ملاحقة ترامب قضائيا هو وفريقه قد تكون هي الفصل الجديد الصادم في السياسة الأمريكية، ولكن الأكثر إثارة للصدمة هو احتمال محاولة ترامب العفو عن أقاربه وفريقه، والأغرب محاولته العفو عن نفسه، وهو سيناريو يثير الحيرة بين القانونيين الأمريكيين،فترامب على الأرجح يخشى كومة من الدعاوى القضائية الشخصية بعدما اقترب موعد خروجه من البيت الأبيض، وفقدانه الحصانة المرتبطة بالمنصب، بالتالي قد يواجه مصير الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يحاكم بتهم تلقي تمويل من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
ومن المحتمل أن يواجه ترامب سيلا من الدعاوى الجنائية، بدءا من مدفوعات مالية غير قانونية إلى تهم بالاحتيال والاغتصاب، حسبما ورد في تقرير لموقع ميدل إيست آي الأمريكي.
ترامب حاول العفو عن نفسه
وذكرت شبكة سي إن إن، أن ترامب كان يسأل مساعديه منذ عام 2017 عما إذا كان بإمكانه العفو عن نفسه، وسأل ترامب أيضا عن العفو عن أسرته، وهو أمر منطقي نظرا لأنهم يعملون معا في منظمة ترامب، وربما شاركوا في أشكال مختلفة من الاحتيال الضريبي معا، وفقاً لمسؤول سابق في البيت الأبيض.
ربما كان الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أن ترامب 'سأل عما إذا كان بإمكانه إصدار عفو استباقي عن أشياء يمكن أن يُتهم الناس بها في المستقبل'، حسب المسؤول السابق.
قائمة العفو السابقة تظهر إلى أي مدى يمكن أن يصل في استخدام سلطته
حتى الآن، تضمنت قرارات العفو الصادرة عن ترامب عفواً عن كريستيان سوسير، الذي اعترف بالذنب لحيازة غير مصرح بها لمعلومات الدفاع الوطني سكوتر ليبي، الذي أدين بالحنث باليمين وعرقلة سير العدالة.
والشرطي جو أربايو، الذي قالت وزارة العدل الأمريكية إنه أشرف على 'أسوأ نمط من التنميط العنصري من قبل وكالة إنفاذ القانون في تاريخ الولايات المتحدة'.
والمليونير كونراد بلاك، الذي ألف كتاباً بعنوان دونالد ج.ترامب: رئيس لا مثيل له، وتظهر قائمة الشخصيات التي عفا عنها الرئيس المنتهية ولايته فجاجته في استغلال سلطته، في السابق، والآن مع تزايد احتمالات ملاحقة ترامب قضائياً هو أسرته وفريقه، فإننا يمكن أن نتوقع تصرفات أكثر غرابة.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية، إن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب يدرس إصدار عفو عن أبنائه ومحاميه، فيما فتحت وزارة العدل الأمريكية تحقيقاً في احتمال دفع رشاوى للبيت الأبيض مقابل العفو.
وأشارت الصحيفة نقلا عن مصدرين وصفتهما بأنهما مطلعان، قولهما إن ترامب ناقش مع مستشاريه إمكانية إصدار عفو وقائي عن أبنائه الثلاثة جونيور، وإريك، وإيفانكا، وزوجها جاريد كوشنر، إضافة إلى محاميه رودي جولياني.
وكان جونيور قد خضع للتحقيق خلال التحقيقات التي أجراها المدعي العام روبرت مولر، بشأن اتصال حملة والده في عام 2016 مع روسيا، للحصول على معلومات تضر بمنافسته الديمقراطية آنذاك هيلاري كلينتون، في اتصالات الحملة مع روسيا للحصول على معلومات حول المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون قبل انتخابات 2016، ولكن في النهاية لم يتم توجيه اتهامات لابن ترامب.
وبخصوص كوشنر، تقول الصحيفة إنه قدم معلومات كاذبة إلى السلطات الفيدرالية حول اتصالاته الخارجية عندما حققوا معه للحصول على تصريح أمني، وهو ما سمح به الرئيس على أي حال.
وبالنسبة لجولياني، فإنه محط اهتمام المدعين الفيدراليين منذ عام 2019، حيث يحققون في دوره مع اثنين من زملائه في الضغط على أوكرانيا، ودفعها لفتح تحقيق حول نجل منافس ترامب جو بايدن للإضرار بالأخير، وهي القضية التي نجا منها ترامب من محاولة محاكمة في الكونغرس بفضل الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ.
ولكن مخاطر الملاحقة القضائية لا تقتصر على أقارب الرئيس وفريقه، ولكن تشمل الرئيس نفسه، إذ إن ملاحقة ترامب قضائياً لم تعد فرضاً نظرياً، بل هي احتمال قائم.
وبالفعل فإن الحديث عن احتمال إصدار قرارات بالعفو يتزامن مع تحقيق تجريه وزارة العدل الأمريكية، في احتمال تحويل أموال إلى البيت الأبيض مقابل إصدار عفو رئاسي، وذلك طبقاً لوثائق تم الكشف عنها في محكمة اتحادية.
هل سيسجن ترامب؟
وسبق أن حذَّر ديفيد جونستون، كاتب سيرة ترامب، من أنَّ الرئيس الحالي قد يواجه عقوبة السجن بمجرد مغادرته المكتب البيضاوي.
وقال جونستون، لمجلة The Washington Monthly: 'سيحدث هذا، إذا كنا أمة تطبق المساواة في العدالة، وثبت ارتكاب ترامب جرائم خطيرة'.
وأضاف: 'لكن لا يمكن التنبؤ بما إذا كان سيتم ملاحقة ترامب قضائياً فعلاً أم لا'.
وقبل الانتخابات، اقترح البعض في واشنطن تشكيل هيكل رسمي من أجل ملاحقة ترامب قضائياً او على الأقل التحقيق معه، بمجرد أن يصبح مواطناً عادياً مرة أخرى.
وقال المدعون في القضية في ملفات المحكمة إنَّ ترامب قد يكون مذنباً بارتكاب عددٍ من الجرائم، بما في ذلك الاحتيال الضريبي والمصرفي والتحايل على التأمينات، فضلاً عن تزوير السجلات التجارية.
وقدَّم مدعو نيويورك في القضية مذكرة استدعاء تخص الوضع الضريبي لترامب لمدة 8 سنوات، التي حاول الرئيس عرقلة صدورها عدة مرات.
وفي يوليو 2020، خسر ترامب الطعن في قرار استدعائه أمام المحكمة من هيئة محلفين كبرى بالولاية.
المحاسبة المتأخرة على قضية التدخل الروسي في الانتخابات
ضمن تقرير المستشار الخاص روبرت مولر، وهو نتيجة تحقيق استمر عامين في التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي هيمنت على عناوين الأخبار عندما كُشِف عنها بالكامل، وجد مولر عدداً من الحالات التي عرقل فيها ترامب سير العدالة.
وكانت إحدى هذه الحالات عندما اقترح ترامب على مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي التوقف عن التحقيق مع مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين، ثم طرد ترامب كومي.
بينما امتنع مولر عن التوصية بتوجيه تهم جنائية، قائلاً إنه لا يمكن توجيه لائحة اتهام إلى الرئيس الحالي، لكن لا يتمتع ترامب بالحماية ذاتها إذا كان خارج المنصب، وبالتالي يمكن ملاحقة ترامب قضائياً بهذه التهم.
انتهاك قانون تمويل الحملات الانتخابية
في عام 2018، حُكِم على المحامي الشخصي لترامب مايكل كوهين بالسجن 3 سنوات بعد اعترافه بانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية والاحتيال الضريبي والكذب على البنوك.
وقال كوهين، خلال شهادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، إنَّ ترامب أمره بدفع أموال لإسكات ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز، التي ادعت أنها أقامت علاقة جنسية مع الرئيس.
يواجه ترامب دعاوى قضائية تزعم أنه انتهك بند المكافآت في الدستور بقبول مدفوعات من مسؤولين أجانب ومحليين يقيمون في فنادق الرئيس.
ويحظر بند المدفوعات أو المكافآت من الحكومات الأجنبية في الدستور على الرئيس قبول أية منافع من الدول الأجنبية، ما لم يحصل أولاً على موافقة الكونغرس.
وتلقى ترامب العديد من الهدايا من قادة أجانب، بما في ذلك نحو 80 قطعة من السعودية تشمل خنجراً مصنوعا من الفضة الخالصة مع غمد من عرق اللؤلؤ.
ويخضع ترامب للتدقيق بسبب قبوله أموالاً أنفقها ممثلون للرياض خلال إقامتهم في فنادق مملوكة للرئيس.
ومن الأمثلة على ذلك، دفع الحكومة السعودية 270 ألف دولار في فندق ترامب في واشنطن، من نوفمبر 2016 إلى فبراير 2017.
إيران قد ترفع دعوى بسبب مقتل سليماني
في وقت سابق من هذا العام، قالت إيران إنها تخطط لرفع دعوى قضائية في المحكمة الجنائية الدولية ضد ترامب، بشأن مقتل الجنرال الإيراني الكبير قاسم سليماني.
وبالرغم من أنَّ القضية لم تُرفَع بعد، والولايات المتحدة لم تعد جزءاً من المحكمة الجنائية الدولية، فإن هناك أدلة قوية على أنَّ ترامب انتهك القانون الدولي.
وكانت أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي، قد قالت سابقاً إنَّ الغارة التي استهدفت سليماني 'تنتهك على الأرجح القانون الدولي'.
ولا يعتقد خبراء قانونيون أن ترامب يواجه احتمالاً واقعياً بالإدانة من المحكمة الجنائية الدولية، لأنَّ الاختصاص القضائي لها لا يغطي هذه الجريمة المزعومة'.
وأشار أستاذ القانون إلى أنَّ العديد من الانتهاكات التي ارتكبها ترامب في التعامل مع الدول الأجنبية من المرجح ألا تُنظَر في أي محكمة.
هل يعفو ترامب عن نفسه؟
قلل فريق ترامب القانوني ومسؤولو الإدارة من احتمال العفو الذاتي (أي أن يعفو ترامب عن نفسه بشكل استباقي).
إذ لا توجد سابقة للقيام بذلك، ولم يتم اختبار دستورية مثل هذا العفو، حيث انقسم الخبراء القانونيون حول ما إذا كان سيكون مشروعاً أم لا.
بحثت وزارة العدل الأمريكية هذا السؤال في عهد نيكسون، وخلصت إلى أنه ليس من سلطة الرئيس أن يعفو عن نفسه.
كتب مكتب المستشار القانوني في أغسطس 1974: 'بموجب القاعدة الأساسية التي تنص على أنه لا يجوز لأي شخص أن يكون قاضياً في قضيته، لا يمكن للرئيس أن يعفو عن نفسه'.
ولكن حددت مذكرة لمكتب المستشار القانوني في وزارة العدل الأمريكية (OLC) الاحتمالات البديلة التي يمكن أن يستفيد منها ترامب، فيمكنه أن يعلن مؤقتاً أنه غير قادر على أداء واجباته الرئاسية، مما يسمح لنائب الرئيس بالعمل كرئيس، بما في ذلك من خلال إصدار عفو عنه، ومن ثم يمكن للرئيس استئناف مهامه كرئيس، أو الاستقالة.
فيما يتعلق بما إذا كان ترامب سيعفو عن نفسه أم لا، يعتقد المساعدون السابقون الذين يقولون إنه لن يفعل ذلك فقط لأن 'القيام بذلك يعني أنه مذنب بارتكاب شيء ما'.
لكن يعتقد آخرون أنه سيحاول فعل ذلك، قال مسؤول البيت الأبيض السابق لشبكة CNN: 'بالطبع سيفعل'، قد تكون المشكلة بالنسبة له أنه قد لا يستطيع فعل ذلك من الناحية القانونية.
ويرى أن هناك سيناريو يبدو مجنوناً، يمكنه فيه التظاهر بالمرض وجعل مايك بنس رئيساً مؤقتاً حتى يتمكن من فعل ذلك.
حتى لو استطاع ترامب العفو عن نفسه أو جعل نائبه بنس يفعل ذلك نيابة عنه، فإن العفو الذاتي سيحميه فقط من الجرائم الفيدرالية ليس من التحقيقات الجارية والدعاوى المدنية الجارية حالياً، بما في ذلك اثنان بقيادة المدعي العام لمنطقة مانهاتن سي فانس ونيويورك والمدعية العامة ليتيسيا جيمس، التي تتابع تهماً جنائية محتملة تتعلق بمنظمة ترامب.