تتزايد طلبات البحث عن عاملين في الولايات المتحدة، من بائعين وندل واختصاصيين وسعاة بريد، نتيجة تقلص اليد العاملة خلال فترة انتشار وباء كوفيد-19، في ظل إحالات على التقاعد وقيود على الهجرة وإصابات بالمرض طويلة الأمد.
علقت لافتات كُتب عليها "مطلوب عمال" على امتداد الطرق، أمام المطاعم أو حتى على الحافلات. فأصحاب الأعمال يسعون إلى توظيف عدد أكبر من الأشخاص في ظل الاستهلاك الجامح للأميركيين، لكن يصعب عليهم إيجاد ضالتهم، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
وكانت حوالى 10 ملايين فرصة عمل شاغرة في يونيو، وفق أحدث المعطيات في هذا الصدد، في حين لم يكن عدد الباحثين عن عمل يتخطى 6 ملايين.
وجاء في بيان صادر عن غرفة التجارة الأميركية "لدينا عدد كبير من الوظائف وعدد غير كاف من العمال... ويطال هذا النقص القطاعات كافة".
توقف كثيرون عن العمل في ربيع 2020 عندما وجه وباء كوفيد-19 ضربة قاسية للاقتصاد الأميركي. وهم لم يعودوا إلى أعمالهم منذ ذلك الوقت.
وأفادت غرفة التجارة "كان ليكون لنا 3.4 ملايين شخص إضافي في سوق العمل... لو بقيت نسبة الانخراط في السوق على حالها كما قبل الجائحة".
أين ذهب هؤلاء العمال؟
كثيرون منهم تقاعدوا عن العمل، "فسكان الولايات المتحدة يتقدمون في السن"، على حسب ما قال نيك بنكر المتخصص في سوق العمل الأميركية والمشرف على الأبحاث الاقتصادية في موقع "إنديد" لإعلانات الوظائف.
وبدأ أبناء جيل طفرة الإنجاب بالانسحاب من سوق العمل قبل وباء كوفيد-19، غير أن "الإحالات على التقاعد تسارعت" في بداية الأزمة الصحية، بحسب ما قالت ديان سوونك، كبيرة الاقتصاديين في شركة "كي بي ام جي".
واختار ملايين الأشخاص التقاعد مبكرا، خشية على صحتهم، مستفيدين من ارتفاع أسعار الأسهم في البورصة والعقارات لإجراء صفقات بيع والانتفاع من مدخراتهم.
ومن المستبعد أن تعود اليد العاملة إلى مستويات ما قبل الجائحة، بسبب تقدم السكان في العمر، وفق نيك بنكر.
وما يعزز هذه الفرضية هو أن "الهجرة ليست بوتيرة كافية للتعويض عن أبناء جيل طفرة الإنجاب الذين ينسحبون من السوق"، بحسب ديان سوونك.
فالقيود المفروضة على الهجرة في عهد دونالد ترمب تسببت بخفض عدد الوافدين إلى النصف بين 2016 و2019. ثم جاء وباء كوفيد-19 لتنخفض الهجرو بشكل أكبر، والتي باتت في 2021 توازي ربع ما كانت عليه في 2016.
وأوضح نيك بنكر "انتعش الوضع قليلا، لكننا لم نبلغ بعد المستويات التي كانت سائدة قبل بضع سنوات".
ويرد "التقاعد المبكر وتراجع الهجرة" في جملة الأسباب التي تقدمها غرفة التجارة الأميركية لتفسير الوضع، فضلا عن المساعدات السخية التي منحتها الحكومة خلال الوباء والتي "زادت من عائدات بعض العاملين الذين ما عادوا بحاجة إلى العمل".
توقفت النساء أيضا عن العمل في 2020 بأعداد كبيرة، بسبب إغلاق المدارس طوال سنة ونصف. ولم تعد كثيرات منهن للعمل بسبب تحديدا نقص اليد العاملة في دور الحضانة.
وأشارت ديان سوونك إلى "تداعيات الجائحة بذاتها" مع أشخاص أصيبوا بالفيروس أو يعانون من كوفيد-19 طويل الأمد، "وهي من المشاكل التي لم تقدّر على حقيقتها ولم تحلّل كما ينبغي وتُبقي أشخاصا بعيدين عن سوق العمل".
ويفاقم هذا الوضع نقص اليد العاملة "ويعقّد بدوره البحث عن عمل"، وفق الخبيرة الاقتصادية.
ولمواجهة هذه المعضلة، لا بد من اجتذاب الناس إلى سوق العمل من جهة ولجم الاستهلاك المفرط للأميركيين من جهة أخرى كي لا تضطر الشركات إلى توظيف هذا العدد الكبير من الأشخاص.
ومن المرتقب أن يستمر هذا النقص لكن قد يتقلص بعض الشي، إذ أن التدابير المتّخذة لمواجهة التضخم الشديد تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد ومن ثم العمالة.
ويستفيد الموظفون راهنا من الوضع مع تزاحم أصحاب العمل على تقديم رواتب أعلى وشروط عمل أفضل.
ويؤدي ذلك إلى ارتفاع الراتب الوسطي الذي بات في القطاع الخاص يوازي 32.27 دولار (زيادة بنسية 5.2 بالمئة في خلال سنة)، ما يغذي بدوره التضخم.
وفي يوليو، انتعشت سوق العمل في الولايات المتحدة مع التعويض عن الوظائف التي تسببت الجائحة بفقدانها والمقدرة بـ 22 مليونا وتراجع البطالة إلى 3.5 بالمئة.