حينما تحدثت إليها أطلب مقابلتها حتى تتحدث لموقع «أهل مصر»، ردت بكل ترحاب وأعطتنى العنوان وقالت لي: «اسألى الناس لما توصلى فين أم باسم السباكة».. قلت لها أم باسم؟ قالت “اه” “السباكة” تعجبت جدا لها من إصرارها على التأكيد على كلمة “السباكة” فى إشارة إلى حبها الشديد لمهنتها.
شعرت أن تلك السيدة غير أى امرأة أخرى.. من المؤكد أنها تعرضت لظروف معيشية وحياتية جعلتها “بميت راجل” “الأسطى أم باسم السباكة” كما تحب أن يناديها الناس وتفتخر بذلك أول امرأة تعمل بمجال السباكة فى مصر تبلغ من العمر 64 عام ولديها ثلاثة أبناء وأحد عشر حفيدا ذكرتهم بالاسم دون أن تنسى واحدا.
تدخل قلبك للوهلة الأولى حين تراها تحيى الجميع وهى فى الطريق لمحلها الصغير فى حارة النصارى بسوق السلاح فى الدرب الأحمر أو للمنازل حيث تمارس عملها بكل تواضع وتجلس فى “أرضيات الحمامات” لتمارس عملها بكل مهارة.. لو تمعنت فى مشيتها وطريقة إلقاءها التحية على جيرانها من أصحاب المحال والمقاهى تجعلك تندهش ولا تستطيع أن تقول سوى ”بنت بلد فعلا”.
بدأت فى مهنة السباكة منذ 12 عام بعد عدة تجارب فى العمل فشلت ولكنها لم تيأس وظلت تبحث عن العديد من فرص العمل فقررت أن تتعلم التفصيل حتى تتمكن من الإنفاق على أولادها وتربيتهم بعد أن انفصلت عن زوجها وتحملت المسؤولية كاملة.. ثم أشار عليها البعض بمشروع جمعية أغاخان لتعليم المهن والقضاء على البطالة.
ذهبت “أم باسم” لتعلم مهنة التفصيل فقالوا لها إن البرنامج سيبدأ بعد عدة أشهر ولكنها كانت تريد فرصة عمل بأقصى سرعة حيث كانت تعانى من مسؤولية النفقات “كما عبرت” فوجدت “دورة السباكة” وقررت الالتحاق بها لكن مسؤولين التدريب قالوا لها: ”ما ينفعش انتى ست “ ولكنها أصرت على طلب الالتحاق بتدريب السباكة حتى تم فتح باب التقدم للسيدات وبالفعل تقدمت 12 سيدة ولكن بعد فترة قصيرة تركت جميع السيدات التدريب وبقيت وحدها مع الرجال.
واجهت الكثير من الصعوبات فى نظرة الناس لها حتى أن البعض قالوا لها: “سمعة بناتك هتبوظ بسببك”.
كما أن بعض الزبائن كانوا لا يقتنعون بها إذا ما أرسلها أحد لعمل “شغلانه” كما عبرت لأنها “واحدة ست” فبدأت عملها فى البداية بالمجان حيث كانت تقوم بأعمال السباكة لمن تعرفهم وكانوا يحكون عنها وعن مهارتها فى عملها لآخرين فأصبحوا يطلبونها هى تحديدا دون غيرها.
لا تجد الأسطى أم باسم صعوبة فى مهنتها سوى تكسير الحوائط الخرسانية وهو ما يجبرها كما تقول على الاستعانة بأحد زملائها الرجال ودون ذلك لا شيء يعيقها فى إثبات جدارتها فى مهنة كانت حتى وقت قريب مقصورة على الرجال فقط.
يذكر أن أم باسم حصلت على دبلوم تجارة عام 1972 وعملت مع والدها فى ورشته بطلاء المعادن وعملت ببنك مصر وسافرت للعمل فى الكويت فى بداية حياتها.
حين تسمعها تردد بين الحين والآخر “الحمد لله” وابتسامة الرضا لا تفارق وجهها وحين تحكى عن مشاكلها التى تجاوزتها تجعلك تدرك حقا أنك ترى بطلة وليست امرأة "عادية".