تواصل وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى جانب منصّات عدد من كبار الساسة، بثّ خطاب تحريضي واسع ضد الشعب الفلسطيني، يتضمن رفضًا صريحًا لإقامة دولة فلسطينية، وترويجًا لاحتلال قطاع غزة واستدامة السيطرة العسكرية عليه، ودعمًا لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، فضلًا عن التحريض على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، والتأييد العلني لقانون “إعدام الأسرى”.
جاء ذلك في تقرير رصد جديد أعدّته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا”، وثّق سلسلة من المقالات والتصريحات والمنشورات التي نُشرت في وسائل إعلام عبرية ومنصّات تواصل اجتماعي، واعتبرها نماذج لتحريض ممنهج يحمل أبعادًا سياسية وأيديولوجية، ويغذّي خطاب الكراهية والعنصرية ضد الفلسطينيين.
احتلال غزة وإعادة هندسة الصراع
وأفاد التقرير بأن صحيفة “إسرائيل اليوم” نشرت مقالًا للكاتب نداف شرغاي بعنوان: “قبل عيد حانوكا: كُشف المخطط الإسلامي لفصل اليهود عن الحائط الغربي”، حاول فيه نزع الصراع من سياقه الاستعماري والسياسي، وإعادة تعريفه بوصفه “صراعًا عقائديًا خالصًا”. وسعى المقال إلى التشكيك في الرواية الفلسطينية والإسلامية حول قدسية حائط البراق، متناولًا كتابًا جديدًا لشموئيل بركوفيتس يدّعي أن المطالبات الفلسطينية بقدسية الحائط “حديثة وسياسية وليست تاريخية”، في سياق يُنظر إليه على أنه محاولة لإعادة تقسيم القدس وإعادة هندستها رمزيًا وسياسيًا.
وفي الصحيفة نفسها، نشر الكاتب يفعات إرليخ مقالًا حرّض فيه على قطاع غزة، معتبرًا أن “إسرائيل يجب أن تبقى الجهة الحاكمة الوحيدة”، ورافضًا أي ترتيبات أمنية أو إدارية لا تخضع للسيادة الإسرائيلية المباشرة. وحاول الكاتب اختزال غزة في “حيّ صغير” يتبع لإسرائيل، مطالبًا برفض السيناريوهين المطروحين لما بعد الحرب، سواء الاعتماد على “ميليشيات محلية” أو نشر قوات دولية، محذرًا من أن أي وجود دولي – لا سيما التركي – سيقيّد عمل الجيش الإسرائيلي و”يفقد إنجازات الحرب”، على حد تعبيره.
التحريض على “الأونروا” وتبرئة المسؤولية التاريخية
كما رصد التقرير مقالًا للكاتب دوكي درور في “إسرائيل اليوم” بعنوان: “76 عامًا من الفشل: عندما تحوّلت الأونروا إلى عائق”، هاجم فيه الوكالة الأممية، واعتبرها “جوهر الصراع ومفتاحه”، في محاولة – وفق التقرير – للتنصّل من مسؤولية إسرائيل عن أزمة اللاجئين الفلسطينيين ونتائج نكبة عام 1948. وذهب المقال إلى نزع الصفة السياسية والقانونية عن اللاجئ الفلسطيني، وتصويره كـ”نتاج مُصنّع” لمنظمة أممية “فاسدة”، بما يعني عمليًا نزع الشرعية عن الذاكرة والحقوق الفلسطينية.
شرعنة الدمار كسياسة
وفي صحيفة “مكور ريشون”، كتب مئير بن شبات مقالًا حول “اليوم الثاني في غزة”، اعتبر فيه أن الانتقال إلى “مرحلة ثانية” من أي اتفاق تهدئة دون خطة واضحة لنزع السلاح يُعد “خطأً استراتيجيًا”. وفضّل الكاتب الإبقاء على الوضع القائم في غزة، تحت السيطرة الإسرائيلية، على أي تسوية سياسية، مروجًا لفكرة تحويل القطاع إلى “مساحة عقاب دائمة”، ومقدّمًا الحرمان من الإعمار والأمل كخيار “عقلاني”، مع تصوير وقف إطلاق النار كتنازل، وإعادة الإعمار كـ”جائزة غير مستحقة”.
الاستيطان في الضفة الغربية
وتناول الكاتب إليشع بن كيمون في صحيفة “يديعوت أحرنوت” ملف الاستيطان في الضفة الغربية، مستشهدًا ببؤرة “نحلات تسفي” الاستيطانية نموذجًا لما وصفه بـ”التحول الكبير” في سياسة الحكومة الحالية. وأشار إلى أن إجراءات الإخلاء والمراقبة التي كانت تُفرض سابقًا على البؤر الاستيطانية توقفت مع تولي الحكومة الحالية، بقيادة وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وأوريت ستروك.
تحريض متصاعد على منصّات التواصل
ولم يقتصر التحريض على الصحافة المكتوبة، بل امتد إلى وسائل التواصل الاجتماعي. إذ رصد التقرير منشورًا لعضو الكنيست من حزب “القوة اليهودية” ليمور سون هارميلخ، دعت فيه إلى تعزيز الاستيطان في “يهودا والسامرة”، معتبرة ذلك “تعزيزًا لتماسك المجتمع”، ومؤكدة ضرورة التواجد في كل مكان للمطالبة بالتوطين.
كما واصل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير التحريض على الأسرى الفلسطينيين، معلنًا عبر منصة “إكس” مشاركته وأعضاء كتلته في جلسة للجنة الأمن القومي لـ”تعزيز عقوبة الإعدام”، مرتدين دبابيس على شكل حبل مشنقة، وواصفًا ذلك بـ”رسالة واضحة أن مصير المخربين هو الموت”، منتقدًا في الوقت ذاته معارضة نقابة الأطباء الإسرائيليين لهذه العقوبة.
وفي السياق نفسه، دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى تسريع الاستيطان، معتبرًا الضفة الغربية “قطاعًا أمنيًا لإسرائيل”، ومعلنًا فخره بما وصفه بـ”إلغاء فكرة تقسيم الأرض وإقامة دولة فلسطينية”.
كما هاجمت عضو الكنيست من حزب “إسرائيل بيتنا” يوليا ملينوفسكي وكالة “الأونروا”، ووصفتها بأنها “منظمة إرهابية”، في حين هاجم وزير الخارجية جدعون ساعر تصريحات رئيس الوزراء الإسباني خلال لقائه الرئيس محمود عباس، قائلًا: “لا تتحدث عن المستقبل، فهو ليس لك”.
من جهته، واصل السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون هجومه على المنظمة الدولية و”الأونروا”، واصفًا الأخيرة بأنها “دفيئة للإرهاب”، ومعتبرًا قرارات الجمعية العامة المطالِبة بتعاون إسرائيل مع الوكالة “تعاونًا مع الإرهاب”، ومطالبًا بإنهاء دورها.