تصاعد القلق من توقف إمدادات الغاز الروسية لأوروبا في الأيام الأخيرة بعد سلسلة من الأحداث المتسارعة بدأت بإيقاف روسيا ضخ الغاز إلى بلغاريا وبولندا ومن ثم إعلان أوكرانيا توقف مرور الغاز عبر أحد الخطوط المارة عبر أراضيها وأخيرا إيقاف غازبروم استخدام خط يامال وفرض موسكو عقوبات على شركات طاقة أوروبية.
بلغة الأرقام تبدو فرص أوروبا في الاستغناء عن الغاز الروسي بشكل فوري أو على المدى القصير محدودة للغاية. في العام الماضي استوردت أوروبا نحو 337 مليار متر مكعب من الغاز نحو 45% من هذا الرقم جاء من روسيا لوحدها أي مايعادل 155 مليار متر مكعب.
خيار الغاز المسال
قد تكون إمدادات الغاز المسال وتحديدا من دول كالولايات المتحدة وقطر قد تكون الخيار الأول على الطاولة وبالفعل صعدت واردات أوروبا من الغاز المسال بنحو 62% خلال الربع الأول من هذا العام وفقا لبيانات منصة Kpler المختصة ببيانات السلع.
تصل قدرات استيراد الغاز المسال في أوروبا إلى 240 مليار متر مكعب تتركز معظمها في إسبانيا على وجه التحديد، وخلال العام الماضي استوردت أوروبا بالفعل 108 مليارات متر مكعب من الغاز المسال مما يعني أن القدرات المتاحة المتبقية تقارب 132 مليار متر مكعب هذا في حال تم استثناء غياب البنى التحتية لاستيراد هذا الغاز في عدة دول أوروبية.
تبدو مهمة الحصول على إمدادات من الغاز المسال بهذه الكمية شبه مستحيلة، فالحصول على هذه الكمية يعني أن على الصين التخلي عن كامل وارداتها من هذا الغاز لعام كامل ولن يكون ذلك كافيا، كما أن هذه الظروف تأتي في وقت تواجه فيه أسواق الغاز شحا في المعروض ويظهر ذلك بشكل جلي في ارتفاع أسعار الغاز في آسيا ووصولها في الولايات المتحدة لأعلى مستوى في نحو 13 عاما.
خطوط من دول أخرى
هذا يعني أن الدول الأوروبية ستحتاج نظريا لزيادة إمداداتها من خطوط أنابيب الغاز القادمة من دول أخرى، وقد سارعت عدة دول أوروبية إلى استخدام هذا الخيار في محاولة لتأمين الإمدادات قبل أن يقع الفأس بالرأس.
تأتي النرويج في المقدمة على اعتبار أنها ثاني أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا. النرويج هذا العام تخطط لزيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا بنحو 4 مليارات متر مكعبة أي مايعادل 3% من صادرات الغاز الروسية لأوروبا.
كانت الجزائر الحل الأمثل بالنسبة لإيطاليا التي تستورد نحو 73 مليار متر مكعب يأتي نحو 40% منها من روسيا لكن أيضا وفقا لقدرات الخط الغاز المباشر الرابط بين البلدين وقدرات التصدير في الجزائر ستكون روما قادرة على استبدال ما يصل إلى ثلث الواردات الروسية فقط حيث نص الاتفاق بين البلدين على زيادة الإمدادات بمقدار 9 مليارات متر مكعب إضافية.
هذا يبقي بعض الخيارات الأكثر محدودية مثل أذربيجان التي تصدر نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى جنوب أوروبا ونحو 6 مليارات إلى تركيا والتي تستطيع في أحسن الأحوال تصدير كميات إضافية ليست بالضخمة.
مخزونات الغاز
على صعيد مستويات المخزون الحالية في أوروبا قد لا تكون في وضع يسمح لها بتحمل أي صدمات مفاجئة. ووفقا لآخر البيانات المتاحة فإن المخزونات الحالية في أوروبا ممتلئة بنسبة 35% أي أنها ستكون مهددة بالنفاد قبل نهاية العام في حال توقف الإمدادات الروسية بالكامل وهو أمر سيترك أوروبا في مواجهة مع شتاء قارس بلا مخزونات غاز.
الحاجة إلى خطة متكاملة
وفقا لخطة كانت قد كشفت عنها المفوضية الأوروبية تستطيع أوروبا التخلي عن ثلثي إمدادات الغاز الروسية وليس كاملها بحلول نهاية العام ولكن بشرط توافر عدة عوامل مجتمعة، بداية من استبدال أوروبا نحو 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي عبر إمدادات الغاز المسال من دول كالولايات المتحدة وقطر ونحو 13.5 مليار متر مكعب عبر خطوط أنابيب من دول أخرى وأن تسهم الطاقة المتجددة وترشيد استهلاك الطاقة بالاستغناء عن نحو 38 مليار متر مكعب.
حتى هذه الأرقام تبدو من وجهة نظر مؤسسات أخرى متفائلة للغاية، وكالة الطاقة الدولية مثلا ترى أن أوروبا تستطيع هذا العام الاستغناء عن 50% فقط من الغاز الروسي وسيكون ذلك أيضا بشرط توافر عدة عوامل قد يصعب تحقيقها في آن واحد.
في ظل محدودية الخيارات قد تجد أوروبا نفسها مضطرة في حال توقف إمدادات الغاز الروسية إلى اتخاذ إجراءات قاسية على مستوى الطلب والاستهلاك مثل إغلاق المنشآت الصناعية في أوقات معينة أو إلزام الأسر بالحد من استهلاك الطاقة أو حتى فرض قطع مؤقت للتيار الكهربائي.