أثار تداول وثيقة وُصفت بـ“المزعومة” على وسائل إعلام ومنصات اجتماعية تونسية حالةً من الجدل السياسي والقانوني الواسع، بعدما قيل إنها تتضمن اتفاقية أمنية بين تونس والجزائر تسمح بتدخل الجيش الجزائري داخل الأراضي التونسية في حال وقوع اضطرابات داخلية تهدد النظام القائم.
وبحسب ما ورد في نص الوثيقة المتداولة، فإن الاتفاقية المفترضة تمنح الجزائر حق التدخل العسكري لإعادة “النظام العام والأمن” في تونس في حال حدوث اضطرابات خطيرة، أو تمرد، أو محاولة انقلاب. كما تنص على التزام تونس بعدم إبرام أي اتفاقيات أو شراكات أمنية أو عسكرية مع أطراف أجنبية أخرى دون الرجوع إلى الجزائر.
اتهامات بالمساس بالسيادة وتشكيك في صحة الوثيقة
الوثيقة أثارت ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية والحقوقية؛ إذ اعتبرها معارضون مساسًا مباشرًا بالسيادة الوطنية وتفريطًا في استقلال القرار التونسي، فيما شكك آخرون في صحتها، مطالبين السلطات الرسمية بالخروج بتوضيح أو تكذيب صريح.
وقال أنور الغربي، المستشار السابق للرئيس الأسبق منصف المرزوقي، إن هذه الوثيقة – في حال صحتها – تمثل “أخطر اتفاقية على حرية التونسيين وكرامتهم”، معتبرا أنها تحول تونس إلى كيان تابع، وتضع السلطة القائمة أمام مسؤوليات قانونية جسيمة.
من جانبه، اعتبر الناشط الحقوقي عز الدين الحزقي أن البلاد تواجه “اتفاقيتين كارثيتين”، الأولى مع الاتحاد الأوروبي، والثانية مع الجزائر، داعيا إلى الشفافية الكاملة وتوضيح حقيقة ما يجري للرأي العام.
مطالب بالتحقيق والمساءلة البرلمانية
ووصف الوزير السابق المبروك كرشيد الوثيقة بأنها “أسوأ من اتفاق الحماية الفرنسية لعام 1881” إذا ثبتت صحتها، مطالبا البرلمان بالتحرك العاجل والاستماع إلى وزير الدفاع للكشف عن حقيقة الأمر.
كما دعا وسام الصغير، الناطق باسم الحزب الجمهوري، السلطات إلى تقديم توضيح رسمي حول الوثيقة، وما إذا كانت اتفاقا حقيقيا أو مجرد وثيقة مفبركة يتم توظيفها سياسيا.
أما الجنرال المتقاعد كمال العكروت، فاعتبر أن أي اتفاق يسمح لقوة أجنبية بالتدخل ضد الشعب التونسي يُعد “خيانة عظمى” في حال صحته، محذرا من خطورة الاستقواء بالخارج لحسم الخلافات الداخلية.
محمد عبو: الوثيقة غير موقعة وقد تكون زائفة
في المقابل، قدّم وزير الوظيفة العمومية ومكافحة الفساد الأسبق محمد عبو قراءة قانونية وسياسية أكثر تحفظًا، مشيرًا إلى أن اتفاق تعاون دفاعي مشترك بين وزارتي الدفاع في تونس والجزائر تم الإعلان عنه رسميًا في 7 أكتوبر 2025، مع نشر صور لتوقيعه بين وزيري الدفاع في البلدين.
وأوضح عبو أن الوثيقة التي يجري تداولها حاليًا غير موقعة، وقد تكون زائفة أو محرّفة، مشددًا على أن أي اتفاق من هذا الحجم والخطورة لا يمكن أن يمر دون مصادقة البرلمان التونسي.
وأكد أن إرسال وحدات من الجيش الجزائري إلى خارج البلاد يخضع، وفق الدستور الجزائري، لقرار من رئيس الجمهورية وموافقة ثلثي أعضاء غرفتي البرلمان، مشددًا في الوقت ذاته على أن مسألة الشرعية الدستورية في تونس يجب أن تبقى من اختصاص القضاء، لا الجيوش الأجنبية.
وختم بالقول إن الجيش التونسي كان ولا يزال المؤسسة الأكثر ثقة في الشأن العسكري، ولا يمكن القبول بتنفيذ أي قوة أجنبية لمهام أمنية أو عسكرية داخل التراب التونسي، “حتى لو كانت دولة شقيقة أو صديقة”.