيخاً للأزهر في فترة حكم جمال عبد الناصر ولكنه رفض، ووفقاً للأرقام الرسمية فإن 55 من الإخوان المسلمين لقو حتفهم في تلك الاعتقالات غير المفقودين.
وفي 1964 ، قام جمال عبدالناصر باعتقال من تم الإفراج عنهم من الإخوان مرة أخرى، وبالأخص سيد قطب وغيرهم من قيادات الإخوان، بدعوي اكتشاف مؤامرتهم لاغتياله، وبعد الاعتقال بعامين انتهى «شهر العسل» بين الإخوان وعب الناصر، حيث أعدم سيد قطب مفكر الجماعة في عام 1966 ومعه خمسة من قيادات الإخوان، وذاق الإخوان خلال تلك الفترة أنواع من التنكيل والتعذيب داخل السجون مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 350 إخواني جراء التعذيب، وهو ربما ما يفسر سر كراهية الإخوان لعبد الناصر، والذي يتوارثه أجيال الإخوان حتى الآن.