هل يستقيل "عبد المهدي" فعلًا؟.. رئيس الوزراء العراقي يتخذ المسار البرلماني الأكثر مضيعة للوقت لترك منصبه.. ومراقبون: سيفرز مفاوضات غير مجدية ويعيد الخلافات بين أكبر كتلتين

في أول إنجازات الانتفاضة العراقية، أعلن رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، نيته تقديم استقالته للبرلمان، مدفوعا بدعوة المرجع الشيعي الأعلى في البلاد، علي السيستاني، للنواب إلى إعادة النظر في دعمهم لحكومته التي هزتها أسابيع من الاضطرابات الدامية، وفور الإعلان بدأ شباب المتظاهرين في الاحتفال بالإنجاز الثوري الأول، مطلقين الألعاب النارية و مرددين الأهازيج والأغاني الوطنية، ولكن إن حدث واستقال "عبد المهدي" فعلا نزولا عند رغبة المحتجين، فإن اختيار زعيم آخر وتشكيل حكومة جديدة ليس بالأمر السهل، لأن الأمر يتطلب مفاوضات شاقة في البرلمان يرى خبراء أنها مضيعة للوقت، وتهدد بعودة الخلافات بين أكبر كتلتين في البرلمان-سائرون وفتح-، اللتين قال مراقبون إنهما بحاجة إلى التوصل إلى اتفاق مجددا على رئيس وزراء جديد، فهل المسار الأكثر مضيعة للوقت الذي اتخذه رئيس الوزراء، وهو مطالبة النواب بالتصويت، سينتهي باستقالته فعلا.

وفي البيان الذي أعلن فيه عزمه تقديم الاستقالة، والذي أصدره عقب دعوة "السيستاني"، قال عبد المهدي: "استجابة لهذه الدعوة وتسهيلا وتسريعا لإنجازها بأسرع وقت، سأرفع إلى مجلس النواب الموقر الكتاب الرسمي بطلب الاستقالة من رئاسة الحكومة الحالية ليتسنى للمجلس إعادة النظر في خياراته، علما أن الداني والقاصي يعلم بأنني سبق وأن طرحت هذا الخيار علنا".

ولم يذكر البيان متى سيستقيل، ولكن البرلمان سيعقد جلسة طارئة الأحد المقبل لمناقشة الأزمة.

وحث "السيستاني" البرلمان، في وقت سابق، على التفكير في سحب الثقة من حكومة عبد المهدي من أجل وقف العنف المتصاعد.

قتلت قوات الأمن العراقية حوالي 400 متظاهر معظمهم من الشباب غير المسلحين منذ اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة في 1 أكتوبر الماضي، فيما لقي أكثر من عشرة من أفراد قوات الأمن مصرعهم في الاشتباكات.

وأدى حرق القنصلية الإيرانية في مدينة النجف، أول أمس الأربعاء، إلى تصعيد العنف واستجابة وحشية من قوات الأمن، التي قتلت بالرصاص الحي أكثر من 60 شخصًا على مستوى البلاد أمس الخميس.

وهذه الاضطرابات هي الأكبر في العراق منذ سنوات، وأشعلها محتجون من المعاقل الشيعية في بغداد ومدن ومحافظات الجنوب ضد النخبة الحاكمة التي يسيطر عليها الشيعة وينظر إليها على أنها بيادق من إيران.

ووفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن الطبقة السياسية الحالية في العراق منبثقة في الأساس من ساسة شيعيين ورجال دين وقادة شبه عسكريين، بمن فيهم كثيرون ممن عاشوا في المنفى قبل الغزو الذي قاده الأمريكان للإطاحة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2003.

وحذر السيستاني، الذي لا يتأثر بالسياسة إلا في أوقات الأزمات ويمارس نفوذاً هائلاً على الرأي العام، اليوم الجمعة، من انفجار الصراع المدني والطغيان، وحث القوات الحكومية على الكف عن قتل المتظاهرين، كذلك أمر المتظاهرين برفض كل أعمال العنف.

وقال ممثل السيستاني، في خطبة متلفزة، إن الحكومة "يبدو أنها غير قادرة على التعامل مع أحداث الشهرين الماضيين ... يجب على البرلمان، الذي انبثقت منه الحكومة الحالية، أن يعيد النظر في خياراته وأن يفعل ما يخدم مصلحة العراق"، مضيفا أن المحتجين "يجب ألا يسمحوا بأن تتحول المظاهرات السلمية إلى هجمات على الممتلكات أو الأشخاص".

وأدى هجوم أول أمس الأربعاء على القنصلية الإيرانية في النجف إلى تصعيد حاد في أعمال العنف من جانب قوات الأمن؛ حيث قتلت القوات أمس الخميس بالرصاص الحي 46 متظاهرا في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار الجنوبية، و 18 في مدينة النجف وأربعة في العاصمة بغداد، مما رفع عدد القتلى خلال أسابيع من الاضطرابات إلى 417 على الأقل، معظمهم من المتظاهرين العزل، وفقًا لـ"رويترز" نقلا عن مصادر طبية وشرطية، والتي أوضحت أن اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن اندلعت في وقت مبكر اليوم الجمعة في الناصرية مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة آخرين.

وقال السيستاني إن "أعداء العراق وأجهزتهم يحاولون زرع الفوضى والاقتتال الداخلي لإعادة البلاد إلى عصر الديكتاتورية... فيجب على الجميع العمل معًا لإحباط تلك الفرصة".

أثارت خطوة "عبد المهدي"، التي جاءت بعد 13 شهرًا من توليه منصبه، احتفالات المحتجين المناهضين للحكومة الذين ظلوا يقيمون في ساحة التحرير لمدة شهرين تقريبًا ببغداد؛ وبدأ الشباب في الغناء والرقص مع وصول أخبار الاستقالة الوشيكة إلى ساحة الاحتجاجات.

مشهد ضبابي

ولكن، كما حذر مسؤولون وخبراء عراقيون، فإنه في حالة استقالة "عبد المهدي" فعلا، سيكون الطريق إلى حكومة جديدة غير مؤكد، مع احتمال حدوث أزمة سياسية.

وأضاف المسؤولون والخبراء، وفقا لصحيفة "ذا ستار" الماليزية، أن استقالة "عبد المهدي" إذا ما قُبلت عند طرحها للتصويت بالبرلمان، فإن ذلك سينذر بالعودة إلى سلسلة من المفاوضات البطيئة الشاقة التي لا تأتي بجديد.

كان صعود "عبد المهدي" إلى السلطة نتاج تحالف مؤقت بين الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان- "سائرون" بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وحركة "فتح"، التي تضم قادة مرتبطين بوحدات "الحشد الشعبي" شبه العسكرية التي يرأسها هادي العامري.

ففي انتخابات مايو 2018، لم يفز أي من الائتلافين بأغلبية ساحقة تمكنه من اختيار رئيس الوزراء، وفقا لما ينص عليه الدستور العراقي. ولتجنب حدوث أزمة سياسية، أقام "سائرون" و"فتح" اتحادًا غير مستقر مع عبد المهدي كرئيس للوزراء. والآن، مع استقالته، فإن النزاعات التي لم تحل بعد بين الائتلافين تهدد بالظهور مجددا، على حد قول مسؤولين عراقيين.

اتفاق جديد

وقال مسؤول حكومي كبير، تحدث للصحيفة الماليزية شريطة عدم الكشف عن هويته: "يحتاج الكتلتين إلى التوصل إلى اتفاق مرة أخرى حتى نرى رئيس وزراء جديد".

وكان "عبد المهدي" ألمح إلى هذا التحدي ضمنًا في تصريحات سابقة، عندما قال إنه سيستقيل، ولكن فقط إذا تم العثور على مرشح بديل لرئاسة الوزراء.

وشكك المسؤولون أيضًا في قرار "عبد المهدي" تقديم استقالته عبر المسار الأكثر مضيعة للوقت في البرلمان، وهو مطالبة النواب بالتصويت، بدلاً من إرسالها مباشرة إلى الرئيس، الذي يتمتع بسلطة قبولها فورًا وتكليفه بتصريف الأعمال مؤقتا لحين تشكيل حكومة جديدة.

حالة من عدم اليقين

وأضاف الخبراء أن الاستقالة تخلق أيضا حالة من عدم اليقين القانوني؛ لأن الدستور لا ينص على إجراءات واضحة لتوجيه النواب في حالة استقالة رئيس الوزراء. وكانت القضية الأساسية هي إلى متى يمكن لحكومة عبد المهدي أن تحتفظ بوضع تصريف الأعمال في حالة المفاوضات السياسية المطولة.

وقال سجاد جياد، المدير الإداري لمركز بيان، وهو مركز بحثي مقره العراق، لـ"ذا ستار": "حسب فهمي، لا يوجد بند في الدستور ينص على المدة التي يمكن أن يمكث فيها في المنصب بمجرد قبول استقالته"، مضيفا أن المحكمة الفيدرالية العليا قد تضطر إلى التدخل إذا بقيت الحكومة المؤقتة لفترة طويلة وإذا لم تتمكن الكتل البرلمانية من التوصل إلى تفاهم.

كان عبد المهدي- البالغ من العمر 77 عاماً، وزير النفط والمالية السابق ونائب الرئيس السابق- ينظر إليه على أنه سياسي مستقل عندما تولى هذا المنصب في أكتوبر 2018. وكان أول رئيس وزراء للعراق من خارج حزب "الدعوة".

اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء العراقي يعتزم تقديم استقالته رسميًا لمجلس النواب

اتسمت سياسات إدارته بمكاسب صغيرة لتحسين حياة البغداديين اليومية؛ حيث نقل مكاتبه إلى خارج المنطقة الخضراء شديدة الحراسة ببغداد في اليوم الأول من ولايته، قائلاً إنه يريد تقريب حكومته من الناس، مع إزالة الحواجز الأسمنتية التي أقيمت خلال الحرب والتي عزلت العراقيين عن جزء كبير من المدينة.

اقرأ أيضاً: برلماني عراقي يتحدث عن 3 مرشحين لرئاسة الحكومة خلفًًا لـ"عبد المهدي"

وفي مقر حكومته ببغداد، عمل مكتبه وراء الكواليس لتبسيط الإدارة وتحسين عملية صنع القرار. لكن آثار تلك الجهود لم تكن مرئية للشعب العراقي.

اقرأ أيضاً: مصرع 15 متظاهرًا عراقيًا برصاص قوات الأمن في ذي قار جنوب البلاد

ء

وغالبًا ما كان "عبد المهدي" عالقًا في خضم التوترات المتصاعدة بين أمريكا وإيران؛ حيث يرى الكثيرون أن حكومته وبعض موظفيه على مقربة من طهران. وكان الحد من اعتماد العراق على واردات الكهرباء الإيرانية لتلبية طلب المستهلكين مصدر قلق رئيسي لواشنطن.

اقرأ أيضاً: مصرع 20 من المعتصمين قرب مديرية شرطة ذي قار برصاص قوات الأمن العراقية

ويرفض المتظاهرون على نطاق واسع النفوذ الإيراني المتزايد في شؤون الدولة العراقية؛ ففي بغداد اليوم، تجمع المتظاهرون حول شارع الرشيد التاريخي بالقرب من جسر الأحرار الإستراتيجي وأحرقوا العلم الإيراني، وهتفوا "العراق حرة حرة، إيران برّة برّة"!.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
مجلس النواب يوافق على مشروع قانون لجوء الأجانب نهائيًا