صنعاء: في خطوة تعكس تزايد نفوذ جماعة الحوثي وسيطرتها على المشهد السياسي في المناطق الخاضعة لسيطرتها، أقدمت قيادة جناح حزب "المؤتمر الشعبي العام" في العاصمة صنعاء على فصل أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس الراحل، من عضوية الحزب ومن منصبه كنائب لرئيسه.
هذا القرار، الذي يأتي تحت ضغط حوثي مكثف، أعلن عنه حسين حازب، عضو الأمانة العامة للحزب الموالي للحوثيين، عبر تغريدة على منصة "إكس". وأشار حازب إلى أن اللجنة العامة للحزب صادقت بالإجماع على تقرير الرقابة التنظيمية الذي أوصى بإلغاء قرار تصعيد أحمد علي إلى منصب نائب ثالث لرئيس الحزب، إضافة إلى فصله نهائيًا من عضويته.
ويُعد هذا الفصل تتويجًا لسلسلة من الإجراءات التصعيدية التي اتخذها الحوثيون ضد نجل صالح، والتي شملت إصدار حكم بإعدامه ومصادرة ممتلكاته في وقت سابق. كما يأتي بعد أيام من منع الحزب من الاحتفال بذكرى تأسيسه في 24 أغسطس واعتقال أمينه العام غازي الأحول ومدير مكتبه.
وكان نجل صالح قد ندد في كلمة له بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب بما وصفه بـ "الحملة الشرسة وغير المُبرَّرة" التي يواجهها "المؤتمر" من قبل الحوثيين. وأوضح أن اعتقال الأحول والقيادات الأخرى يظهر أن الجماعة لا تؤمن بـ "الشراكة الوطنية، الحوار، التعدد، أو الديمقراطية". وأكد أن "المؤتمر" سيبقى حزبًا وطنيًا يحكمه القانون بعيدًا عن أي إملاءات.
ويؤكد المراقبون أن قرار الفصل يمثل سياسة "التطويع الكامل" التي تنتهجها الجماعة ضد حلفائها السابقين. ويسعى الحوثيون لتحويل جناح "المؤتمر" في صنعاء إلى مجرد واجهة سياسية تابعة لهم، خالية من أي قيادات قد تشكل تهديدًا أو حتى شريكًا في صنع القرار.
يُذكر أن صادق أبو راس ظل في منصبه كرئيس للحزب بعد تصفية مؤسسه علي عبد الله صالح، لكن دوره ظل شكليًا ومحدودًا. وفي المقابل، كان أحمد علي صالح قد اعتزل الظهور العام لسنوات بعد فرض عقوبات أممية عليه، والتي رُفعت في العام الماضي بعد جهود رئاسية مدعومة من تحالف إقليمي.
تحليل إخباري: تآكل الشراكات السياسية في ظل الهيمنة المطلقة
ما حدث داخل حزب "المؤتمر الشعبي العام" في صنعاء لا يمثل مجرد نزاع داخلي، بل هو انعكاس واضح للتوجه السياسي للجماعة المسيطرة على المشهد. إن فصل أحمد علي عبد الله صالح، نجل الزعيم الراحل، من الحزب ليس إلا خطوة أخرى في سياسة تفكيك أي نفوذ مستقل أو محتمل قد يشكل تحديًا لسلطتها.
تعمل الجماعة بشكل ممنهج على تفريغ الأحزاب السياسية من محتواها القيادي الذي قد يمثل أي شرعية تاريخية أو شعبية. فبعد التخلص من علي عبد الله صالح نفسه، تحاول الجماعة الآن محو أي أثر لعائلته داخل المؤسسات التي أسسها. هذا التكتيك يهدف إلى ضمان أن أي كيان سياسي يعمل في مناطق سيطرتها يجب أن يكون تابعًا بالكامل لها، لا شريكًا.
إن منع الحزب من الاحتفال بذكرى تأسيسه واعتقال أمينه العام يُظهران أن الجماعة لا تقبل حتى بـ الوجود الرمزي للأحزاب الأخرى. هذه الإجراءات ليست مجرد ضغط، بل هي رسالة قوية بأن الحريات السياسية والديمقراطية هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأن أي محاولة لإظهار الاستقلالية ستُقابل برد فعل عنيف.
في نهاية المطاف، يكشف هذا التقرير عن حقيقة بسيطة ولكنها خطيرة: لا يوجد مجال للتعددية السياسية أو الشراكة الوطنية في ظل سياسة الهيمنة المطلقة. الأحزاب والقوى السياسية إما أن تكون تابعة بالكامل وتعمل كواجهة، أو أنها ستُستبعد وتُقمع. وهذا يضع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل أي حوار أو حل سياسي يستند على مبدأ الشراكة.