هدد الرئيس التركي، رجب أردوغان، أول أمس الأحد، بإغلاق قاعدتين عسكريتين استراتيجيتين أمريكيتين على أراضي تركيا، إذا فرضت واشنطن عقوبات على أنقرة على خلفية شرائها نظام صاروخي روسي، بينما شكك المحللون في احتمالية أن تتحرك تركيا فعلا ضد أمريكا، خاصة وأن قرار مثل هذا قد يعرض عضوية تركيا في حلف الناتو للخطر، ما دفع البعض إلى القول إن ذلك لا يعدو أن يكون مناورة سياسية للاستهلاك المحلي، فيما رأى آخرون أن تركيا قد تغلق القاعدتين فعلا أمام أمريكا ولكن ليس أمام الناتو، كما فعلت سابقا، فهل ستقدم أنقرة فعلا على استفزاز واشنطن، خاصة في ظل توتر العلاقات أكثر بعد تمرير مجلس الشيوخ مشروع قانون يعترف بإبادة العثمانيين للأرمن أوائل القرن الماضي؟.
وقال "أردوغان" لمحطة "إيه هابر" الإذاعية: "إذا لزم الأمر، سنغلق "إنجرليك" و"كوريسيك"، في إشارة إلى القاعدتين العسكريتين اللتين تستخدمهما أمريكا، مضيفا أنه "إذا تم تنفيذ التهديد بالعقوبات ضدنا، فسنرد عليها في إطار المعاملة بالمثل".
و"إنجرليك" هي قاعدة جوية في جنوب تركيا لعبت دورًا رئيسيًا في العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وأفغانستان، ومؤخرًا ضد تنظيم "داعش" في سوريا والعراق. كما يخزن الجيش الأمريكي حوالي 50 قنبلة نووية من طراز "B-61" في هذه القاعدة. و"كوريسيك" قاعدة أمريكية أخرى في شرق تركيا تضم محطة رادار تابعة لـ"الناتو".
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، طرح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أيضًا مسألة إغلاق القاعدتين أمام الولايات المتحدة إذا فرضت واشنطن عقوبات على بلاده.
ووفقا لموقع "دويتشه فيله" الألماني، فإنه على الرغم من التهديدات والمخاوف بشأن الأسلحة النووية الأمريكية المخزنة في "إنجرليك"، إلا أن المحللين يشككون فيما إذا كانت تركيا ستتحرك بالفعل ضد واشنطن.
وقال "أولريخ كون"، الخبير في معهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية بجامعة هامبورج الألمانية لـ"دويتشه فيله": "لا أستطيع أن أتخيل أن أردوغان سيتابع الأمر؛ لأن أنقرة بذلك تعرض عضويتها في الناتو للخطر وستحدث توترات قد تلحق الضرر بالحلف"، مضيفا أن "هذا التهديد يأتي في صورة مناورة سياسية محلية".
في المقابل، قال حسين ألبتكين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إسطنبول، والباحث في مركز (سيتا) للدراسات والبحوث السياسية والاقتصادية، في إطار التأكيد على الأهمية الجيوسياسية لـ إنجيرليك، خلال حديث لصحيفة "ديلي صباح" التركية: "تمتلك هذه القاعدة إمكانات تشغيلية لثلاث مناطق، هي روسيا وإيران وشبه الجزيرة العربية، كما رأينا خلال حرب الخليج"، مذكرا أن تركيا قد أغلقت إنجرليك في السابق أمام الولايات المتحدة عام 1975 لمدة ثلاثة سنوات وجعلت استخدامها مقصورا على الناتو، ولكنها سمحت لأمريكا باستخدامها ثانية"، مضيفا أنه "يمكن أن تغلق تركيا مرة أخرى القاعدة أمام الولايات المتحدة بينما تظل مفتوحة أمام الناتو".
إلى ذلك، قال "أحمد كسر"، الأستاذ بجامعة حسن كاليونجو، لـ"ديلي صباح": "تعتبر قاعدة إنجرليك الجوية مهمة بالنسبة لأمريكا من حيث التدخل في المنطقة وتزويد المستلزمات وإرسال التعزيزات"، معتبرا أن "الأمر يعتمد الآن على الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في التصديق على قرار مجلس الشيوخ أو رفضه، والذي سيكون حاسمًا"، لافتا إلى أن "قرار المجلس هذا لم ينشأ فقط من قضية واحدة؛ ولكن أيضًا بسبب قضايا أخرى تتعلق بسوريا وشرق المتوسط وليبيا.
اقرأ أيضاً: الشيوخ الأمريكي يتبنى قرارًا يعترف بإبادة العثمانيين للأرمن
عقوبات محتملة
ويضغط المشرعون الأمريكيون من كلا الحزبين على الرئيس الأمريكي، لفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها ونشرها نظام الدفاع الصاروخي الروسي "S-400"، والذي تقول واشنطن إنه يتعارض مع خطط "الناتو" ويهدد الطائرات الحربية "F-35". ورداً على ذلك، بدأت الولايات المتحدة بطرد تركيا من برنامج مقاتلات "F-35"، والذي كانت أنقرة شريكًا فيه.
اقرأ أيضاً: بعد الاعتراف بإبادة الأرمن.. أردوغان يهدد أمريكا بالتعامل بالمثل بشأن الهنود الحمر
وامتنعت إدارة ترامب حتى الآن عن فرض عقوبات على تركيا العضو في "الناتو" على خلفية شرائها "S-400"؛ فبموجب قانون أمريكي يُعرف باسم "قانون مواجهة خصوم أمريكا من خلال العقوبات"، يجب معاقبة الدول التي تشتري معدات عسكرية معينة من روسيا.
اقرأ أيضاً: تركيا: بدأنا العمل مع أمريكا لتسوية قضيتي منظومة "إس-400" ومقاتلات "إف-35"
وتوترت العلاقات بين الدولتين الحليفين في الناتو بسبب العدوان العسكري التركي على شمال شرق سوريا ضد القوات الكردية التي قاتلت جنبا إلى جنب مع الأمريكان في مواجهة تنظيم "داعش". وبعد انسحاب الجيش الأمريكي من الحدود التركية السورية، أبرمت تركيا صفقة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تنص من ضمن بنودها على تسيير دوريات مشتركة في شمال سوريا.
اقرأ أيضاً: أمريكا تعاقب 5 مؤسسات و4 أفراد لارتباطهم بمجموعات إرهابية في تركيا وسوريا
من جهتها، تعتبر تركيا أن وحدات حماية الشعب الكردية السورية جماعة إرهابية لها صلات بالمتمردين الأكراد الذين يقودون تمردًا منذ 35 عامًا ضد الدولة التركية. كما هدد "أردوغان" الأحد الماضي بالانتقام من أمريكا بعد أن صوت مجلس الشيوخ ومجلس النواب على الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915، ولكن "ترامب" لم يوقع بعد على هذا القرار.