منذ عام 2017 والسياسيون في لبنان يصعّدون دعواتهم إلى عودة اللاجئين السوريين لبلادهم، ما دفع السلطات إلى الضغط على المفوضية العليا للنازحين كي تنظم عمليات العودة رغم النزاع المستمر في دمشق، لتتزايد هذه الدعوات وتعلو أكثر بعد اندلاع الاحتجاجات في لبنان أوائل أكتوبر الماضي، ملقية باللوم على السوريين في تفاقم الأزمة وتطالب بترحيلهم، لتبدأ السلطات بالفعل في حملة ملاحقة اللاجئين غير الحاملين للوثائق القانونية والبدء في ترحيلهم بأعداد متزايدة، وذلك بتنسيق مع النظام السوري الذي يرسل حافلات إلى الأراضي اللبنانية لنقل عائلات اللاجئين إلى وجهتهم المقبلة، فيما تقول المفوضية إنها لا تستطيع تشجيع عودة اللاجئين أو تسهيلها قبل تيقّنها من أن الوضع في سوريا آمن، وذلك كله في وقت تعاني فيه اللاجئات السوريات من مضايقات مستمرة وتحرش جسدي ولفظي داخل مخيماتهم في لبنان.
وفي محل صغير على أطراف مخيم مؤقت لعائلات اللاجئين السوريين في لبنان، قالت لاجئة سورية تدعى "يسرا" لموقع "إذاعة صوت أمريكا" (VOA): "أنا خائفة من الخروج إلى الشوارع؛ حيث أن هناك الكثير من المضايقات؛ فقبل بضعة أيام، قام رجل على طريق سريع قريب منا بنزع سرواله، وتعرية نفسه.
مظاهرات بساحة الشهداء في بيروت
وعلى رفوف محلها الصغير، لم تبقى سوى بعض زجاجات طلاء الأظافر وبعض الأطعمة المعلبة، وذلك بعد أن داهمته الشرطة قبل شهرين وأمرتها بإغلاقه. وأضافت "يسرا" أن اللاجئين السوريين في لبنان يتعرضون للمضايقة أو الترحيل بشكل متزايد، وأن الرسالة الموجهة إليهم الآن واضحة، وهي أنهم "يستهدفون إخافتنا كي يدفعوننا للعودة إلى سوريا".
ويعاني لبنان من عدم استقرار سياسي وأزمة مالية منذ بدء الاحتجاجات الجماهيرية في منتصف شهر أكتوبر الماضي. ومثل أي شخص آخر في لبنان، يواجه اللاجئون السوريون انخفاضًا في الرواتب وارتفاعًا حادًا في الأسعار، في وقت تهدد أعمال الشغب بين المحتجين في الشوارع بشبح حرب جديدة.
لكن اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم مليون شخص كانوا بالفعل فقراء للغاية وغير مرحب بهم بشكل متزايد قبل بدء المظاهرات. وبناءً على طلب الحكومة اللبنانية، توقفت الأمم المتحدة عن تسجيل اللاجئين منذ عام 2015، في إطار مجموعة من السياسات التي تهدف إلى تشجيع السوريين على مغادرة البلاد.
سوق في مخيم للاجئين بلبنان
وفي الأشهر الأخيرة، ازدادت الدعوات السياسية والإعلامية ضد السوريين بصوت أعلى وأكثر تكرارا، وذلك في وقت لا يمثل اللاجئون قضية رئيسية في المظاهرات الجماهيرية الحالية، ولكن بعض المحتجين انتقدوا اللاجئين، فيما دعا آخرون إلى حماية حقوقهم.
وقالت "يسرا" وهي تهز رأسها "رأيت المحتجين على شاشات التلفزيون وهم يقولون إن السوريين يشغلون وظائفنا"، مضيفة أن الخوف والفقر دفعا بعض السوريين إلى التفكير في العودة في وقت تم تدمير منزلها في دمشق بسبب الغارات الجوية، وليس لديها أي فرص عمل أو نقود، لكن على الأقل في سوريا، لن تتعرض للمضايقة أو الكراهية.
وقالت عائلات أخرى في المخيم للإذاعة الأمريكية، إنها شاركت في احتجاجات ضد الحكومة السورية التي يبدو الآن أنها ربحت الحرب في النهاية، مضيفين أنهم إذا عادوا، فيمكن إلقاء القبض عليهم.
أطفال سوريون يلعبون في وادي البقاع بلبنان
إلى ذلك، يواجه السوريون من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 42 سنة التجنيد العسكري لفترة غير محددة من الوقت إذا عادوا إلى ديارهم. وفي الأسواق والمعسكرات والشقق الحضرية، يقول الشباب إن الخدمة بالنسبة لهم تعني الموت أو القتل.
وقال محمد، 30 عاماً، في مخيم للاجئين في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث يبيع الهواتف المحمولة: "لقد غادرت سوريا بسبب الجيش"، معللا ذلك بقوله "إذا كنت تخدم في الجيش، فقد تضطر إلى قتل شعبك".
يوجد في لبنان أكبر عدد من اللاجئين في العالم- أكثر من خُمس سكان البلاد- ومنذ أن بدأ تدفق السوريين عام 2011، انخفضت الأجور، وارتفعت البطالة، وأصبحت الأحياء أكثر ازدحاما. وتقدر الحكومة وجود 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، وتبذل جهوداً لإعادتهم إلى أجزاء من سوريا يقولون إنها الآن آمنة وهادئة.
لاجئ سوري بأحد المخيمات في لبنان
بعض من أولئك الذين عادوا إلى بلادهم خلال العامين الماضيين، والمقدر عددهم بحوالي 27 ألف شخص، عادوا طواعية، وذلك وفقًا للاجئين الذين بقوا في لبنان. ولكن آخرون، كما يقولون، أُجبروا على العودة من قبل قوات الأمن. بيد أنه في الآونة الأخيرة، تم ترحيل السوريين بالمئات.
وفي الربيع الماضي، وجهت الحكومة اللبنانية قوات الأمن بترحيل السوريين الذين دخلوا لبنان بعد 24 أبريل من العام الجاري دون وثائق، بسبب اعتراض جماعات حقوق الإنسان.
وجاء في ورقة موقعة من ثماني جماعات حقوقية لبنانية أن "عمليات الترحيل هذه ستحدث دون أي تحقيق قضائي للتأكد من أن حياة المواطنين السوريين وحريتهم ليست في خطر في سوريا".
والجمعة الماضية، وقع انفجار بنقطة تفتيش بالقرب من سوق شعبي يضم لاجئين سوريين في سهل البقاع. وما حدث هو أن قوات الأمن اعتقلت شباب من اللاجئين السوريين واحتجزت أولئك الذين ليس لديهم وضع قانوني رسمي، وذلك وفقًا للعائلات في المخيم.
وقال محمود، وهو أب لابنة عمرها أربعة أشهر، في منزله المصنوع من العوارض الخشبية والقماش: "كنت في متجر في الساعة 12:00 عندما وقع الانفجار، فبقيت في الداخل حتى الساعة 6:30 مساءً لأنني لا أملك أوراقًا".
وفي متجرها، قالت يسرا وزوجها، أبو مصطفى، إنهما عندما يشاهدان الاحتجاجات في لبنان على شاشات التلفزيون، يتذكران أيضًا الأيام التي سبقت بدء الحرب السورية، عندما استلهم الربيع العربي المظاهرات التي قادها شباب سوريا عام 2011.
تلك المظاهرات التي سرعان ما تحولت إلى معارك قتل خلالها أكثر من نصف مليون شخص وفر 12 مليون آخرين من ديارهم، طبقًا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية.
وقال "أبو مصطفى" في إشارة إلى احتجاجات لبنان "إنه أمر مخيف، وأشعر أن هذا يمكن أن يكون كارثة".
في لبنان، ظلت المظاهرات في غالبيتها سلمية، لكن في الأسابيع الأخيرة، قام الجيش اللبناني، على الأقل عدة مرات، بالتدخل بين مجموعات ألقوا الحجارة على بعضهم البعض في اشتباكات مدفوعة بانقسامات طائفية قديمة، مسببة إحراق خيام وإطلاق أعيرة نارية، لكن لم يُبلغ عن وقوع إصابات خطيرة.
اقرأ أيضاً: عودة نحو 1.5 ألف لاجئ سوري إلى أرض الوطن من الأردن ولبنان
هذه الديناميكية تختلف كثيرا عن الاحتجاجات التي شهدتها سوريا، حيث اشتبك المتظاهرون مع قوات عسكرية أرسلت لتفريقهم. لكن لبنان بلد متقلب وطائفي للغاية.
اقرأ أيضاً: عودة أكثر من 1.6 ألف لاجئ بينهم 214 طفلاً إلى سوريا من لبنان والأردن
وما زالت سوريا في حالة حرب، ولذلك يخشى اللاجئون من أنهم على وشك مواجهة العنف والتهجير مرة أخرى، مع عدم وجود فرصة للتعافي من آخر مرة واجهوا فيها ذلك.
اقرأ أيضاً: الأزمة اللبنانية تعصف باقتصاد سوريا وبنوك بيروت تحتجز ودائع الأثرياء السوريين
ومع ذلك، وفي متجر "يسرا" شبه الفارغ، وافقت أسرتها على أن "الحقوق" التي يطالب بها المتظاهرون في لبنان هي احتياجات أساسية يستحقونها، مثل الوظائف والغذاء والسكن والأمن، منوهة على أنهم "يجب أن يبقوا في الشوارع حتى يحصلوا على هذه الحقوق".