قال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية، اليوم السبت، إن الولايات المتحدة "تشعر بقلق بالغ" إزاء اشتداد حدة الصراع في ليبيا، مع زيادة عدد المرتزقة الروس الذين يُزعم دعمهم لقوات المشير خليفة حفتر على الأرض، ما يثير المخاوف من تحويل الصراع إلى "نزاع دموي"، وذلك فقا للمسؤول الأمريكي الذي أثارت تصريحاته، فضلا عن صياغة تشريع في الكونجرس يعاقب موسكو على خلفية تدخلها في ليبيا، تساؤلات حول تداعيات القلق الأمريكي من النشاط الروسي في ليبيا خاصة في وقت أكدت تقارير رفع أمريكا يدها بعض الشيء من ليبيا ما أفسح المجال للنفوذ الروسي المتنامي في هذا البلد، وما يمكن أن يستتبع ذلك من احتمالات المواجهة والتصعيد بين الطرفين فيما يتعلق بالوضع في البلد العربي الذي مزقته الحرب.
وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة تواصل الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السراج، رئيس وزراء الحكومة المعترف بها في الأمم المتحدة. لكنه استدرك في نفس الوقت أن واشنطن لا تقف إلى جانب الصراع وتتحدث مع جميع أصحاب المصلحة الذين يمكن أن يكونوا مؤثرين في محاولة صياغة اتفاق.
وقال المسؤول الأمريكي لـ"رويترز": "نحن قلقون للغاية بشأن التصعيد العسكري"، موضحا "نرى الروس يستخدمون الحرب الهجينة، باستخدام الطائرات بدون طيار والمقاتلات. وهذا ليس جيدًا".
وتابع المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "مع زيادة أعداد قوات "فاجنر" المبلغ عنها والمرتزقة على الأرض، نعتقد أن ذلك يغير طبيعة الصراع ويكثفه"، في إشارة إلى مجموعة روسية غامضة من المرتزقة تعرف باسم "فاجنر".
ومنذ عام 2014، تم تقسيم ليبيا إلى معسكرين عسكريين وسياسيين متنافسين في كلا من العاصمة طرابلس والشرق الليبي، ففي الغرب تتمركز حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، الذي ينخرط في صراع مستمر هو وميليشياته مع قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر المتمركز في شرق البلاد والذي يدعمه البرلمان المنعقد في مدينة طبرق.
ووفقاً لدبلوماسيين ومسؤولي طرابلس، فإن حفتر يحظى بدعم من هؤلاء المرتزقة الروس، ما يثير قلق الأمريكان؛ فقد برزت هذه القضية في اجتماع عقد في وقت سابق من هذا الشهر بين وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ونظيره الروسي، سيرجي لافروف.
وقال "بومبيو" إنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للقتال وأن واشنطن حذرت الدول من إرسال أسلحة إلى ليبيا، مضيفًا أنه يذكّر "لافروف" بالتحديد بحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.
ويحاول الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر، منذ أبريل الماضي، السيطرة على طرابلس، معلنا، في وقت سابق من هذا الشهر، عزمه على حسم معركة طرابلس والتقدم إلى قلب العاصمة. ولكنه، وفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، لم يحقق الكثير من التقدم، حتى الآن على الأقل.
ووفقا للمسؤول الأمريكي، فإن "تورط المرتزقة الروس حتى الآن لم يؤد إلى حسم النزاع لصالح حفتر"، معتبرا أنه "يخلق صراعا أكثر دموية، ويخلف المزيد من الأضرار المدنية، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية مثل المطارات والمستشفيات"، مؤكدا على أنه "في الوقت نفسه، لا نرى أن حفتر يكتسب أرضية".
وردا على التدخل الروسي المزعوم في شؤون ليبيا، صاغ الكونجرس الأمريكي، في وقت سابق الأسبوع الماضي، مشروع "قانون تعزيز الاستقرار في ليبيا"، الذي ينص على فرض عقوبات ضد موسكو.
وتعليقا على ذلك، أعلنت الخارجية الروسية أن "موسكو تشعر بالحيرة" من ظهور هذا المشروع، وقالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: "هذا أمر محير للغاية، رغم أنه فيما يتعلق بالولايات المتحدة، لم تعد هذه الكلمة تعبر بوضوح عن جوهر ما يحدث"، مضيفة أنه "لسوء الحظ، هذه الخطوات العدوانية للغاية أضحت ضمن ممارسات المسؤولين الرسميين للولايات المتحدة".
وأعادت "زاخاروفا" إلى الأذهان أن موسكو "على استعداد لتقديم مساهمة كبيرة، لأنها تحافظ على الاتصالات مع جميع القوى السياسية الليبية الفاعلة"، وتدعو أيضًا إلى وقف جميع الأعمال العدائية، وإقامة حوار سياسي شامل بين الليبيين.
بدورها، دعمت تركيا الحكومة الليبية المعترف بها دولياً بقيادة فايز السراج، ووقع الجانبان، في وقت سابق الشهر الماضي، مذكرة تفاهم بشأن التعاون البحري في شرق البحر المتوسط وكذلك اتفاقية أمنية يمكن أن تعمق التعاون العسكري بينهما.
وفي أول رد فعل من الولايات المتحدة على هذه الاتفاقات بين تركيا وليبيا، قال المسؤول الأمريكي إن مذكرة التفاهم البحرية "غير مفيدة" و "استفزازية".
وأضاف المسؤول أنه فيما يتعلق بترسيم "الحدود البحرية بين تركيا والوفاق، فإن ذلك يمس بشكل مباشر المياه الإقليمية لليونان وقبرص، مشيرا إلى أن ذلك "من وجهة نظر الولايات المتحدة، يمثل مصدر قلق؛ فإنه ليس الوقت المناسب لإثارة المزيد من عدم الاستقرار في البحر المتوسط".
من جهة أخرى، ووفقًا لتقرير صادر عن خبراء الأمم المتحدة، اطلعت عليه "رويترز" الشهر الماضي، فإن أنقرة أرسلت بالفعل إمدادات عسكرية إلى ليبيا في انتهاك لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، وكذلك أغضب اتفاقها البحري مع ليبيا اليونان، كما أثار غضب الاتحاد الأوروبي.
من جهته، قال الرئيس التركي رجب أردوغان، إن "تركيا يمكنها نشر قوات في ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني، لكنها لم تُقدّم أي طلب بعد في هذا الشأن".
من جانبه، حذر متحدث باسم المفوضية الأوروبية من أنه "لا يوجد حل عسكري" للنزاع في ليبيا وقال إن "كل بلد عضو في الأمم المتحدة" عليه احترام حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلاد.
وفي ألمانيا، حيث تعمل الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة لتنظيم مؤتمر حول ليبيا، قالت وزارة الخارجية: "إن مؤتمر برلين الذي نعمل عليها جاء لتحقيق وقف لإطلاق النار ولضمان احترام جميع الأطراف لحظر الأسلحة. هذان الأمرين ضروريان للغاية من أجل تسهيل المحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة لإحلال السلام في ليبيا".