كشفت هيئة البث العبرية الرسمية اليوم عن أرقام صادمة تتعلق بتزايد حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023. فقد أقدم 54 جندياً إسرائيلياً على إنهاء حياتهم خلال هذه الفترة، من بينهم 16 حالة سُجلت منذ مطلع عام 2025 وحده.
تفاصيل الحصيلة والزيادة الملحوظة
توزعت حالات الانتحار المسجلة منذ بداية العام الحالي بواقع 8 جنود في الخدمة النظامية، و7 من قوات الاحتياط، وجندي واحد في الخدمة الدائمة. تأتي هذه الأرقام لتضاف إلى 21 حالة انتحار في عام 2024 و17 حالة في عام 2023. ويُلاحظ أن الارتفاع الأكثر بروزاً في معدلات الانتحار كان بين قوات الاحتياط، الذين يشاركون بشكل مباشر في العمليات القتالية في غزة، مما يشير إلى الضغط النفسي الهائل الذي يتعرضون له.
أعداد كبيرة من الجنود يعانون من اضطرابات نفسية
تؤكد التقارير الإسرائيلية أن الأزمة النفسية تمتد لتشمل آلاف الجنود، حيث تم تشخيص ما يقرب من 3770 عسكرياً باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). كما يُقدر أن حوالي 10 آلاف جندي من أصل 19 ألف جريح ظهرت عليهم أعراض نفسية منذ بدء الحرب. يخضع هؤلاء الجنود حالياً للرعاية النفسية في قسم إعادة التأهيل التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية، ويحاول الجيش احتواء الأزمة من خلال تنظيم ورش عمل لتعزيز "الصمود النفسي" وتوجيه الجنود إلى متخصصين نفسيين عسكريين.
حالات فردية تسلط الضوء على الأزمة
في أحدث الحالات المأساوية، أعلن الجيش الإسرائيلي يوم الاثنين عن العثور على جندي الاحتياط "آرئيل تمان" ميتاً داخل منزله في مستوطنة أوفاكيم جنوب البلاد، إثر انتحاره. كان تمان يعمل ضمن وحدة التعرف على جثث الجنود، وهي مهمة تُعرف بارتباطها بصدمات نفسية شديدة. وفي سياق متصل، رفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي دوفرين، في 15 يوليو الجاري الكشف عن بيانات رسمية لعدد حالات الانتحار المسجلة خلال عام 2025، مما يثير مخاوف بشأن محاولة المؤسسة العسكرية حجب المعلومات الحقيقية عن الرأي العام.
خسائر بشرية ونفسية تتجاوز المعلن
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي واسع النطاق على قطاع غزة، والذي أودى بحياة 893 جندياً إسرائيلياً وأصاب 6108 آخرين، وفقاً للبيانات الرسمية للجيش. ومع ذلك، يشكك مراقبون في دقة هذه الأرقام، ويرون أنها لا تعكس الحجم الحقيقي للخسائر البشرية.
ويخوض الجيش الإسرائيلي هذه الحرب التي بدأت منذ أكثر من 9 أشهر بدعم مباشر من الولايات المتحدة، وتصفها تقارير بأنها تشمل القتل الجماعي والتجويع الممنهج والتدمير الواسع وتهجير السكان قسراً، في تحدٍّ للنداءات الدولية وقرارات محكمة العدل الدولية. وقد أسفرت هذه الحرب عن مقتل وإصابة أكثر من 205 آلاف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى نحو 9 آلاف مفقود.
أزمة نفسية عميقة داخل الجيش الإسرائيلي
يرى متخصصون أن الجيش الإسرائيلي يواجه واحدة من أسوأ أزماته النفسية والمعنوية في تاريخه، نتيجة لطول أمد المعركة، وغموض نتائجها، وتوالي الصدمات التي يتعرض لها الجنود وعائلاتهم. يؤكد محللون أن ارتفاع معدلات الانتحار وتزايد حالات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة يمثلان مؤشراً خطيراً على اهتزاز المعنويات، وتآكل ثقة كثير من الجنود بمبررات الحرب وأهدافها.
وفي الوقت الذي تحاول فيه القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، تشير المعطيات المتسارعة إلى أن الكلفة النفسية والبشرية للحرب على غزة تمثل تحدياً متعاظماً لا يمكن تجاهله، مع تفاقم الضغوط الاجتماعية والسياسية والدولية التي تحاصر إسرائيل من كل الجهات.