ads
ads

إقبال غير مسبوق من الشباب في ألمانيا على اعتناق الإسلام والسبب صمود غزة

ألمانيا
ألمانيا

يشهد المشهد الديني في ألمانيا ظاهرة لافتة تتمثل في تزايد أعداد الشباب والشابات المقبلين على اعتناق الإسلام في السنوات الأخيرة، وهي ظاهرة باتت تثير اهتمام الباحثين والمؤسسات الدينية والأمنية على حد سواء. قصص التحول المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي تكشف أبعادًا إنسانية وروحية وشخصية عميقة، لكنها في الوقت ذاته ترتبط بتحولات اجتماعية أوسع، وبقضايا عالمية مثل الحرب في غزة والبحث عن الهوية في مجتمع سريع التغير.

تجارب شخصية قوية: من الدهشة إلى اليقين

قصة "لِيا" التي انهارت باكية عند سماع الأذان لأول مرة، وقصة "إيفا" التي لم تستطع تقبّل عقيدة الثالوث فوجدت الطمأنينة في الإسلام، وقصة "ماكس" الذي قادته مواقف سكان غزة وصمودهم إلى التساؤل عن مصدر قوتهم الروحية… جميعها نماذج تعبّر عن عمق التحولات الشخصية التي يعيشها "المسلمون الجدد".

أما "سلمان" الذي غيّر اسمه بعد دخوله الإسلام، فقد وجد في القرآن بداية جديدة بعد سنوات من الإدمان والتيه في شوارع برلين، ليبدأ رحلة روحية مختلفة تمامًا عن ماضيه.

هذه النماذج ليست استثناء، بل تمثل جزءًا من موجة كبيرة تتجلى بوضوح في منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام، حيث ينتشر آلاف الفيديوهات لشباب ألماني يروي تجاربه مع الإسلام وكيف غيّر معتقده الجديد مسار حياته.

الإعلام الجديد.. من الشرارة الأولى إلى بوابة المعرفة

البحث السريع عبر يوتيوب باستخدام عبارة konvertieren zum Islam يكشف حجم المحتوى الذي ينتجه "المسلمون الجدد"، والذي أصبح مصدر إلهام وإجابة للباحثين عن معنى الحياة، وعن الانتماء، وعن الأسئلة الوجودية التي لا يجدون لها جوابًا في محيطهم.

ومع أن هذه المنصات تُعد مساحة حرة للبحث الروحي، فإن المخابرات الألمانية حذّرت في تقرير داخلي من استغلال مؤثرين متطرفين لهذه الظاهرة، عبر محتوى مبسّط وسريع يجذب المراهقين، ويقود بعضهم — من دون وعي — إلى ارتكاب مخالفات قانونية.

هذا القلق لا يقتصر على الأجهزة الأمنية، بل يمتدّ إلى آلاف المساجد والمراكز الإسلامية في ألمانيا التي تعتبر نفسها مسؤولة عن توجيه هؤلاء الشباب وتوفير المعرفة الدينية الصحيحة بعيدًا عن التطرف.

المساجد تتحول إلى منصات رقمية

دراسة صادرة عن مؤسسة Mediendienst Integration كشفت أن نحو 480 مسجدًا وأكثر من 100 مركز إسلامي كثّفت خلال السنوات الأخيرة حضورها على السوشيال ميديا، خصوصًا بعد جائحة كورونا.

وتشير الدراسة إلى أن المساجد باتت تستخدم فيسبوك وتيك توك وإنستغرام للوصول إلى الشباب وتقديم المعلومات الدينية الموثوقة باللغة الألمانية، رغم معاناتها من نقص التمويل والخبرة التقنية.

هذا التحول مكّن كثيرين من العثور على محتوى موثوق يساعدهم في فهم الإسلام بطريقة منهجية ورصينة.

أرقام ودلالات: خارطة المسلمين في ألمانيا

عدد المسلمين: 5.5 ملايين (نصفهم تقريبًا يحمل الجنسية الألمانية).

نسبتهم السكانية: 6.6% من إجمالي 83.5 مليون نسمة.

متوسط الأعمار: 32 عامًا (أصغر بكثير من معدل المجتمع الألماني).

الانتماءات: 45% من تركيا، 27% من بلدان عربية، 19% من البلقان، 9% من إيران وأفغانستان.

المذاهب: 75% سُنّة، 4% شيعة، 8% علويون.

المتحوّلون إلى الإسلام: بين 10 آلاف و100 ألف سنويًا بحسب تقديرات بحثية.

هذه الأرقام تكشف أن الإسلام يشكل ثاني أكبر الديانات في ألمانيا بعد المسيحية، وأن التحول إليه بات جزءًا من المشهد الديني المتعدد في البلاد.

الخبراء: السوشيال ميديا بوابة، لكن الطريق الروحي أعمق

في حديثهما للجزيرة نت، يرى البروفيسور فيليكس كورنر والباحث محمد منصور دوغان من جامعة هومبولت أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دورًا مركزيًا في تعريف الشباب بالإسلام، لكنهما يختلفان في تقييم درجة تأثيرها.

دوغان يؤكد أن تيك توك على وجه الخصوص يمنح الشباب مساحة لمشاركة تجاربهم الروحية بصدق وعاطفة، وأن الخوارزميات التي تعزز المحتوى العاطفي تساعد في دفعهم لطرح أسئلة وجودية لأول مرة.

أما كورنر فيرى أن التحول الديني يحتاج إلى عمق وصبر وروحانية، ويحذّر من أن الضجيج الرقمي قد لا يكون البيئة المثالية لهذا النوع من التغييرات العميقة، رغم اعترافه بأن السوشيال ميديا لعبت دورًا فعليًا في لفت الانتباه إلى الإسلام.

موقع Sozialwissenschaft المختص بعلم الاجتماع، يضع تأثير السوشيال ميديا في المرتبة الثالثة لأسباب التحول إلى الإسلام، ويشير إلى أن "تيك توك" يقدم الإسلام للشباب كنمط حياة عصري، ويجيب على أسئلتهم اليومية بأسلوب بسيط ومباشر.

هل لغزة دور؟

يشير عدد من المتحولين، مثل ماكس، إلى أن الحرب في غزة لعبت دورًا كبيرًا في دفعهم للتساؤل حول الإيمان والصبر والهوية. صور الصمود الفلسطيني ومشاهد التكافل والتمسك بالعقيدة جعلت كثيرين يعيدون النظر في تصوراتهم عن الإسلام والمسلمين.

هذا العامل — إلى جانب عوامل روحية وشخصية — بات جزءًا من معادلة التحولات الدينية لدى الجيل الشاب في ألمانيا.

كيف يتعامل المجتمع والمحيط مع هذه الظاهرة؟

تتباين ردود فعل المحيط العائلي والاجتماعي للمسلمين الجدد. فالبعض يواجه رفضًا أو صدمة أو توترًا في العلاقات الأسرية، خصوصًا حين يكون الشاب أو الشابة لا يزالان يعيشان في منزل العائلة. وفي المقابل، يبدي آخرون قدراً من التفهم والدعم.

كما تسعى المراكز الإسلامية إلى تقديم احتواء ورعاية معرفية للمسلمين الجدد لتسهيل اندماجهم وتجنب وقوعهم في فخ الجماعات المتطرفة.

خلاصة

يمكن القول إن تزايد إقبال الشباب الألماني على الإسلام نتيجة تفاعل معقد بين التجارب الشخصية، والبحث عن الهوية، وتأثير السوشيال ميديا، والاهتمام بالقضايا العالمية مثل غزة، إلى جانب التحولات العميقة في المشهد الديني الألماني.

وفي وقت لا تزال فيه العلاقة مع الإسلام موضوعًا حساسًا في المجتمع الألماني، فإن هذه الظاهرة تلفت الأنظار إلى جيل جديد يبحث عن إجابات ومغزى لحياته في عالم متغير، مستخدمًا منصات رقمية باتت تمثل بوابة واسعة للمعرفة والروحانية.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
بدء إعلان نتيجة 19 دائرة من المرحلة الأولى لانتخابات النواب.. (بث مباشر)