أسدلت محكمة جنايات المنصورة "الدائرة الخامسة" أمن دولة طوارئ، أمس الأربعاء، كلمة النهاية في أحداث الشغب والعنف التي وقعت في قرية شبرا البهو بمركز أجا بالدقهلية، بسبب رفض الأهالي دفن جثمان الدكتورة سونيا عبد العظيم، التي توفيت جراء إصابتها بفيروس كورونا، في مقابر القرية التابعة لهم.
وقضت المحكمة في حكم نهائي لها بالحبس ما بين سنة وثلاث سنوات و10 سنوات لـ 42 متهما من أهالي قرية البهو وشبرا البهو، لإدانتهم بارتكاب جرائم التجمهر والبلطجة وممارسة أعمال العنف وترويع موظفين عموميين.
بداية التجمهر وأحداث الشغب بالقرية
في الحادي عشر من أبريل الماضي، شهدت قرية شبرا البهو بمركز أجا التابع لمحافظة الدقهلية، أحداثا مشينة مؤسفة، بعدما تجمهر العشرات من أهالي القرية، أمام سيارة الإسعاف، التي تقل جثمان الطبيبة سونيا عبد العظيم، التي توفت نتيجة إصابتها بفيروس كورونا، رافضين دفن جثمانها في مقابر القرية، خوفا على أنفسهم من انتشار الفيروس اللعين.
وجراء تجمهر الأهالي الرفضية لدفن الطبيبة "شهيدة الواجب"، تدخلت قوات الأمن بالدقهلية، بقيادة نائب مدير الأمن ومأمور مركز شرطة أجا، ورجال المباحث بالمديرية لتهدئة الأهالي، كما تدخلت أيضًا الإدارة الصحية لمركز أجا، لتوضيح عدم وجود أي خطورة من دفن الجثة، إلا أن الأهالي أصروا على رفضهم وموقفهم برفض دفن الجثمان بمقابر القرية.
أحد أهالي القرية يصف مشاهد العار
وقائع العار التي شهدتها القرية، علق عليها عباس شلبي، أحد أهالى القرية، على صفحته بـ"فيس بوك" حيث كتب في منشور له: "وصمة عار عليكم بلد مفيهاش كبير الأهالي تتجمهر لمنع دفن زوجه د محمد الهنداوي ابن شبرا البهو البار بأهلها؟؟ ومكبرات الصوت وأعتراض الجنازة والشرطة".
وأضاف "شلبي": "للأسف هيفضل التاريخ فاكر ليكم يا بلد كم الجحود وكم الجهل اللي ظهر منكم لابن بلدكم وهيفضل التاريخ فاكر ليكم ان تم الدفن بعد إطلاق القنابل المسيله للدموع وتدخل الشرطة، تعترضوا راجل قارب الثمانين من عمره جاء يدفن زوجته الشهيده والله العظيم مصيبته في أهل بلده أعظم من مصيبته في زوجته".
وأوضح شاهد العيان، أن "العزاء الوحيد تعليق عامة الشعب على تصرفكم فضيحتكم أصبحت على الملأ، وحسبنا الله ونعم الوكيل لو كل واحد شاف زوجته أو أمه أو أخته أو بنته مكان الدكتورة سونيا يمكن كان الأمر اختلف، لكن أنتم أهل شبرا الجحود عديمي الوفاء".
الجهلاء وعديمي الضمير
وأوضح سامي مؤمن أحد أهالي القرية، في تصريحات صحفية له: "بعض الجهلاء وعديمي الوعى استخدموا ميكرفونات المسجد لتحريض الناس على الخروج لمنع دفن الطبيبة في مقابر القرية، وللأسف مقيمى الشعائر فتحوا المسجد، ونادوا في الميكروفون رغم أن هذا الوقت لم يكن مخصصا للصلاة".
وشرح أنه وبالفعل خرج الناس على مداخل القرية وتجمعوا وتجمهروا لمنع الدفن، ووصل الأمر إلى أن قوات الأمن حضرت وتفاوضت مع المواطنين، لكنهم أصروا على موقفهم فاضطرت القوات لتفريقهم وإلقاء القبض على بعض من مثيرى الشغب من بينهم".
الداخلية ترد بضبط مثيري الشغب
نتيجة لتفاقم أحداث التجمهر والشغب، ألقت وزارة الداخلية القبض على 23 متهما من مثيري الشغب، وأفادت الداخلية في بيان رسمي صادر عنها وقت الأحداث، أن المتهمين المضبوطين استجابوا للشائعات ودعوات التحريض التي تروج لها اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان المسلمين، بدعوى منع انتشار المرض، وتم السيطرة على الموقف وضبط 23 من تلك العناصر.
ونوهت الوزارة في بيانها، أنها ستتصدى بكل حزم وحسم لأية محاولات لإثارة الشغب أو الخروج عن القانون أو عرقلة إجراءات دفن المتوفين من ضحايا الإصابة بهذا الفيروس، التي تتم وفق الضوابط المقررة من وزارة الصحة.
تحقيقات النيابة
التحقيقات التي أجرتها نيابة المنصورة الكلية مع المتهمين، توصلت إلى أنهم استعملوا القوة والعنف مع موظفين عمومين، وهم الضابط نصر الدين عطية عبدالقادر نجم، وأحمد إبراهيم الزميتي، والقوة المرافقة لهما.
كما استعملوا القوة ضد أسامة ثروت الدسوقي، أخصائي الطب الوقائي، وإيهاب أبو شبانة أحمد محمد، مسعف، بغرض منعهم من أعمال وظيفتهم وهو تأمين ودفن جثمان المتوفاة واعتراض طريقهم بإضرام النيران بأكوام من القش وإطارات السيارات بالطريق العام، ورميهم بالحجارة لمنعهم من أداء عملهم، وكذلك الجهر بالصياح بقصد إثارة الفتن بأن صاحوا بالعبارات والهتافات وعطلوا الشعائر الدينية وهي دفن جثمان المتوفاة بالقوة والتهديد.
وأصدر المحامى العام الأول لنيابات جنوب المنصورة الكلية قرارا بحبسهم 15 يوما على ذمة التحقيقات بشأن ما هو منسوب إليهم من اتهامات، ثم أصدر قرارا لاحقا بإحالتهم إلى محكمة الجنايات بناء على الاتهامات المسندة إليهم.
بيان النائب العام يكشف التفاصيل كاملة
أظهر النائب العام، في بيان رسمي، آنذاك، أن قوات الشرطة وجهت إلى المتهمين النصح والإرشاد ابتداءً لفض التجمهر؛ فلم يمتثلوا وتمادوا في فعلهم وتزايدت أعدادهم، وألقى بعض منهم الحجارة على قوة الشرطة وسيارة الإسعاف فأحدثت إحداها تلفاً بالسيارة الأخيرة، وسبُّوهم، وحرضوا الأهالي المتواجدين بمحيط التجمهر على المشاركة فيه؛ فأرهبوا بذلك المواطنين وكدَّروا السلم والأمن العام.
واتخذت الشرطة لذلك إجراءات فض تجمهرهم بالغاز المُسيِّل للدموع؛ وتم ضبط 23 متهما منهم بينما لاذ الباقون فراراً، كما أمكن اتخاذ إجراءات دفن المتوفاة تحت إشراف طاقم الطب الوقائي بالإجراءات الوقائية اللازمة.
وسألت النيابة العامة نجل الطبيبة فأقر بأن والدته كانت ملازمة لمسكنها لمرضها بالسكري واضطراب ضغط الدم وقصور بإحدى الكليتين وجلطة بأحد أصابع قدميها، وأنها قد ترددت في غضون شهري فبراير ومارس الماضيين على إحدى العيادات الخاصة للكشف الطبي على إصابة قدمها، ثم نُقلت لمستشفى الدلتا بالمنصورة في شهر مارس الماضي إثر تدهور حالتها الصحية وحاجتها لعملية جراحية لبتر إصبعها المصاب، وأنها قد أصيبت بضيق شديد في التنفس إبَّان إعدادها لتلك الجراحة وساءت حالتها؛ فنُقِلَت إلى مستشفى الصدر بالمنصورة حيث تبين إصابتها بفيروس "كورونا" المُسْتَجَد؛ فنُقِلَت لذلك إلى مستشفى أبو خليفة مقر الحجر الصحي بالإسماعيلية، وتُوفِّيَت هناك.
وأشار نجل الطبيبة، أنهم استقلوا سيارة إسعاف صحبة طاقم من إدارة الطب الوقائي التابع لوزارة الصحة وقوة من الشرطة للتأمين متجهين إلى مقابر الأسرة بقرية شبرا البهو لدفن الجثمان؛ فعَلِم في تمام الساعة السادسة صباحا من أحد ذويه بتجمهر بعض الأشخاص بالطريق الرئيسي المؤدي إلى المقابر مُحتَجِّين على دفن والدته بالقرية خشية من انتشار الفيروس الذي كانت مصابة به؛ فسلك طريقا فرعيا؛ ولكن المتجمهرين قطعوه عليه مهددين إياهم ومتعدين عليهم بالسب ولم يتقبلوا محاولات الشرطة لإثنائهم عن قطع الطريق؛ فعادوا إلى طريق المقابر الرئيسي ولبثوا فيه لحين وصول دعم من قوات الشرطة.
شهادة ابن الدكتورة سونيا عبد العظيم
وتابع ابن الطبيبة المتوفاة، خلال تحقيقات النيابة العامة، أنه فوجئ ببعض المتجمهرين يحاصرون سيارة الإسعاف وكذا سيارة الشرطة المصاحبة لها، وضربوا على سيارة الإسعاف بأيديهم للتهديد ثم تزايدت أعدادهم، وكان منهم من يحمل فأسا ألاح به مهددا إياهم، ومنهم من ألقى بحجارة عليهم أحدثت إحداها تلفا بسيارة الإسعاف.
وأضرم آخرون النيران بإطارات سيارات وأخشاب لقطع الطريق العام، بينما ردد آخرون من المشاركين بالتجمهر هتافات مطالبة بمغادرتهم خشية الوباء المصابة به المتوفاة، وتعدَّى البعض الآخر على قوات الشرطة بالسب والألفاظ النابية؛ وقد لبثوا محاصَرين لنحو أربع ساعات حتى وصلت القوة الداعمة من الشرطة التي تمكنت من فض التجمهر ومن ثَمَّ اتخاذ إجراءات دفن الجثمان وتعقيم وتطهير القبر ومحيطه.
ورصدت النيابة العامة عددا من المقاطع المصورة المتداولة بمواقع التواصل الاجتماعي للواقعة وشاهدتها؛ فتبينت منها إحاطة بعض المتجمهرين بسيارة الإسعاف –ظهرت وجوههم وأصواتهم بوضوحٍ– وذلك للحيلولة دون تقدمها، وأَمْرِهِم سائقها بالمغادرة خشية الفيروس الذي كانت المتوفاة مصابة به، وضربهم على السيارة لإرهاب مستقليها، وإطلاق الشرطة لاحقا على المتجمهرين غازًا لفضهم بعد اعتراضهم إياها وهتافهم ضدها وإلقاء أحدهم حجارة عليها، فانْفَضَّ التجمهر وسط محاولات هروب المشاركين فيه ورشقهم الشرطة بالحجارة، بينما ألقت الشرطة القبض على بعض منهم.