العائدون من الموت.. 2700 فتاة تحاول الانتحار سنويًا بسبب العنوسة.. مصر بالمركز 96 في حوادث الانتحار عالميًا.. والسيدات الأكثر تفكيرًا في الانتحار

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

انتشرت في الآونة الأخيرة، ظاهرة الانتحار بين فئة الشباب في مصر، متخذين من فكرة التخلص من الحياة فعلًا يقومون به دون أي تفكير في الحياة والآخرين، أو في محاولة تغيير الواقع المتسبب في ظهور الفكرة، فالبعض تسيطر عليه مشاعر الغضب والاكتئاب والدخول في حالة نفسية سيئة تقوده في النهاية إلى الفعل نفسه، والبعض الآخر يظل لديه القرار مجرد فكرة تساوره من فترة لأخرى، فالفكرة تبعد تمامًا عن حيز التنفيذ طالما يراجع الإنسان نفسه، ولكن مع اتخاذ القرار بالتنفيذ يبدأ فعل الانتحار وإنهاء الشخص حياته، أو الفشل في التنفيذ والعودة من الموت مرة أخرى للحياة، لذا قررت "أهل مصر" إلقاء الضوء على الانتحار منذ تكوين الفكرة إلى فشل التنفيذ مع "العائدون من الموت"، وهم الذين فشلوا في إنهاء حياتهم.

كشفت إحصائية صادرة عن المركز القومي للسموم التابع لجامعة القاهرة، عن تزايد أعداد الشباب المصريين المنتحرين بسبب العنوسة والبطالة، حيث تقدم حوالى 2700 فتاة على الانتحار سنويًا بسبب العنوسة، فضلا عن إقدام العديد من الشباب على الانتحار أيضا بسبب البطالة وصعوبة الزواج، خصوصًا ممن يعيشون قصصا غرامية.

800 ألف حالة انتحار سنويًا في العالم

صدقت منظمة الصحة العالمية، منذ عام 2003، على اعتماد الرابطة الدولية لمنع الانتحار، ليوم العاشر من سبتمبر، يومًا عالميًا لمنع الانتحار، من أجل تضافر كافة الجهود للوقاية منه، والتوعية ضد حدوثه، ووفقًا لتقرير المنظمة عن الانتحار عام 2017، فإن العالم يشهد أكثر من 800 ألف حالة وفاة سنويًا بسبب الانتحار، وهو ما يعادل حالة واحدة كل 40 ثانية، وأن الفئة الأكثر عرضة للانتحار هم الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عامًا ، كما أشارت المنظمة إلى أن الانتحار هو السبب الثاني لوفاة الشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 29 عامًا.

أكثر الأعوام تسجيلًا لحالات الانتحار في مصر

عام 2007

أظهرت دراسة مصرية أن هناك 3708 محاولة انتحار في عام 2007 وقعت في مصر، وأن نسبة المنتحرات من الإناث كانت أكثر من الذكور لتصل إلى 68% للإناث مقابل 32% للذكور، وسبق أن سجلت إحصائيات المركز القومي للسموم التابع لجامعة القاهرة وقوع 2355 حالة انتحار بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 22 و23 عامًا خلال عام واحد طبقا للإحصائيات الرسمية.

عام 2009

في هذا العام بلغ عدد محاولات الانتحار في مصر 104 آلاف حالة، تمكن‏ 5‏ آلاف منهم من التخلص من حياتهم‏، وتقول الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن جريمة الانتحار في مصر، أصبحت ظاهرة خطيرة تتصاعد يومًا بعد يوم.

عام 2011

بلغ العدد نحو 18 ألف حالة محاولة انتحار، وصلت إلى المركز السموم خلال العام، أغلبها من الرجال.

وتشهد مصر سنويا نحو 3 آلاف حالة محاولة انتحار لمن هم أقل من 40 عاما، فيما تقول تقارير أخرى إن خمسة أشخاص من بين كل ألف شخص يحاولون الانتحار بهدف التخلص من مشكلاتهم.

الترتيب الدولي لمصر في الانتحار

في دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية جاءت مصر في المركز 96 على مستوى العالم من حيث عدد الأفراد المقبلين على الانتحار، وكان ذلك في عام 1987 ثم جاء عام 2007 ليشهد 3708 حالات انتحار متنوعة من الذكور والإناث.

الفئات العمرية الأكثر إقبالًا على الانتحار

نائب مدير مستشفى العباسية: الانتحار ثاني سبب لوفاة المراهقين بعد حوادث السيارات

الأفكار الانتحارية أكثر عند السيدات من الرجال

70% من المنتحرين يعانون من الاكتئاب و30% تجتاحهم اضطرابات نفسية أخرى

كشف الدكتور أحمد صلاح الدين، أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان، مدير وحدة الرجال المطورة بمستشفى العباسية للصحة النفسية، ونائب مدير المستشفى، أنه في شهري فبراير ومارس الماضيين، تلقى الخط الساخن حوالى 23 مكالمة عن الانتحار وأغلبها من السيدات، فهناك 16 حالة تتضمن محاولات انتحار، وحالة واحدة هددت بالفعل، والباقي أفكار انتحارية، وعن الفئات العمرية 3 مراهقين، و20 في سن البلوغ، كما كانت أغلب المكالمات من محافظة القاهرة، ويليها الدلتا والصعيد، مشيرًا إلى أن الأفكار الانتحارية والمحاولات أكثر عند السيدات عن الرجال بنسبة 3 -1 وهي نسبة عالمية وتنطبق على مصر تماماً، فمحاولات الانتحار لدى السيدات أكبر من الرجال علميًا، ولكن من يموتون فعليًا بسبب الانتحار أكثرهم الرجال بنسبة 4- 1، فالمنتحرين حوالي 70% منهم لديهم اكتئاب و30% آخرين لديهم اضطرابات نفسية أخرى كالاضطراب الوجداني والفصام أو خرف الشيخوخة "الجنان"، وهناك مشكلة كبرى بالنسبة للمراهقين من سن 13 حتى 18 سنة، فالانتحار ثاني سبب لوفاة المراهقين بعد حوادث السيارات، بالإضافة إلى حالات الانتحار التي وجدت في الأطفال بسبب البيئة والظروف المعيشية الآن.

طرق الانتحار

أولًا: النساء

تميل النساء لاستخدام (الأقراص المنومة - سم الفئران – قطع الشرايين).

ثانيًا: الرجال

أما الرجال فينتحرون عادة (بإلقاء أنفسهم من مكان مرتفع- الغرق في النيل- الموت شنقًا)، ولكل قاعدة شواذ.

أسباب الانتحار.. ومن المسئول عنه؟

أكدت الدكتورة عزة عبد اللطيف، طبيبة الأمراض النفسية، أن الانتحار كحالة موجودة منذ زمن بعيد وبالتأكيد لها العديد من الأسباب منها المرتبط بالطب والجانب النفسي ومنها الاجتماعي، وهناك حالات مرضية قد تصل إلى الاكتئاب وهو درجات في آخرها قد يقدم الشخص على فعل الانتحار وسبب دخوله في حالة الاكتئاب المتأخرة هذه ترجع لأسباب ربما اجتماعية أو عدم اهتمام من المحيطين به وكذلك فقدان الأمل تماما وتسلل اليأس إلى نفسه، وقد تكون حالة من الانفصام في الشخصية.

ومن جانب آخر ربما تكون محاوله للانتقام من الظروف أو من الأشخاص المقربين من الشخص أو حتى من نفسه وشعوره بحالة مستمرة من عدم الرضا أو تقبل نفسه، في هذه الحالة يتكون لديه شعور داخلي بفقدان الأمان وعدم القدرة على مواجهة الحياة وأن ربما ما ينتظره في الحياه الأخرى أفضل فهو استمرار في الهروب من مواجهة الواقع.

وأشارت طبيبة الأمراض النفسية، إلى أن الوصول إلى قرار الانتحار مرحلة وتنفيذ القرار مرحلة تالية وليست سهلة لذلك لابد من التفرقة بين حالات الانتحار من الناحية العمرية إن كانت من فئة الأطفال أو الشباب أو الكبار، فالشاب أو الشخص الناضج الانتحار بالنسبة له قرار مهما كانت حالته النفسية أو العقلية في هذه اللحظة فهو يتحمل مسؤوليته بالكامل، أما الطفل أو غير الراشد الملام الأول في تصرفه هو الأسرة في المقام الأول ثم طبيعة نشأته وكذلك المجتمع من حوله.

حلول منطقية لخفض محاولات الانتحار

أوضحت أسماء مصطفى، أخصائية نفسية، أن العلاقات الاجتماعية عامل لا يمكن اغفاله في حالات الانتحار وتكون مدمرة في معظمها، فقد أصاب المجتمع في السنوات الأخيرة مع انتشار وسائل التواصل التكنولوجي حالة من العقم في الاتصال الاجتماعي وفقدان القدرة على التواصل على أرض الواقع والبحث الدائم عن حالة الافتراضية المثالية، كما أن انتشار الاحباط أصبح كالسرطان في نفوس الكثيرين ومشكلته أنه مرض معدى ينتقل بسرعة، كما أن هناك خلل في التوازن النفسي للجيل بأكمله وعلاج هذه الحالة ليست بيد الأطباء، فهناك منظومه قيمية تحتاج الى إعادة غرس وبناء من جديد، فالشباب بحاجة لفهم ثقافة التعايش مع الضغوط وإيجاد المخرج من كل كهف مظلم إلى طريق النور وليس الموت، مع إقامة علاقات وروابط حقيقية واقعية خاصة من خلال الأسرة وهي الدفاع النفسي الأول أمام مشكلات الحياة، بالإضافة إلى حب العمل والإخلاص فيه والبعد عن الأشخاص المحبطين، والتخطيط للمستقبل ورسم أحلام لتنفيذها.

اقرأ أيضا.."فتاة فرشوط".. البراءة في مواجهة الذئاب.. ابنة "الفقراء" تتعرض للاغتصاب.. 3 شباب "واصلين" يغتالون شرفها وإغراءات مالية لإغلاق القضية.. "فرحة": "أنا شفت اللي محدش شافه وهاخد حقي" (فيديو وصور)

حكاية منتحر

"قرار طائش في لحظة انفعال".. بهذه العبارة بدأت "أ، م، ع"، 26سنة، قصة محاولة انتحارها في سن صغيرة، بعدما تسلل اليأس والإحباط إليها، فهو واقع يعيشه الكثيرون في مجتمعنا وأصبحنا نشهده في عدد من الحالات كل عام بسبب الأمور الدراسية والضغط النفسي والعصبي من الأهالي حول كل ما يتعلق بالمذاكرة وعملية التحصيل الدراسي والأهم من ذلك مجموع الدرجات أخر العام والنجاح والرسوب.

بدأت "أ، م،ع" – التي رفضت ذكر اسمها- بسرد القصة بأنها كانت في الصف الثالث الإعدادي حينما اتخذت قرارًا اعتبرته طائشًا ومتسرعًا بتنفيذ فعل الانتحار، ضاربة بكل ما حولها من حياة وأسرة تتمنى لها أفضل حال وأصدقاء عرض الحائط، فاتخذت قرارها بناء على الحل بطريقة خاطئة في اختبار مادة اللغة الإنجليزية في الصف الثالث الإعدادي وعقب الاختبار مباشرة انهارت في بحر من الدموع والقرارات المتسرعة التي سيطرت عليها "أنا هرمي نفسي تحت عربية لو سقطت" ولكن كان لزميلتها التي وقعت تلك الكلمات على آذانها رأي آخر- لم تحمل الحديث على محمل الجد- وقالت لها "والراجل اللي هتموتي نفسك قدام عربيته ذنبه أيه يدخل السجن بسببك ؟"، مما جعلها تفكر سرًا في طريقة أخرى للموت وأن تتهيأ لها قبل إعلان النتيجة لأنها متأكدة بنسبة كبيرة من رسوبها، وعند اقتراب ظهور النتيجة كانت أعدت خطة مُحكمة للموت حتى تنتهي من حياتها وفشلها الذريع في سنة دراسية مهمة وتتخلص من التأنيب من أهلها جراء الأمر وعدم تقبله بأي شكل من الأشكال، فضلاً عن الأذى النفسي لذي تشعر به بين أصدقائها.

وقالت إنه مع ظهور النتيجة والتأكد من الرسوب في مادة اللغة الإنجليزية – وهي المرة الأولى في حياتي لتلقي الفشل- حصلت على دفعة كبيرة من التأنيب من والدي اللذين اعتبرا الأمر استهتارًا بدراستي وإهمالًا مني خاصة أن جميع أصدقائي نجحوا في المادة واستعدوا للانتقال إلى الثانوية العامة، فكان تأثير الكلمات محفزًا ومشجعًا لتحويل فكرة الانتحار إلى فعل يتم تنفيذه على أرض الواقع، فتناولت شريطًا كاملًا من "البرشام" كانت قد حصلت عليه من الأدوية في المنزل.

تقول: "أخذت جميع الحبوب، للتخلص من حياتي دون أن أتسبب في أذى لشخص آخر وأتحمل مسئولية ذلك، ولكن كان الله رحيم بي فقد وجدت نفسي في المعهد القومي للسموم التابع لجامعة القاهرة، وقد تم نقلي سريعًا إليه بعد تعرضي لهبوط حاد في الدورة الدموية وتم عمل غسيل للمعدة، "كنت طفلة فعلًا وقرار طايش كان هينهي حياتي في لحظة".

ونوهت بأن من يتم إنقاذه من محاولة انتحار يتعامل معه جميع من حوله بحذر شديد في أغلب الظروف والمواقف الحياتية التي تمر بين الحين والأخر، فـ"الأهل كانوا أكثر حرصًا في التعامل معي خاصة فيما يتعلق بأمور الدراسة على مر المراحل التعليمية، وعملت أمي على التقرب مني بشكل أكبر لمعرفة ما يدور في عقلي ويشغل بالي خوفًا من فقداني مرة أخرى إثر فعل طائش".

حكاية منتحر 2

في حالة من الندم والاستياء من تذكر الواقعة، حكت " ن، إ"، 28 عام واقعة عن تنفيذ قرار انتحارها الذي ظل يتردد صداه في عقلها طيلة ثلاثة أشهر، قائلة: قصتي بدأت في فترة دراستي بالجامعة وارتباطي بصديق شاب، فالأمر سار على نحو من القبول والصداقة حتى تحولت الصداقة إلى قصة حب دامت منذ عامي الدراسي الثاني بالكلية وعامين عقب التخرج، وطيلة الـ4 سنوات كان يجمعنا حبًا قويًا قائمًا على الصداقة والاحترام والتخطيط الجيد للمستقبل ولكن كانت والدته وأخته عاملين أساسيين في تحول الحب إلى كراهية وخلق مشكلات بصفة مستمرة، فكان "م، ع" وهو الشخص الذي أحببته يستمع لأمه كثيرًا لأنها كانت المسيطرة على المنزل بالكامل خاصة لأن والدته كبيرة في السن ومريضة، وكانت أعظم عيوبه هي سرد تفاصيل خططنا ومشكلاتنا الصغيرة إليها فتتعمد تأنيبي على كل كبيرة وصغيرة، وعلى الرغم من ذلك ظل الحب قويًا بيننا لا يمكن لأحد تدميره، ولكن بمرور الوقت شعرت بأنه شخص غير قادر على اتخاذ أي قرار سوى بالرجوع لوالدته حتى في أدق التفاصيل و"أتفهها" وبدأت المشكلات تتراكم بيني وبين والدته وأخته المتسلطة التي أرادت أن استمع لكل ما تريده أو تقوله.

وتابعت: "مع كبر كل مشكلة ساءت حالتي النفسية وبدأ يغار من عملي خاصة أنه لم يحصل على وظيفة مناسبة ويجلس بالمنزل طوال اليوم، وزادت المشكلات بسبب والدته وتحكماتها إلى أن قررت الابتعاد عنه وحاول تهديدي بأني سأظل له وحده ولم أستطع يومًا الارتباط بآخر خاصة أن والدي متوفٍ وأعيش مع أمي وأخي، وأنه سيسيئ إلى سمعتي وكرامتي أمام أي شخص أنوي الارتباط به، مما حثني على التخلص من حياتي من خلال الحصول على عدد من الأدوية في آن واحد بكميات كبيرة ولكن الأمر ترتب عليه الشعور بالإعياء الشديد والمغص والإسهال جراء تناول الأقراص وتم نقلي على الفور إلى المستشفى وإنقاذي، وعندما عدت للوعي مرة أخرى التفت لعملي فقط وابتعدت عنه تمامًا، مقدرة قيمة الحياة، ونهت حديثها بـ"خدت درس اتعلمت منه كتير أوي وعرفت مين وقف جنبي.. ومش هفكر تاني بقلبي المفروض نحكم عقولنا في اختياراتنا".

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
غزيرة تؤدي لـ تجمعات المياه.. التنمية المحلية تحذر من سقوط الأمطار على المحافظات