كشف تقرير موسع لصحيفة 'وول ستريت جورنال' عن تفاصيل غير مسبوقة حول الهجوم الإسرائيلي على إيران، والذي استمر 12 يومًا، مستندًا إلى مقابلات مع 18 مسؤولًا أمنيًا إسرائيليًا وأميركيًا حاليين وسابقين. وألقى التقرير الضوء على عملية 'نارنيا' الخيالية التي استهدفت قلب البرنامج النووي الإيراني، مخلفة وراءها تساؤلات حول مدى تحقيق إسرائيل لأهدافها الاستراتيجية.
"عملية نارنيا": اغتيال العلماء النوويين والدهشة العالمية
في تطور مفاجئ هزّ العالم، تمكنت إسرائيل من تنفيذ هجوم دقيق ومباغت على الأراضي الإيرانية، أثار دهشة المتابعين لقدرته على الجمع بين المعلومات الاستخباراتية الدقيقة والدقة العسكرية المتناهية. ولم يكن هذا النجاح الوحيد، فقد كشف التقرير عن تفاصيل 'عملية نارنيا'، التي سُميت تيمنًا بالسلسلة الروائية الشهيرة للكاتب سي إس لويس، نظرًا لطابعها الخيالي.
تضمنت هذه العملية اغتيال تسعة من أبرز العلماء النوويين الإيرانيين بشكل شبه متزامن داخل منازلهم في العاصمة طهران. وقد تطلّب تنفيذ هذه الهجمات حيلًا معقدة لضمان عنصر المفاجأة، وعلى الرغم من أنها 'كادت تنهار في اللحظة الأخيرة'، إلا أنها حققت أهدافها المباشرة.
تساؤلات حول الأهداف النهائية والمخاطرة الإسرائيلية
على الرغم من النجاح الأولي، لا تزال تساؤلات تلوح في الأفق حول ما إذا كانت إسرائيل، التي تلقت لاحقًا مساعدة بضربة جوية ضخمة على المواقع النووية الإيرانية من الولايات المتحدة، قد حققت أهدافها الحربية بالكامل. تشير 'وول ستريت جورنال' إلى وجود تقارير متضاربة حول حجم الأضرار التي لحقت بالمواقع النووية، وما إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة قادرتين على منع إيران من إعادة بناء ما دُمّر.
يؤكد التقرير أن إسرائيل 'خاضت مخاطرة جسيمة' عند تنفيذ هذا الهجوم. فقد كان أمامها خياران: إما إصابة أهدافها البشرية دفعة واحدة، أو الإخفاق ومنح طهران فرصة لتشتيت العناصر المستهدفة، مما كان سيؤدي إلى رد إيراني أشد قسوة وبقاء الطموحات النووية الإيرانية على حالها.
أشار اللواء عوديد باسيوك، رئيس مديرية العمليات العسكرية الإسرائيلية والمهندس الرئيسي للعملية، إلى مدى صعوبة التخطيط لمثل هذه العملية: 'عندما بدأنا التخطيط لهذا الأمر بالتفصيل، كان من الصعب جدًا معرفة ما إذا كان سينجح.'
تعود أصول العملية إلى منتصف التسعينات، عندما رصدت المخابرات الإسرائيلية لأول مرة 'محاولات إيرانية ناشئة لبناء برنامج أسلحة نووية'. ومنذ ذلك الحين، بدأت المخابرات الإسرائيلية في بناء شبكة واسعة من العملاء داخل إيران لتسهيل حملة تخريب، شملت تفجيرين في أحد مواقع التخصيب الرئيسية واغتيال بعض العلماء.
ومع ذلك، قرر المسؤولون الإسرائيليون أن هذه الأنشطة لم تكن كافية، وأنهم سيحتاجون في النهاية إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني و'العقول المدبرة للأنشطة النووية الإيرانية' جوًا. هذه المهمة كانت بالغة الصعوبة نظرًا لبعد المواقع المستهدفة التي تبعد أكثر من 1000 ميل عن إسرائيل. تطلب الأمر تدريبًا مكثفًا للطيارين على التحليق بتشكيلات معقدة وإتقان التزود بالوقود في الجو وإصابة الأهداف بدقة متناهية.
في عام 2008، وفي إطار ما كان يسمى عملية 'إسبرطة'، طار أكثر من 100 طائرة إسرائيلية من طراز F-15 وF-16 إلى اليونان لاختبار قدرتهم على الطيران لمسافات كافية لضرب المنشآت النووية الإيرانية. كما تم اختبار هذه القدرات بشكل أكبر خلال استهداف المتمردين الحوثيين في اليمن وتدمير أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية المتقدمة من طراز S-300 الروسية في هجمات أبريل وأكتوبر 2024.
التخطيط الاستراتيجي وتمهيد الطريق
واصل المخططون العسكريون الإسرائيليون التخطيط لهجوم شامل، بما في ذلك حرب متعددة الجبهات مع وكلاء إيران مثل حماس وحزب الله. وخلال حرب غزة، قضت إسرائيل ما يقرب من العامين الماضيين في 'سحق حماس'، كما أضعفت 'حزب الله' بشدة خلال حرب لبنان العام الماضي. وفي تطور حاسم، أطاحت المعارضة السورية بالحكومة، مما أسس لحكومة مناهضة لإيران، ومهد الطريق للطائرات الإسرائيلية لعبور المجال الجوي السوري دون عوائق.
بحلول ذلك الوقت، كانت شبكات التجسس الإسرائيلية داخل إيران واسعة بما يكفي لتتبع حركة القادة العسكريين وإنشاء قواعد للطائرات بدون طيار داخل البلاد، والتي لعبت دورًا حاسمًا في تدمير أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية خلال الهجوم. ومع وجود كل هذه العناصر في مكانها، تكثفت خطط الهجوم.
عملية 'الزفاف الأحمر' والتمويه الإسرائيلي
مع شعور إسرائيل بأن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تقترب من صنع قنبلة نووية، أطلقت عملية تهدف إلى تصفية العلماء الإيرانيين القادرين على استخدام الوقود النووي لصنع سلاح نووي.
في نوفمبر 2024، جمعت القيادة العسكرية الإسرائيلية حوالي 120 من مسؤولي الاستخبارات والقوات الجوية لتحديد الأهداف، ونتج عن ذلك قائمة تضم أكثر من 250 هدفًا، بما في ذلك العلماء، المنشآت النووية، ومنصات إطلاق الصواريخ، إضافة إلى كبار القادة العسكريين الإيرانيين.
كان ضمان التفوق الجوي من أولويات الخطة، وتم ذلك عبر تقاطع آلاف المصادر الاستخباراتية لرسم خريطة شاملة لمنظومات الدفاع الجوي الإيرانية. وقد لعب جهاز الموساد دورًا حاسمًا في تهريب مكونات مئات الطائرات المسيرة الصغيرة المزودة بالمتفجرات إلى داخل إيران، استعدادًا لتدمير مواقع الدفاع الجوي ومنصات الصواريخ.
لضمان المفاجأة، نفذت القيادة الإسرائيلية عملية تمويه معقدة. ففي 9 يونيو، اتخذ نتنياهو ومستشاروه العسكريون قرار الهجوم، وفي الوقت نفسه، أعلن مكتب نتنياهو عن إجازة له وعن حفل زفاف ابنه. كما سرب مسؤولون إسرائيليون تقارير لوسائل الإعلام تشير إلى خلاف بين نتنياهو وترمب حول شن الهجوم، في محاولة لخداع الإيرانيين بأن إسرائيل لن تهاجم بدون إذن ومشاركة الولايات المتحدة.
اللحظة الحاسمة: "خطأ إيراني حكم على المسؤولين بالموت"
كان الجزء الأساسي من الخطة النهائية، الذي عُرف باسم 'الزفاف الأحمر'، يهدف إلى القضاء على قيادة القوات المسلحة الإيرانية دفعة واحدة، لتقليص حجم الرد المتوقع. ومع اقتراب الطائرات الإسرائيلية، ظهر تحدٍ مفاجئ حيث بدأ قادة القوات الجوية الإيرانية بالتحرك.
ولكن المفاجأة التي صدمت القادة الإسرائيليين هي أن المسؤولين الإيرانيين، بدلًا من التفرق، اجتمعوا في موقع واحد، ليحكموا على أنفسهم بالموت. وبعد دقائق، انطلقت الصواريخ الإسرائيلية. في الوقت نفسه، هزّت الانفجارات منازل العلماء النوويين الإيرانيين، وأسفرت عن مقتل تسعة منهم في هجمات متزامنة تقريبًا لمنعهم من الاختباء أو الهرب.
نجحت 'عملية نارنيا' في تحقيق أهدافها الأولية، حيث استهدفت الصواريخ الإسرائيلية مواقع الرادار، وبطاريات الدفاع الجوي، وصواريخ أرض-أرض إيرانية. وتمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من تأكيد مقتل معظم الأهداف البشرية المحددة. وفي غضون أربع ساعات تقريبًا، انتهت العملية الافتتاحية.
وخلال الأيام التالية، واصلت المقاتلات الإسرائيلية قصف مواقع إنتاج الصواريخ الباليستية والمنشآت النووية ومنصات الإطلاق، بالإضافة إلى تعقب وقتل قيادات عسكرية وعلماء نوويين إيرانيين، حتى تم الإعلان عن وقف إطلاق النار.
على الرغم من الخسائر التي تكبدتها إيران، إلا أن التقرير يشير إلى أنها لا تزال تملك القدرة على التعافي، وقد تعود أكثر إصرارًا من أي وقت مضى على امتلاك سلاح نووي. وتبقى التساؤلات مطروحة حول المدى البعيد لنجاح هذه العملية في تعطيل البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم.