احتلت مدينة المحلة منذ القدم صناعة الغزل والنسيج، فبعد أن أنشأ طلعت حرب بها، شركة مصر عام 1927، كان لابد من أن تنشأ المحالج، والتى يتم فيها تجهيز القطن المجمع من أراض الدلتا بالكامل وليست الغربية فقط، والتى لم يكن لها أى طريق برى تجارى، حيث اعتمدت فى النقل على الطرق النهرية وخط السكة الحديد، والذى كان ينقل المهندسين والعمال من وإلى المحلة، والتى أطلق عليها فيما بعد "قلعة الصناعة المصرية".
ومع التطور والتوسع بالمحالج والمصانع، وإنشاء أقسام جديدة على رأسها السجاد اليدوى، والملابس الجاهزه، كان لابد من توافر الأيدى العاملة الماهرة المدربة، وهو الجانب الذي افتقدته المحلة الكبرى والقرى والمدن المجاورة، حيث اقتصرت الحرف لديهم فى القدم على بعض المهن البسيطة والفلاحة، والاعتماد على ما تنتجه الأراضي، ومن هنا ظهرت فكرة إنشاء مدارس لتعليم أبناء المحافظة، وأبناء العاملين، ففى ذلك الوقت كانت ماكينات الشركة تعد طفرة فى ذلك العالم الريفي الصغير، لا يستطيع التعامل معه سوى المهندسين والفنين المدربين خارج مصر، حتى تم اقتطاع جزء من أراضى الشركة، وأنشأه مدارس التعليم المهنى، والتى شملت عددا من الأقسام المهمة على رأسها "المقص دار والبترون، الصباغة، السجاد اليدوى"، لتكوين نواة.
يقول "محمود أبوالنجا" : أحد المعلمين المشرفين على ورش التعليم بشركة مصر للغزل والنسيج: عملت فى قسم الغزول منذ أن كان عمرى 18 عاما، وأنا الأن على مشارف الـ50، فى البداية كنت من أبناء العاملين حيث كان والدى مشرف عنبر 3 للملابس الجاهزة، وعندما أتممت دراستي، ألحقني والدي بشركة مصر إلا أنني صممت على استكمال دراستي بمعهد صناعات الغزل والنسيج فى ذلك الوقت، وكان جزءا من كلية الهندسة، ومن ثم التحقت بالشركة، حيث كانوا يختبرون العاملين الجدد هنا، وتدريبهم على بعض العقود الخاصة بالخيوط وفنيات العمل، وبدأ العدد في ازدياد من كافة المهن والطوائف.
وتابع "أبو النجا": حتى قرر المفوض العام للشركة تحويل المدرسة للتعليم الفني وتعليم الفتيات، بعد المرحلة الإعدادية، حيث تلتحق الفتيات من أبناء العاملين بالمدرسة بعد إتمام الشهادة الإعدادية وتحصل على الدبلوم الفنى الصناعى من الشركة، ثم يتم إلحاقها بالعمل داخل المصانع، إلا أنه مع التدهور المستمر لأحوال الشركة، قل العمال، وبدأ الطلب ينخفض على دخول المدرسة مما جعلها شبه مهجورة، ينسج العنكبوت خيوطه على جدرانها بدلا من أن ينتج طلابها مستقبلا جديدا فى مجال الغزل والنسيج.
وأشار بيديه لكم الماكينات وألواح التعليم مختتما كلماته: تلك الأصواف والأقطان بعينها جميعا إنتاج مصرى، جمعناها منذ زمن بعيد لتعليم الطلاب، إلا أن ذلك الإنتاج وصل به الحال إلى كونه جزءا من تاريخ مضى ولن يعود سوى بالنظر لتلك العينات.
وتابعت "فكرية صليب" مدرسة بمركز تدريب الشركه: عندما أتيت للعمل بذلك المكان انبهرت بالصرح الكبير والذى من المفترض أن يعلم جيلا جديدا من النشء ما هو العمل وقيمته، وانبهرت أكثر بلوحة كتب عليها "العمل شرف" علقت على الفصول، ومع مرور الزمن وصل الحال بكون العمل مجرد لوحة معلقة، يقل رويدا رويدا ويموت، ولم يتبق منه سوى أطلال لفصول التفصيل، وكراسى داخل حجرات الصباغة، ومانيكان للعرض قديم، لم يوضع على كتفه قطعه منذ أكثر من 10 سنوات.
واختتمت "صليب كلماتها قائلة: إن أردنا النهوض بالشركة لتعود صرحا جديدا للعمل، لابد من تعليم جيل جديد من العمال والعاملات وعدم اقتصار دخول المدرسة ومركز التدريب على أبناء العاملين فقط، وبدلاً من إنشاء مصنع جديد بتكلفة أكثر من 2 مليار جنيه، نصلح المصانع والعنابر القديمة، فبعض الماكينات العملاقة لا تعمل بسبب نقص قطع غيار لا تتخطى الـ20 ألف جنيه، أوجه كلماتى للرئيس السيسى: "انهض بشركة مصر ياريس، نحتاج منك زياره واحد فقط لترى بعينك ثروات 80 فدانا بها عدد ضخم من المصانع مهدرة وإنتاج ملقى بالمخازن، وفى النهايه "الشركة بتخسر".