تتجه الجزائر لتعميم تدريس اللغة الإنجليزية بداية من الطور الابتدائي، في خطوة تاريخية أصدرها الرئيس عبد المجيد تبون، وذلك بالتزامن مع احتفال الجزائر بالذكرى الـ60 للاستقلال.
وخصص مجلس الوزراء حيزا لمناقشة البرامج التعليمية، وذلك بعد دراسة عميقة لموضوع اللغة، أخذت بعين الاعتبار الجوانب التاريخية والسياسية والعلمية.
ومن المقرر أن يتم إدراج اللغة الإنجليزية بداية من السنة الثالثة ابتدائي، مع تقليص مساحة تدريس اللغة الفرنسية التي ظلت تسيطر على التعليم الابتدائي، حيث سيتراجع مكانها للغة ثالثة غير ملزمة بداية من الموسم الدراسي القادم.
وحسب تقديرات الخبراء فإن المدرسة الجزائرية الابتدائية تحتاج اليوم لأزيد من 15 ألف أستاذ لتدريس اللغة الإنجليزية بهذا الشكل الجديد.
وقد صنع موضوع اللغة أحد أشكال الصراع الإيديلوجي في الجزائر على مدار 60 عاما، وسط رفض التيار الفرنكفوني، الذي حارب فرض الهوية العربية في التعليم.
وقد تجسد أحد أشكال الرفض عام 1992 عندما دفع بوزير التربية الجزائري الأسبق علي بن أحمد لتقديم استقالته عقب تسريب أسئلة البكالوريا.
وقال بن أحمد حينها: "عملية الإطاحة بي كانت بسبب تفكيري في إدراج اللغة الإنجليزية، بعدما اتخذت القرار وجمعت 2000 معلم للغة الإنجليزية بالتنسيق مع الجامعات البريطانية".
وأمام الانتشار الكبير للغة الفرنسية في الأوساط الجزائرية، فقد صنفت المنظمة الدولية للفرانكفونية، الجزائر في المرتبة العاشرة عالميا من حيث عدد الناطقين باللغة الفرنسية، كما اعتبرتها الجمعية الوطنية الفرنسية، بلداً فرنكفونيا بامتياز.
ورغم المكانة المهمة التي تحتلها اللغة الفرنسية في المجتمع الجزائري، إلا أن الجزائر ترفض الانضمام إلي المنظمة العالمية للفرانكفونية وذلك لأسباب تاريخية وسياسية.
وقال الباحث الجزائري المتخصص في الشأن الثقافي والفكري بوزيدي بومدين أن علاقة المدرسة الجزائرية باللغة الفرنسية تعد حالة استثنائية في العالم العربي، وهي تتعلق بالذاكرة الجماعية لدى الشعب الجزائري الذي يريد التخلص من الميراث الفرنسي.
وقال بومدين لموقع سكاي نيوز عربية: "لقد ظل الصراع اللغوي في الجزائر شكلا من أشكال الصراع على السلطة والنفوذ وصناعة القرار ".
وقد تعثر مشروع تدريس اللغة الإنجليزية عدة مرات، ففي عام 2003 أصدر الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة أوامر بمراجعة المنظومة التعليمية.
وقد تشكلت لجنة خاصة لإصلاح المنظومة التعليمية، أطلق عليها إعلاميا لقب "لجنة بن زاغوا "نسبة لرئيسها الباحث علي بن زاغوا، وكان من بين أبرز مطالبها تعميم تعليم اللغة الإنجليزية.
هدوء حذر في ردود الفعل
واعتبر رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ، الأستاذ عز الدين زروقي أن هذه الخطوة ستمكن الجزائر من التأسيس للمدرسة العصرية التي يطمح إليها الجميع.
وقال زروقي لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذا مطلب قديم لأولياء التلاميذ، ويجب الدفاع عنه بكل الطرق ويحتاج لتهيئة المناخ التربوي الحقيقي من أجل أجيال المستقبل ".
وفي السنوات الأخيرة، ارتفعت الأصوات المطالبة باستبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية في التدريس، وأصبح الموضوع محل نقاش واسع يتم تناوله في عدة مناسبات.
وقال وزير العمل والتشغيل والتضامن الاجتماعي الجزائري تيجاني حسان هدام الأسبق :"اللغة الإنجليزية يجب أن تأخذ مكانة الفرنسية في الجزائر، لأن هذه الأخيرة لم تعد عالمية والإنجليزية أفضل لنا، ونطمح في تطويرها في الجزائر بالإضافة إلى اللغة العربية"
ويرى عضو المجلس الأعلى للشباب الأستاذ بوراس يعقوب أن قرار إدراج اللغة الإنجليزية وتدريسها في الطور الابتدائي، خطوة مهمة لتطوير المدرسة الجزائرية التي تعاني الكثير من المشاكل.
وقال يعقوب: "هذا قرار صائب مقارنة بالتحولات الإقليمية، لن يلقى أي صدام أو تعارض، فكل الأولياء يدعمون هذا الخيار بما يعكس رغبة الجزائر للانفتاح على جميع المستويات".
ورغم حالة الترحيب الواسع بالقرار سواء من خلال التعليقات وردود الفعل الرسمية، إلا أن الحذر يبقى قائما بحسب بعض المراقبين حيث أشارت الكاتبة الصحفية الجزائرية ومديرة جريدة "الفجر" الجزائرية، حدة حزام، إلى أن هناك من تربص بهذا القرار ولم يسمح له بالنجاح.
وقالت حدة: "تدريس الإنجليزية خطوة مهمة والأمر لا علاقة له بمحاربة الفرنسية، وإنما بتمكين الأجيال القادمة من التكنولوجيا والبحث العلمي، هذا القرار سيثير جنون الكثير من الذين حاربوا التعريب في الجزائر بكل الطرق من أجل الحفاظ على مكانة اللغة الفرنسية"