على مقربة من الطريق الصحراوي الغربي بزمام محافظة المنيا تقع "أرض البقيع الثاني" أرض الشهداء، ترفرف أرواحهم العطرة في سماء قرية البهنسا التابعة لمركز بني مزار شمال محافظة المنيا، يقصدهم الآلاف من المصريين والأجانب لمشاهدة عبق تاريخ الفتوحات الإسلامية وقدسية المكان الذي جمع بين أضرحة صحابة رسول الله وشجرة السيدة مريم العذراء والتي استظلت بها خلال رحلة العائلة المقدسة، حتي أضحت قرية البهنسا أو "مدينة الشهداء" المزار السياحي الأول بعروس الصعيد الذي جمع بين السياحة الإسلامية والقبطية معا في نسيج السياحة الدينية.
وتقع مدينة الشهداء على بعد 16 كيلو مترا من مركز بني مزار، وتضم مئات الأضرحة تتناثر على جانبي الطريق خلف قباب صنعت لهم، ودماء ارتوت بها صحراء البهنسا خلال رحلتهم لفتح مصر بينهم القضاة وأحفاد عدد من الصحابة ومقامات السبع بنات يحيطها سياج حديدي يجاورها شجرة السيدة مريم العذراء، ليقع الزائرون في حيرة من أين سنبدأ الزيارة لهذا الكم الهائل من قباب الصحابة والشاهد الحي علي رحلة العائلة المقدسة بمدينة الشهداء.
اقرأ أيضا: وفدان من ماليزيا وإندونيسيا يزوران منطقة آثار البهنسا في المنيا (صور)
يقول سلامة زهران، مدير منطقة آثار البهنسا، إن قرية البهنسا كانت قديما تمتد من محافظة بني سويف وحتى القسم الشمالي من محافظ المنيا بحدود مركز سمالوط، وكانت تعرف البهنسا في العصر الفرعوني باسم "برمشد" أي مدينة اللقاء، موضحًا أنه عندما انتهي عمرو ابن العاص من فتح الوجه البحري والقاهرة والجيزة وأراد فتح الصعيد وأشار عليه عمر بن الخطاب بقوله إذا أردتم فتح الصعيد فعليكم بالهنسا وأهناسيا لكونهما بهما أهم معالم الروم فإن سقطتا سوف تسقط جميعًا، ثم أرسل عمرو بن العاص، قيس بن الحارث، والذي عسكر في قرية القيس والتي تقع شمال غرب قرية البهنسا وحاصر البهنسا قرابة من 6 أشهر، فضلا عن كون معركة فتح البهنسا كانت معركة صعبة للغاية لكونها كانت ميتنة الحصون والأسوار، الأمر الذي أدى إلى استشهاد عدد كبير من شهداء الصحابة مما أدى إلى انتشار عدد كبير من القباب على أرض البهنسا.
وأضاف: يتوافد المئات من المصريين والأجانب من مختلف الجنسيات لزيارة قباب شهداء الصحابة الذين روت دماؤهم الرمال بأرض البهنسا ومن بين تلك الأضرحة ضريح وقبة السبع بنات، وضريح علي الجمام وهو قاضي قضاة ولاية البهنسا ويوجد علي مساحة كبيرة تضم ساحة لاستقبال الزوار ومسجد ويعد من أهم الأضرحة التي تستقبل عددا كبيرا من الأجانب الوافدين للزيارة، وإلى جوار ضريح قاضي قضاة البهنسا يوجد ضريح أولاد عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا الضريح يلاصق ضريح علي الجمام ويعد مسارا هام لعدد كبير من الزيارات الوافدة سواء في المناسبات والأعياد أو فى أيام الجمع، ويحوي الضريح لوحة رخامية مدونا عليها اسم صاحب الضريح وهي من التحف داخل الضريح، ويعد الضريح من الأضرحة الأسياسية بالهنسا التي تفد إليه الزيارات.
وأضاف، كما تضم البهنسا ضريح الأمير زياد بن الحارث بن أبي سفيان، ووالده ابن عم الرسول صل الله عليه وسلم وشقيقه في الرضاعة، وحضر الأمير زياد حاملا راية فتح البهنسا وكان باراعا في فنون الحرب والقتال، كما تضم أرض البهنسا شجرة "السيدة مريم العذراء" وكما ذكر الواقدي وكما هو شائع بين العامة إن هذه الشجرة هي التي استظلت بها السيدة مريم العذراء وعيسي عليه السلام خلال رحلة العائلة المقدسة، ويوجد إلى جوار الشجرة بئر، وتم وضع سياج حديدي حول الشجرة ووضع لافتة مدون عليها أنها شجرة السيدة مريم العذراء وتكون أيضا من ضمن المعالم التي تستقبل عددا كبيرا من زيارات الوافدين إلى مدينة الشهداء.
وأوضح، أن البهنسا تضم أيضا ثلاثة أضرحة على مساحة واحدة وتعد من أهم الأضرحة بالمكان وهي ضريح الحسن الصالح بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وإل جواره يوجد ضريح محمد الخرسي، وكان من أهم العلماء في العصر العثماني، ولشدة علمه وورعه سمي بالـ "الحبر"، وإلى جواره يوجد ضريح السيدة "رقية" وهي من آل البيت التي تنتشر بشائر الرؤية بأضرحتهم في جميع أركان جمهورية مصر العربية، كما يوجد ضريح أبان بن عفان بن أبان بن عثمان بن عفان حفيد سيدنا عثمان، حيث نزل إلى البهنسا وكان معه نسخة من المصحف الشريف وأيضا 160 دينار ذهب و500 ناقة وإثنين من العبيد وجارية، ويعد الضريح من أهم الأضرحة بالبهنسا لكونه يوجد داخل الكتلة السكنية وتم ترميمه من قبل وزارة الآثار وتفد إليه العديد من الزيارات.
ولفت سلامة زهران، إلى أن منطقة آثار البهنسا استقبلت خلال الفترة الأخيرة وفدا من دولتي ماليزيا وإندونيسيا، قاموا خلالها بزيارة أضرحة الصحابة والشهداء، ومسجد الحسن بن صالح بن علي، بالإضافة لزيارة ضريح علي الجمام قاضي قضاة ولاية البهنسا والبدريين، والأمير زياد، موضحًا أن هناك زوارا يفدون من مختلف المحافظات إلى جانب زيارات الوفود الدولية.
من جانبه قال علي عبد الله، أحد أهالي القرية إنه في الآونة الأخيرة شهدت البهنسا عددا كبيرا من الزيارات الوافدة من مختلف الجنسيات لزيارة أضرحة الشهداء بالبهنسا، لافتا إلى أن هناك عددا كبيرا من الأهالي بمراكز المحافظة يحرصون على زيارة أضرحة صحابة رسول الله أيام الجمع لكن دائرة السياحة الدينية للمكان ارتفعت نسبتها خلال العام الجاري.
وأوضح، كريم محمود، أحد أهالي القرية، أن منطقة البهنسا تحتاج إلى تطوير كبير يحمي عددا كبيرا من الأضرحة من قبل وزارة الآثار حتى يمكن المحافظة عليها لبقائها لفترة أطول خاصة عقب انتعاش السياحة الدينية الوافدة من عدة دول إلى أرض الشهداء.