بعد طي صفحة "عبد المهدي".. العراق في رحلة "شاقة" للبحث عن بديل وسط تكهنات بسقوط نظام ما بعد "صدام".. وخبراء: بدأ في الانهيار وزالت شرعيته

متظاهرو الناصرية بعد استقالة رئيس الوزراء العراقي مباشرة

يبدأ البرلمان العراقي اليوم عملية اختيار رئيس وزراء جديد بعد قبول استقالة عادل عبد المهدي، رئيس الحكومة السابق، في وقت سيتعين على خليفته مواجهة الاضطرابات الشديدة التي تشهدها جميع أنحاء البلاد والتي دفعت قوات الأمن إلى استخدام القوة ضد المتظاهرين منذ ما يقرب من شهرين، فيما تتصاعد المخاوف من أن النظام السياسي الذي وضعته أمريكا عقب إزاحة حكم "صدام"، قد يواجه انهيارا تاما بعدما صمد 16 عامًا، خاصة وأن الشعب لم يعد ينظر إلى الساسة والزعماء الذين نصّبتهم أمريكا في السلطة كأبطال، وذلك بسبب القمع الذي شهدته الاحتجاجات الحالية، والأحداث الدموية التي راح ضحيتها أكثر من 400 قتيل.

وقتلت قوات الأمن ما لا يقل عن 45 مدنياً بمدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار الجنوبية، الخميس الماضي، في واحدة من أسوأ الحوادث منذ اندلاع الاحتجاجات الأخيرة ضد الحكومة التي كان من المتوقع أن تستعرض القوة الغاشمة في أعقاب حرق القنصلية الإيرانية بالنجف، الأربعاء الماضي، وهو الهجوم الذي كان أقوى تعبير عن المشاعر المعادية لإيران من قبل المتظاهرين العراقيين.

لكن هذه الحملة الأمنية لم تؤجج إلا استياءًا متزايدًا وسط وجنوب العراق، وأصبحت المواجهة بين المتظاهرين المرابطين في الشوارع والطبقة السياسية المحاصرة أكثر ترسخًا.

ووفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن السؤال المثار الآن هو ما إذا كان نظام عراق ما بعد "صدام" الذي وضعه الأمريكان يظل قابلاً للتطبيق بعد 16 عامًا من الغزو الذي أطاح بالرئيس الأسبق وأعاد توازن القوى في المنطقة.

استمرار احتجاجات بغداد

وقالت بسمة الكاظمي، طبيبة في بغداد، للصحيفة البريطانية: "عندما غادر الأمريكيون عام 2011، اعتقدنا أنهم تركوا على الأقل بعض الأسس وراءهم، ولكن ماحدث أنهم بدأوا في السرقة أكثر من أي وقت مضى، ولم يلق أحدا بالا لذلك"، مضيفة "ولكن البلاد شهدت بعض الانتخابات التي لم ينظر خلالها إلى كون المرء شيعيا أو سنيا، وكان ينظر لذلك على أنه أمرا جيدا. ولكن سرعان ما انهار كل ذلك، لأن كل طائفة عظّمت مصالحها على حساب مصلحة البلد"، لافتة إلى أنه "إذا كان هناك مكاسب من الاحتجاجات حتى الآن، فإنها ستكون بُعدها عن الطائفية، لأن الوطنية هي ما تحرك هؤلاء المتظاهرين".

منذ 2003، تم تقسيم الحكم في العراق على أسس طائفية، وكانت مؤسساته تستخدم كإقطاعيات للوزراء الذين غالبًا ما تجاوز ولائهم للأحزاب السياسية الولاء للدولة. ونتيجة لذلك، استشرى الفساد والمحسوبية في جميع أنحاء القطاع العام في البلاد، وسُلبت ثروة البلاد النفطية وتُرك الكثير من العراقيين دون فرص عمل. فكان نهب إيرادات الدولة هو المحرك الرئيسي للحركة الاحتجاجية التي قادها شباب محرومون من حقوقهم، الذين انضم إليهم قطاعات أخرى من المجتمع، وصل عددهم في بعض الأيام إلى 200 ألف متظاهر في بغداد وغيرها من المدن.

قال توبي دودج، أستاذ علاقات دولية في كلية لندن للاقتصاد وباحث مخضرم في الشأن العراقي، لـ"الجارديان"، إن نظام ما بعد 2003 الذي ضم الفساد في الدولة العراقية، فضلاً عن الطائفية، بدأ في الانهيار، وتصاعد العنف نتيجة لذلك.

وكتب على موقع "Sepad" التابع لجامعة لانكستر البريطانية: "تم فرض نظام ثابت ومُعلب على الوضع السياسي للبلاد من خلال النخبة السياسية السابقة التي فعلت الكثير من أجل الحملة الأمريكية لإزاحة صدام حسين، والتي أوصلتها أمريكا إلى مواقع السلطة".

وفي حديث منفصل إلى صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية، أضاف: "الأسس الأيديولوجية للنظام، والتي هي تقسيم المجتمع العراقي إلى مجتمعات طائفية، تراجعت الآن. وفي الوقت نفسه، استمر تقسيم الغنائم بين النخب الحاكمة وأصبح علنياً وبشكل متزايد وواضح، مما زاد من نزع الشرعية عن هذا النظام".

خريطة تظهر مدينتي النجف والناصرية اللتين شهدتا أحداثا دامية

وتابع: "لم يعد الشعب ينظر إلى هؤلاء كأبطال، وهو ما دفع النخب الحاكمة إلى الاعتماد بشكل متزايد على عنف ميليشياتهم لقمع الاحتجاجات ضدهم والبقاء في السلطة، ولكن ما رأيناه هو أن هذه الاحتجاجات وصلت إلى ذروتها اليوم".

إن زعماء القبائل في جنوب العراق، الذي تركزت فيه أعمال العنف الأخيرة، قد انقلبوا على قوات الأمن في أعقاب عمليات القتل التي بدأتها تلك القوات، والتي يقولون إنها كانت موجهة من قبل المسؤولين الإيرانيين الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في حملة القمع هذه.

لعبت إيران دورًا بارزًا في شؤون العراق طوال سنوات ما بعد الغزو الأمريكي، وخاصة منذ أن سحبت الولايات المتحدة قواتها عام 2011. وكان الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، شخصية محورية في القمع الذي بدأ قبل شهر تقريبا.

وفي الوقت نفسه، تواجه إيران ضغوطاً على الجبهة الداخلية وانتفاضة في لبنان، حيث يلعب حزب الله، وهو أهم أذرعها في البلاد، دورًا حيويًا في شؤون هذا البلد.

وقال مسؤول إقليمي على دراية بالشأن الإيراني لـ"الجارديان": "إن لبنان والعراق على قدم وساق في الحرب، وقد يكونون قادرين على تهدئة الأمور في لبنان، لكن في العراق توجد العشائر التي يتعاملون معها، وهذا هو المكان الذي يخفقون فيه"، مضيفا أن "الأمر الذي أشعل الاضطرابات في الجنوب على وجه الخصوص هو نزاع دموي، الذي يتهمون فيه إيران ووكلائها". 

اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء العراقي يسلم استقالته رسميًا إلى البرلمان

وطالب زعماء العشائر بمحافظة ذي قار الجنوبية بمحاسبة قوات الأمن وقادة الميليشيات المسؤولين عن عمليات القتل في مدينة الناصرية، مركز المحافظة، في حادثة تضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المواجهة، التي تلوح في الأفق الآن باعتبارها أخطر ما واجهته إيران في الشرق الأوسط بعد "صدام". وقال المسؤول "إنهم مقتنعون بأن الأميركيين وراء هذا". 

اقرأ أيضاً: بالأسماء.. الكشف عن المتورطين في قتل المتظاهرين بالعراق.. أطراف خارجية بمعاونة عناصر من الحكومة.. ورئيس الوزراء على علم بهم

ومن بين الأسماء المرشحة التي قد تخلف "عبد المهدي"، هو هادي العامري، قائد قوات الحشد الشعبي، التي تشكلت بعد سيطرة داعش على شمال العراق، وأصبحت منذ ذلك الحين واحدة من أقوى المؤسسات في العراق. ومع ذلك، فإن دور "العامري" كزعيم لهذه القوات، سيجذب منتقدين أقوياء، من المحتمل أن تكون إيران من بينهم.

اقرأ أيضاً: 432 قتيلا وأكثر من 19 ألف جريح حصيلة تظاهرات العراق خلال شهرين

وأمام البرلمان العراقي 15 يومًا لتعيين رئيس وزراء جديد، لكن ما كان يحدث في الماضي هو عدم التوافق على زعيم جديد إلا بعد شهور من المفاوضات البطيئة والشاقة، التي قد يؤدي الفشل في التوصل إلى إجماع بين الفصائل إلى سقوط العراق في الهاوية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً