تجري الصين وروسيا وإيران تدريبات بحرية مشتركة في المحيط الهندي وخليج عمان بدأت أمس الجمعة وتستمر حتى الاثنين المقبل، وذلك وسط توترات متصاعدة في المنطقة بعد انسحاب أمريكا في وقت سابق العام الماضي من معاهدة نووية تاريخية مع طهران، وتثير الخطوة الجديدة تساؤلات بشأن الرسائل التي تريد إيران إيصالها من خلال هذه المناورات التي يرى مراقبون أنها إشارة من طهران لواشنطن مفادها أن الأخيرة فقدت هيمنتها على العالم وأنها ليست القوة العالمية الوحيدة، مشيرين إلى أن طموحات استراتيجية لدى إيران تقف وراء تعاونها مع هؤلاء الأقوياء.
.وزعم متحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، أول أمس الخميس، أن تلك المناورات العسكرية تهدف إلى "تعميق التبادل والتعاون بين أساطيل الدول الثلاث"، مضيفا أن التدريبات كانت "تبادلًا عسكريًا عاديًا" بين الدول الثلاث ولم تكن "مرتبطة بالوضع الإقليمي". على حد قوله.
ويتصل خليج عمان (بحر العرب) بالخليج العربي عبر مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي يمر عبره خُمس إجمالي إمدادات النفط في العالم.
واتهمت الولايات المتحدة إيران بمهاجمة ناقلات النفط في هذا الممر المائي، في وقت سابق من مايو ويونيو الماضيين، في محاولة لتعطيل الملاحة البحرية في ممرات الشحن العالمية. كما تم إلقاء اللوم على إيران في هجوم وقع في سبتمبر الماضي على منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية، فيما تنكر إيران كل هذه المزاعم.
وفي أعقاب تلك الهجمات، عززت أمريكا وجودها العسكري في المنطقة وأرسلت أنظمة دفاع صاروخي إلى السعودية.
وزعم أبو الفضل شكارجي، المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، أن طهران تشارك في العملية المشتركة لأنها "ستحقق الأمن" في المنطقة وتعزز الحرب ضد "الإرهاب والقرصنة".
"إيران تصادق الأقوياء لأن لديها طموحاً إستراتيجياً"
في مقال لـ"سيث فرانتزمان"، وهو أكاديمي أمريكي وكاتب بعدة مواقع وصحف، بعنوان "إيران تأمل أن تظهر التدريبات البحرية أن الولايات المتحدة ليست قوة عالمية"، والمنشور بموقع صحيفة "جيروزاليم بوست"، والذي برهن الكاتب من خلاله على أن "طهران تصادق الأقوياء لأن لديها طموحاً إستراتيجياً".
واستهل المقال بقوله: لم تكن هذه بالضبط أكبر مناورة بحرية في العالم، أو حتى مناورة مهمة للغاية من حيث القوة النارية الموضوعة في البحر، ولكن عندما جمعت إيران وروسيا والصين سفنًا في تشابهار (بلدة إيرانية على ساحل خليج عمان الشمالي) أمس الجمعة، كانوا يرسلون رسالة إلى العالم. كان المصورون الإيرانيون على استعداد لالتقاط اللحظة التي تستعد فيها سفن من الدول الثلاث للذهاب إلى البحر. إنها لحظة كبيرة بالنسبة لطهران حيث يمكنها إظهار أن العقوبات الأمريكية ومحاولات عزل إيران لا تجدي نفعا.
وأضاف الكاتب: قال وزير البحرية الأمريكي، توماس مودلي، أمس الجمعة إن إيران يمكنها القيام بأعمال استفزازية، وذلك في بيان تزامنا مع التدريبات البحرية. ومنذ شهر مايو الماضي، تصاعد التوتر في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران. ووفقًا لتقديرات الولايات المتحدة، هاجمت إيران ست ناقلات نفط، وهاجمت السعودية وأسقطت طائرة أمريكية بدون طيار. وتستمر إيران في مضايقة عمليات الشحن (عبر مضيق هرمز) وسيطرت أيضًا على سفينة ترفع علم بريطانيا في يوليو الماضي. ولا تزال الزوارق الإيرانية السريعة التابعة للحرس الثوري الإيراني تشكل تهديداً.
وتابع الكاتب الأمريكي: وتقول إيران إن تلك المناورات تغطي 17000 كيلومتر مربع. وتشارك عدة سفن، بما في ذلك مدمرات سهند والبرز الإيرانية، وسفينتان لوجستيتان إيرانيتان وقارب "نيزه" الصاروخي. وأرسلت إيران سفينة طبية أيضًا. وقال الأميرال حسين خانزادي في إيران (قائد القوة البحرية للجيش الإيراني) إن التدريبات مهمة للأمن. واليوم السبت، واصلت القوات البحرية العمل معا لليوم الثاني. إنه تدريب لمدة أربعة أيام سيمتد عبر المحيط الهندي وخليج عمان. حيث اتفقت إيران والهند مؤخرًا على زيادة العلاقات الاقتصادية عبر ميناء تشابهار، في مبادرة قالت أمريكا إنها لن تمنع تمويلها.
وذكر الكاتب أنه: في الوقت نفسه، أشارت التقارير إلى أن مدمرة صواريخ "شينينج" الصينية قد وصلت إلى تشابهار لإجراء مناورات مشتركة مع إيران. وتقول إيران إن روسيا أرسلت ثلاث سفن من أسطولها في بحر البلطيق، بما في ذلك فرقاطة "ياروسلاف مودري" وناقلة "يفجيني خوروف" وقارب الإنقاذ "يلنيا". وجددت إيران مدمراتها التي تعتبرها من بين أكثر سفنها تطوراً. السفينة الصينية شينينج هي أيضا سفينة حديثة للغاية وتم تشغيل فرقاطة "مدري" الروسية قبل عقد من الزمن.
ولفت الكاتب في مقاله إلى أن: وسائل الإعلام الإيرانية لعبت دورًا كبيرًا في تحقيق هذا النجاح الكبير في حين لم يلاحظها أحد في روسيا والصين. وبثت قناة "برس تي في" الإيرانية لقطات مع قنوات أخرى. وأبرز وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، التدريبات المشتركة. وقال "ظريف" إن "تدريباتنا العسكرية المشتركة في بحر عمان والمحيط الهندي مع شركائنا الروس والصينيين توضح التزامنا الأوسع بتأمين المجاري المائية الحيوية". وقام "ظريف" بزيارات دبلوماسية مؤخرا إلى عُمان، وتوجه الرئيس الإيراني إلى ماليزيا واليابان. كما استضافت إيران وفداً هندياً كبيراً. وذلك في الوقت الذي تتعرض فيه إيران لانتقادات بسبب قمع الاحتجاجات.
وأشار الكاتب إلى أن: السفارة الإيرانية في الصين نشرت تغريدة على موقع تويتر تزعم أن هذا كان عصرًا انتقاليًا لا يوضح أن الغرب يقوم بكل شيء. وقالت "نحن نعيش في عالم ما بعد الغرب". الرسالة هي أن هذا العمل المشترك يجلب الاستقرار. ولدى وكالة "تسنيم" الإيرانية رسالة مماثلة، والتي تقول إن العمل المشترك يقلل من هيمنة الولايات المتحدة. "إيران تصادق الأقوياء لأن لديها طموحاً إستراتيجياً".
واعتبر الكاتب أنه: كالعادة، إيران ليست متكتمة أو متحفظة بشأن ما تريد؛ إنها تريد أصدقاء لها في الهند والصين وروسيا وتحل محل الولايات المتحدة. وهي تحقق ذلك من خلال مبادرات رسمية مثل هذه التدريبات البحرية ولكن أيضًا من خلال وسائل أخرى مثل أنشطتها السرية مثل تخريب السفن في الخليج، وإطلاق وكلائها صواريخ على الأمريكيين في العراق، ومن خلال إظهار أنها يمكن أن تسقط طائرة أمريكية بدون طيار أو يمكن أن تطلق الصواريخ على إسرائيل، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، فضلا عن تحركها الدبلوماسي في تركيا وماليزيا واليابان وعمان وأماكن أخرى. إنها تريد أن تظهر أنها تستطيع القيام بمهام متعددة بينما تقوم الولايات المتحدة فقط بفرض عقوبات. وفي الوقت نفسه، تواصل إيران تقليص الالتزام بالاتفاق النووي.
واختتم الكاتب مقاله بقوله: إن البحرية الإيرانية لا تضاهي مثيلتها في أمريكا، لكن هدفها وراء هذه التدريبات هو عدم إظهار مواجهتها للولايات المتحدة، وإنما إظهار قدرتها على إقامة شراكات مع دول أخرى ترغب في تحدي القوة الأمريكية على المدى الطويل. إن استراتيجية الدفاع الأمريكية اليوم هي التركيز على مواجهة روسيا والصين. وقوة البحر هي مفتاح هذا. ومع ذلك، فإن البحرية الأمريكية لم تكن واضحة فيما يتعلق بنوع السفن المستقبلية التي ستقوم ببنائها، حيث ألغت خططا لبناء السفن المقاتلة "Littoral" وبرنامج "DD-21" الذي يبدو أنه فشل لعدة عقود. وبينما تبحث الولايات المتحدة عن سياسة وسفن قتالية مستقبلية، فإن الرسالة الواردة من طهران هي أن الولايات المتحدة رمزياً لم تعد تهيمن على العالم.
علاقة المناورات بالعقوبات الأمريكية
وحول علاقة تلك المناورات العسكرية، بالعقوبات التي تفرضها أمريكا على طهران والهدف منها، علقت "أريان طباطبائي"، باحثة أمريكية من أصول إيرانية في مؤسسة راند البحثية، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، في حديث لها مع موقع "بي بي إس" الأمريكي.
اقرأ أيضاً: مُربع الرعب.. روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية "كابوس" يُقلق منام الأمريكان
وقالت: "من وجهة نظر إيران، فإن الولايات المتحدة فرضت حملة الضغط القصوى هذه في محاولة لعزل طهران؛ لذا، ما تحاول إيران تحقيقه هنا هو إرسال رسالة إلى أمريكا بأنها لا يمكن عزلها".
اقرأ أيضاً: انطلاق المناورات البحرية بين إيران وروسيا والصين في المحيط الهندي
وأضافت أن مسؤولي إيران يحاولون قول: أصغوا، لدينا دعم روسيا والصين، قوتان عظميان، وبالتالي لا يمكن عزلنا"، لافتة إلى أنه "وبالنسبة لكل من روسيا والصين، فإنها أيضًا وسيلة لاستعراض العضلات، لإظهار للولايات المتحدة والمجتمع الدولي أنهما لاعبان رئيسيان في المنطقة"