'مخرج الغلابة' أو'عميد الواقعية' كما لقبه أديبنا نجيب محفوظ، عاش حياته مهموما بقضايا الوطن والمواطن؛ الحرية والرغبة في تحطيم القيود التي كانت هاجسه الذي يحرك شحنة الإبداع بداخله للدفاع عن الحق والغلابة ويغوص فى القضايا الشائكة بجرأة يحسد عليها؛ ولأنه كان صادقًا في انفعالاته كان عنوانًا مضيئًا للصدق والجمال والإبداع، قدم السينما كما رأها بشروطه التي لا تتوافق تمامًا مع السوق والمجتمع الذي عاش فيه، فاعتبر الأب الروحي لموجة تطوير وتجديد السينما المصرية، رصد الحياة وواقعيتها من خلال عدسته، فأطلقت اسمه على مدرسة خاصة به 'مدرسة عاطف الطيب' الذي يحل اليوم 23 يونيو ذكرى رحيله.
كانت علاقة مخرج الواقعية مع أي فيلم له تبدأ بقصة حب أب لابنه ينتظر خروجه إلى النور، مرورًا بمراحله الكاملة، يضطر أحيانًا إلى الدخول في الكثير من الصراعات والحروب من أجله، فكان صاحب شخصية قوية سواء داخل تصوير مراحل العمل مع ممثليه أيًا كانت مكاناتهم، أو خارج العمل مع الرقابة على المصنفات الفنية وأجهزة الدولة، وواجه الطيب الكثير من الأزمات في أفلامه سنرصدها خلال السطور التالية:
من أكبر الأزمات في مسيرة عاطف الطيب، ما حدث فى فيلم 'البرئ' 1986 لأحمد زكي ومحمود عبد العزيز، والذى تناول سوء الأوضاع فى المعتقلات مما جعل الرقابة تتعامل معه بضراوة، ليناضل من أجله عاطف الطيب، وكاتبه وحيد حامد، بعد مناوشات كثيرة مع الرقابة على المصنفات الفنية، والتي وصلت إلى حضور 4 وزراء لإصدار القرار فيه، وهم: وزير الدفاع الأسبق المشير 'أبو غزالة'، ووزير الداخلية الأسبق 'أحمد رشدي'، ووزير الثقافة السابق 'أحمد هيكل'، ووزير الإعلام الأسبق 'صفوت الشريف'، حتى تم الإفراج عنه بعدما حذف أكثر من 15 دقيقة منه، وتغيير نهايته، ليحتل بعد ذلك الفيلم رقم 28 بين أفضل 100 عمل في السينما المصرية.
يليه بعد ذلك فيلم 'كشف المستور' 1994، للفنانة نبيلة عبيد وفاروق الفيشاوي، والذي يدور حول 'سلوى شاهين' التي كانت تعمل لخدمة جهاز أمني في فترة مراكز القوى واستغلالها جمالها في الإيقاع بالشخصيات الهامة، تعتزل هذا العمل وتتزوج من أستاذ مرموق وتحيا حياة فاضلة، ولكن بعد 20 عامًا يحتاج رئيس الجهاز لخدمة من نفس النوع ويهدد سلوى بشريط قديم حتى تستجيب لطلبه و فى رحلة بحثها عن خروجها من الأزمة تصطدم بكل مراكز القوى فى هذه الفترة حتى يتم اغتيالها ، فلم يمر الفيلم مرور الكرام، حيث دار على كل الأجهزة الأمنية حتى يصرح به، وتم ذبحه بحذف منه 18 مشهدًا مهمًا، حسب ما ذكره كاتبه الراحل وحيد حامد.
وفى عام 1984، أخرج عاطف الطيب فيلمه 'الزمار' لـ نور الشريف، وقدم من خلاله 'حسن' شاب مُطارد بعد أن كان طالبًا في كلية الهندسة وقدم مسرحية لم ترق للسلطات مع فريق التمثيل بالكلية، ينتقل من قرية إلى أخرى في الصعيد، بحثًا عن الأمان والاستقرار، ويستقر به المقام في قرية 'العرابة' بائعًا في بقالة، لتعترض الرقابة عليه ولم يعرض على الجمهور، رغم مشاركته بعد ذلك في ثلاث مهرجانات دولية هي القاهرة وموسكو وبرلين، محققًا نجاحًا كبيرًا.
يأتي بعد ذلك فيلم 'الحب فوق هضبة الهرم'، الذي كان يعد اللقاء الثالث بين عاطف الطيب، وأحمد زكي، في عام 1986، وكان عبارة عن لوحة رومانسية حزينة عبرت عن أزمة جيل بمنتهى الدقة، تناول مشكلة حياتية لدى الشباب في مصر من أزمات إسكان وزواج وفقر، من خلال قصة علي عبد الستار 'أحمد زكى'، الموظف الشاب الرومانسي الحالم الذي يختصر أحلامه في الارتباط من رجاء 'آثار الحكيم' زميلته في العمل ولكنه يفشل بسبب ضيق ذات اليد وأزمة السكن، ليضع مخرج الغلابة الجميع أمام الحجم الحقيقي للمشكلة.
'السلطة ليست دائمًا هي الشرطي الذي يطارد المجرم الذي يحاول الإفلات من العقاب'، هذا ما أراد توصيله عاطف من خلال أحمد زكي في فيلم 'الهروب' 1991، حول واقع المجتمع فاسد وذلك من خلال أدق التفاصيل حتى في صوت البكاء والنواح من قبل والدة البطل على مصيره ووقوعه ضحية لهذا الفساد، ليبقى الهروب ملحمة لا تنسى، حتى يوصف بأنه الأجرأ في تاريخ السينما المصرية، وأنه كان الأسبق في انتقاد العديد من السلبيات الاجتماعية والسلبية، وصدق العمل حوله إلى أهم الأعمال في السينما أيضًا.
'كلنا فاسدون لا أستثني أحدًا حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة'.. بهذه الكلمات لا ينسى أي من محبي السينما المصرية مشهد المحاكمة الذي ترافع فيه أحمد زكي بفيلم 'ضد الحكومة'، ليعبر عن عاطف الطيب أيضًا عن تمرده بقوة على الفساد، وعلى الرغم من تعرض الفيلم للكثير من المضايقات لإيقافه من قبل الرقابة ونظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حسب ما ذكرته لبلبة، والتي قالت: عند عرض الفيلم فوجئنا بحذف مشهدين مهمين جدًا ونزلت من قاعة العرض باكية لأن هذين المشهدين كانا من أهم المشاهد التي صورتها في حياتي، فوجدت مدير دار العرض يخبرني بأن المخرج عاطف الطيب تعرض لضغوط من نظام مبارك لحذفهما وإلا ما كان سيعرض الفيلم'.
'الطيب' لم يكن أسبق أبناء جيله زمنيًا، فسبقه المخرجان محمد خان وخيري بشارة، وأيضًا لم يكن فيلمه 'سواق الأتوبيس' أول الأفلام التي جسدت الانفتاح الاقتصادي ومعاناة المجتمع، ولكن لا شك في أنه كان أغزر أبناء جيله، بدايةً من فيلم الأول 'الغيرة القاتلة' 1981 حتى 'جبر الخواطر' الذي طرحه في 1998، خلال هذه الفترة القصيرة التي لم تتجاوز الـ20 عامًا قدم أكثر من 30 عملًا معظمهم يدخلون قائمة أهم 100 فيلم في السينما المصرية، ليتصدر اسمه بين أهم مخرجي السينما المصرية.