وقّعت حكومة الوفاق الليبية وتركيا اتفاقيتين، إحداهما حول التعاون الأمني وأخرى في المجال البحري، خلال لقاء جمع رئيس الحكومة الليبية فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول، جدد خلاله الرئيس التركي استمرار دعم بلاده لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا.
يأتى هذا الاتفاق فى ظل تصاعد التوتر بين اليونان وأنقرة على خلفية أعمال التنقيب التركية عن الغاز فى شرق المتوسط قبالة جزيرة قبرص، وفي ظل رغبة أنقرة في التواجد على حدود مصر الغربية وأمام مياهها الإقليمية في المتوسط وفي ظل العداء الذي يضمره الجانب التركي لمصر، ورغبته في الاقتراب من حقول الغاز المملوكة للقاهرة في المتوسط، فهل يشكّل ذلك الاتفاق خطرًا جديدًا على مصر بعد فشل تركيا في محاصرة مصر بالإرهاب؟
"اتفاق باطل"
صرّح المستشار أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، بأنه تم التوافق بين وزراء خارجية مصر واليونان وقبرص، على عدم وجود أي أثر قانوني لهذا الإجراء الذي لن يتم الاعتداد به لكونه يتعدى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الليبي وفقًا لاتفاق الصخيرات، فضلًا عن أنه لن يؤثر على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال.
من جانبها قالت الدكتورة سماء سليمان المتخصصة في العلاقات الدولية في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر" إنه لابد من الوقوف على دلالات وأبعاد الاتفاق كالتالي:
أولا بالنسبة للآثار القانونية لتوقيع الاتفاق، فإن اتفاقية الصخيرات ديسمبر ٢٠١٥، التي يستمد السراج منها صلاحياته، تنص فى المادة الثامنة على أن مجلس وزراء الوفاق «بكامل تشكيله» يملك صلاحية عقد الاتفاقيات الدولية، وليس رئيس المجلس منفردًا، فضلا عن عدم حصول السراج على موافقة البرلمان على هذه التشكيلة الحكومية؛ بالإضافة إلى أن اتفاقية الصخيرات التي يستمد منها السراج وجوده قد انتهى أجلها القانوني، وبالتالي فإن الاتفاق تم بين دولة ذات أطماع في المنطقة، ومسئول ليبي سابق يفتقد للصلاحية والمشروعية، لكنه يقود مجموعة من الميليشيات المسلحة تسعى للحفاظ على نفوذها بالعاصمة الليبية وبعض المناطق حولها، مما يفقده أى مشروعية أو آثار قانونية تترتب عليها.
والبُعد الثاني هو القانون الدولي والمياه الإقليمية، ففي الحقيقية الاتفاقية لا ترتب أى حقوق قانونية لتركيا، لا بسبب افتقاد السراج للمركز القانونى، الذى يخوله التوقيع، ولا لتعارض مضمونها مع قرارات الحظر الدولية، بل لأن السواحل الليبية ليست في مواجهة السواحل التركية، ولكن تقع قبالتها جزيرتا كريت وبيلوبونيز اليونانيتان، اللتان تمتلكان حق اقتسام المنطقة الاقتصادية الحرة بينهما وبين ليبيا، بمقتضى قواعد اتفاقية قانون البحار لعام ١٩٨٢.
ماهي أضرار الاتفاق لـ" مصر وقبرص واليونان"؟
قال الدكتور بشير عبد الفتاح الخبير في الشؤون التركية، في تصريحات صحفية، إن ما يهم تركيا في ليبيا عدة اعتبارات أولها تأمين مصدر للطاقة، "فتركيا دولة غير منتجة للطاقة وتستورد 95% من احتياجاتها منها ما يكلفها سنويا نحو 50 مليار دولار وتريد وقف هذا النزيف على الطاقة وأن يكون لها منابع نفط وغاز"، مضيفًا أن التموضع العسكري التركي في ليبيا هو رغبة تركية قديمة لتضمن لنفسها فرصة في جهود إعادة الإعمار والتي قد تحقق جزءًا من التوازن للاقتصاد التركي المهزوز، فضلًا عن النفط الليبي في أراضي ليبيا، ويضاف لكل ذلك "دعم الإخوان المسلمين والميليشيا الموالية لها بما يخدم مشروع أردوغان لإحياء العثمانية الجديدة ودعم جماعات الإسلام السياسي بالمنطقة، والاقتراب من الحدود المصرية وإرباك وإزعاج القاهرة".
وفي سياق متصل، قالت الدكتورة سماء سليمان، إن الاتفاق الذي وقّعته حكومة الوفاق في ليبيا والحكومة التركية يعكس دلالات بالغة الخطورة، تتعلق بأطماع تركيا في المنطقة وسياستها العدوانية، خاصة أن الاتفاق تضمن مذكرتين: الأولى للتعاون الأمني، تستهدف تمكين حكومة الوفاق من فرض سيطرتها على الأراضي الليبية، إضافة إلى تطوير منظومتي العمل الأمني والتدريب، والثانية خاصة بالتعاون العسكرى، وهى تعتبر توسيعًا بالغ الخطورة لنطاق الاتفاقية الإطارية للتعاون العسكرى، التى سبق أن وقعها السراج مع تركيا، على النحو الذى يعطيها حق استخدام المجال الجوي الليبى دون إنذار سابق، وإقامة قواعد عسكرية داخل أراضيها، فضلًا عمَّا وصفوه بحماية الحقوق البحرية للبلدين".
اقرأ أيضًا.. متخصص في العلاقات الدولية تكشف مخاطر الاتفاق التركي الليبي على مصر
وأضافت أنه بالنظر إلى الموقف الحالي فإنه يشير إلى أن الصراع على الساحة الغربية لأمن مصر القومي بدأ ينذر بعلامات الخطر، فهو بمثابة تطور جديد في معركة مصر ضد الإرهاب والإخوان وتركيا تحديدًا.
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور طارق فهمي في حديثه لـ" أهل مصر": إن الاتفاق خاص بامتداد السواحل التركية وبالتالي فعدم الاعتراف بطول الحدود هو عدم اعتراف بقبرص التي لا تعترف بها تركيا، وهو مايعني أن تواصل السواحل التركية يصبح هو القائد في ذلك التوقيت.
وأضاف أن لذلك الاتفاق تبعات على مصر، فوزير الخارجية اليوناني اليوم في زيارة للقاهرة، وسيكون هناك رد مباشر على ذلك الاتفاق، كما سيكون لذلك تأثير أمني استراتيجي وسيكون له تداعيات مباشرة، وأن مصر تأبى ذلك لأن لتركيا 12 ميلًا بحريًا وفقًا لاتفاقية أعالي البحار 1982، كما أن هذا الوضع الذي تفرضه تركيا مخالف لقواعد القانون الدولي ومخالف لاتفاقيات أعالي البحار وترسيم الحدود ويعتمد على فكرة "الجرف القاري" وليس الحدود الآمنة وبالتالي لا أحد سيوافق على هذا.
كما أشار إلى أن اليونان يقع عليها خطر كبير لأن هذا الاتفاق يلغي اتفاقية ترسيم الحدود ويضمها لتركيا ويقر باعترافهم بقبرص بأنها دول غير قائمة، وبالتالي فإن تركيا تقنن وضعها في إقليم شرق المتوسط، كما أنها ترفض اتفاقية الحدود بين قبرص ومصر، لأنها تريد أن تفرض واقع استراتيجي على دول الإقليم بأكمله.
على صعيد متصل أكّد المتحدث باسم الرئاسة القبرصية برودروموس برودرومو أن مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق فى ليبيا تشوه الجغرافيا وتنتهك القانون الدولي وتخلق التوتر فى المنطقة.
وقال المتحدث القبرصي، في تصريح إعلامي، إن محتوى مذكرة التفاهم يضلل القانون الدولي لأنها تمنح امتيازات بحرية بين تركيا وليبيا وهذا انتهاك لحقوق الدول المشاطئة في المنطقة وانتهاك للمبدأ المعترف به في اتفاقية 82 في قوانين البحار التابعة للأمم المتحدة.
وأشار إلى أن هذه المذكرة ليس لها أي أثر قانوني، لافتا إلى أن الرئيس القبرصي وحكومته ينسقان بشكل كامل مع دول أخرى، من بينها مصر، لافتا إلى أن الحكومة القبرصية ستحمي الحقوق المشروعة للدول المجاورة، منها اليونان ومصر.
اقرأ أيضًا.. ماهو "اتفاق الصخيرات" الذي يبطل الاتفاق التركي الليبي؟
يُذكر أن الحكومة التركية، قد وقّعت في اسطنبول، الخميس الماضي، اتفاقا مع حكومة السراج لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، إضافة لاتفاق خاص بتعزيز التعاون الأمني والعسكري.
وأجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري، اتصالا هاتفيا بكل من وزير خارجية اليونان نيكوس دندياس ووزير خارجية قبرص نيكوس خريستودوليدس، بشأن الاتفاق التركي مع حكومة السراج.
وعقب الإعلان عن توقيع هاتين المذكرتين مباشرة، خرج مجلس النواب الليبي، المنعقد في مدينة طبرق، شرق البلاد، ببيان أدان فيه هذا الاتفاق معتبرا أنه "يسمح للجانب التركي باستخدام الأجواء الليبية ودخول المياه الإقليمية من دون إذن، ويمثل تهديدا حقيقيا وانتهاكا صارخا للأمن والسيادة الليبية، كما أنه يمثل تهديدا تركيًا للأمن العربي والسلم في البحر المتوسط".
ولم يكتفِ البيان بذلك، بل ذهب إلى أن هذا الاتفاق "يرقى إلى تهمة الخيانة العظمى"، على اعتبار أنه "يهدف إلى تزويد الميليشيات الإرهابية بالسلاح"، مؤكدا أن "الجيش الوطني لن يقف مكتوف الأيدي أمام تآمر أردوغان مع المجلس الرئاسي والميليشيات الإرهابية".
وبدورها، أكّدت الحكومة الليبية المؤقتة رفضها التام للاتفاقية "المشبوهة"، معتبرة أنها غير شرعية وتحتاج إلى موافقة مجلس النواب، مشددة، في بيان صدر عقب التوقيع، على رفض التدخل التركي في شؤون ليبيا.