تواجه غزة حاليًا كارثة إنسانية متفاقمة، حيث يفتك العطش والجوع والمرض بسكان القطاع المحاصر، الذين باتوا يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة من ماء نظيف وطعام ودواء. تتفاقم هذه الأزمة الوجودية في ظل ما يُوصف بـعجز عربي غير مسبوق، حيث لم تفلح الجهود الحالية في تقديم الإغاثة الكافية لإنقاذ الوضع المتردي، مما يترك السكان في مواجهة ظروف لا إنسانية تزداد قسوة يومًا بعد يوم.
و حذرت بلدية غزة، في بيان أصدرته اليوم الأحد، من كارثة عطش وشيكة تلوح في الأفق داخل المدينة، مطالبةً بسرعة الاستجابة العاجلة للأزمة. يأتي هذا التحذير مع بدء ارتفاع درجات الحرارة وتزايد حاجة السكان إلى المياه، في ظل تدمير ما يقرب من 75% من آبار المياه في المدينة منذ أكتوبر 2023.
أزمة مياه خانقة: تدمير ممنهج ونقص في الموارد
أفادت البلدية أن المدينة تعيش 'أوضاعاً كارثية' بسبب الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية للمياه. فبالإضافة إلى تدمير الجيش الإسرائيلي لنحو 75% من آبار المياه، تعاني الآبار المتبقية من نقص حاد في الوقود اللازم لتشغيلها. وتفاقمت الأزمة بسبب تقطع فترات ضخ مياه 'ميكروت' (شركة المياه الوطنية الإسرائيلية)، مما أدى إلى حالة عطش شديدة يعيشها سكان المدينة.
وحذرت البلدية من أن استمرار هذه الأوضاع قد يؤدي إلى 'أزمات صحية وبيئية خطيرة' إذا لم تتدخل الجهات والمنظمات الدولية بشكل عاجل لتوفير الإمكانيات المطلوبة، والوقود، وإعادة تأهيل المرافق المدمرة وتشغيلها، وتوفير المياه للمواطنين.
تراجع كارثي في كميات المياه المتاحة
أكدت بلدية غزة أن كميات المياه المتوفرة حالياً لا تتجاوز 35 ألف متر مكعب يومياً، وهو ما يمثل تراجعًا حادًا مقارنة بـ 120 ألف متر مكعب كانت تضخ قبل الحرب على القطاع في مثل هذه الفترات. هذه الكمية تُعد 'شديدة الانخفاض' مقارنة بالاحتياج الفعلي للمدينة.
تتوزع الكمية المتوفرة حالياً بين نحو 20 ألف متر مكعب من مياه 'ميكروت'، و15 ألف متر مكعب تنتجها آبار البلدية التي تعمل لساعات محدودة جداً بسبب نقص الوقود والكهرباء، بالإضافة إلى كميات محدودة جداً من الآبار الخاصة.
تحديات الوصول والتوزيع والدمار الشامل
لا تصل هذه الكميات الشحيحة إلى جميع مناطق المدينة، نتيجة استمرار الحرب التي تعيق وصول الطواقم الفنية إلى نقاط التوزيع والصيانة في عدة مناطق بسبب خطورتها. فضلاً عن ذلك، لا يتوفر أي مصدر للمياه في مناطق واسعة نتيجة لتدميرها بالكامل، بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي طال شبكات المياه ذاتها.
وأشارت بلدية غزة إلى أن أبرز التحديات التي يواجهها قطاع المياه حالياً تتمثل في:
تدمير الجيش نحو 63 بئراً.
تدمير 115 ألف متر طولي من شبكات المياه.
تدمير 4 خزانات رئيسة للمياه.
تدمير محطة التحلية المركزية في شمال غرب المدينة، والتي كانت تنتج نحو 10 آلاف متر مكعب من المياه يومياً قبل الحرب.
يُعد عدم توفر الوقود والطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل مرافق المياه تحديًا هائلاً آخر أمام ضمان توفير المياه للسكان. وقد توقفت محطة تحلية المياه في شمال غزة عن العمل بالكامل، مما دفع غالبية السكان إلى الاعتماد على مصادر مياه غير آمنة أو على محطات تعبئة خاصة لا يستطيع كثيرون تحمل تكاليفها.
نزوح السكان وتفاقم الأزمة الإنسانية
أضافت بلدية غزة أن نزوح مئات الآلاف من المواطنين من محافظة شمال غزة وشرق المدينة إلى مناطق وسط وغرب المدينة، قد زاد من حجم الاحتياجات، وتسبب في ضغط كبير على شبكات المياه، مما فاقم الأزمة المائية وشكل عبئًا هائلاً على البلدية.
وأوضحت البلدية أن أزمة المياه لم تعد مجرد تحدٍ خدمي، بل أصبحت أزمة وجود حقيقية. فقد تراجعت حصة الفرد اليومية من المياه خلال الحرب إلى ما بين 3 و12 لتراً، مقارنة بالحد الأدنى المطلوب دولياً والبالغ 100 لتر يومياً. وفي بعض مراكز النزوح، لا يحصل الفرد إلا على 1.5 لتر فقط، وهي كمية لا تكفي حتى لأغراض الشرب. وفي ظل هذه الأوضاع، حددت المؤسسات الدولية حداً أدنى لاستهلاك المياه في قطاع غزة بواقع 15 لتراً يومياً للفرد.
طالبت بلدية غزة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بسرعة الاستجابة وتوفير الاحتياجات الطارئة والعاجلة، للتخفيف من حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها المدينة، ولمساعدة البلدية في تأمين الحد الأدنى من كميات المياه اللازمة للسكان.
وأكدت البلدية أن تلبية الاحتياجات العاجلة لإعادة توفير المياه والتخفيف من حدة الأزمة تتطلب توفير:
مواسير وقطع غيار لصيانة الآبار.
معدات تشغيل ووقود.
أجهزة طاقة وخزانات مياه كبيرة.
إعادة تأهيل محطات التحلية التي تعرضت للتدمير.