أكد وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قدوتنا جميعًا بنص القرآن الكريم ، إذ يقول الحق سبحانه وتعالى: “لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” ، وكان (صلى الله عليه وسلم) خير الناس لأهله وأزواجه وأبنائه وأصحابه ولأمته وللإنسانية جمعاء.
وأشار جمعة إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما سأله أحد الناس عن إحسان نفسه وعدم إحسانه؟ قال له: «سَلْ جِيرَانَكَ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّكَ مُحْسِنٌ فَأَنْتَ مُحْسِنٌ، وَإِنَّ قَالُوا: إِنَّكَ مُسِيءٌ فَأَنْتَ مُسِيءٌ»، موضحًا أن الجار هو أقرب الناس لجيرانه وهو أدرى بحالهم ، فما بالنا بزوج الإنسان التي تعيش معه فهي أعلم بحاله؛ فعندما عاد النبي (صلى الله عليه وسلم) مرتجفًا في أول نزول الوحي قائلًا : زملوني زملوني ، قالت له ( رضي الله عنها) : “كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ، والله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الدهر ”.
وأوضح، أن من كانت هذه صفاته مع الناس قبل الإسلام وبعد الإسلام وإلى يوم القيامة لن يضام أبدًا ، كما ذكر موقف الصحابي الجليل سيدنا زيد بن حارثة (رضي الله عنهما) والذي اختطف في صغره وبيع عبدًا وظل يتنقل من قبيلة لأخرى إلى أن اشتراه النبي (صلى الله عليه وسلم) وجاء أبوه وعمه بعد أن علما أنه عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليفتدوه ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : يازيد جاءا يفتديانك فإن اخترتهما فأنت لهما بدون فداء ، وإن اخترتني فما أنا بالذي يختار عليك فداء ، فقال زيد (رضي الله عنه ): يا رسول الله ما أنا بالذي يختار عليك أحدًا ، وبقي مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما لمس فيه من كرم النفس وطيب المعاملة .
وبين الوزير عظمة وبلاغة القرآن الكريم ؛ مشيرًا إلى أن القرآن الكريم ليس فيه كلمة إلا وقعت محلها ، مستشهدًا بنموذجين الأول: قوله تعالى على لسان زكريا (عليه السلام) في سورة آل عمران: ” قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ” ، وفي سورة مريم: ” قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً “.
ذلك أن أيام العرب وشهورهم وسنيهم قمرية ، فالليل في حسابهم يسبق النهار ، ففي التاسع والعشرين من شعبان نترقب هلال رمضان ، فإذا ظهر هلال رمضان كانت أول ليلة من ليالي رمضان ثم يعقبها أول يوم منه ، وهكذا في هلال شوال وسائر الشهور .
وسورة مريم التي جاء فيها ذكر الليالي مكية ، وسورة (آل عمران) مدنية ، وسورة مريم سابقة في نزولها لسورة آل عمران ، فجعل السابق للسابق واللاحق للاحق .
والثاني : قوله تعالى في سورة الزمر: ” وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ” ، حيث جاءت كلمة (فتحت) غير مسبوقة ولا مقرونة بالواو ، وقوله تعالى : ” وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ” ، حيث جاءت كلمة (وَفُتِحَتْ) مسبوقة بالواو ، فهذه الواو التي جاءت في قوله تعالى: (وَفُتِحَتْ) في الحديث عن أهل الجنة قال بعض العلماء والمفسرين: إنها واو الحال ، والمعنى : جاءوها والحال أنها مفتوحة ، وذلك من زيادة إكرام الله (عز وجل) لعباده المؤمنين أن جعل الجنة مفتحة الأبواب مهيأة لاستقبالهم قبل قدومهم إليها، والحال ليس كذلك مع أهل النار ، بل إن النار تأخذهم بغتة ، وقال بعض المفسرين واللغويين : إن هذه الواو واو الثمانية ، ذلك أن بعض القبائل العربية كانت تعد ، فتقول : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، فتأتي بالواو مع العدد الثامن ، وذكروا لذلك شواهد منها قوله تعالى في سورة الكهف: ” سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ” ، حيث ذكرت الواو مع العدد الثامن ، وقوله تعالى في سورة التوبة: ” التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ” ، حيث ذكرت الواو مع العدد الثامن ، وقوله تعالى في سورة التحريم : ” عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ” ، حيث ذكرت الواو أيضًا مع العدد الثامن ، مع أن الواو في هذه الآية لها معنى آخر وهو إفادة التنويع ، ولا مانع أن يتضمن الحرف أكثر من معنى .
وقد ذكرت واو الثمانية في قوله تعالى: (وَفُتِحَتْ) في الحديث عن أهل الجنة دون قوله تعالى : (فُتِحَتْ) في الحديث عن أهل النار ، لأنّ أبواب النار سبعة لقوله تعالى في الحديث عنها في سورة الحجر: ” لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لِكُلِّ بَاب مِنْهُمْ جُزْء مَقْسُوم” ، أما أبواب الجنة فثمانية لقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له ثمانية أبواب يدخل من أيها شاء ” ، فلما كانت أبواب الجنة ثمانية أُتي معها بالواو ، ولما كانت أبواب جهنم سبعة لم يؤت معها بالواو ، وفي كون أبواب الجنة ثمانية وأبواب جهنم سبعة ما يدل على أن رحمة الله (عز وجل) أوسع من غضبه ، يقول الحق سبحانه وتعالى: ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” ، مما أثار إعجاب الحاضرين بعمق التناول العلمي والفهم الدقيق للأوجه البلاغية للنص القرآني .