تقوم رسالة العدل العظيمة على إرساء الاستقرار وتقرير الحقوق لأصحابها، وقد جعل الله جل شأنه العدل، وهو الحكم العدل، أساسا لاستقرار الدول والحياة للأفراد والمجتمعات، وهنا تتجلى رسالة القاضي الحصيف الذى يتمتع برؤية مستقبلية يقر فيها إحقاق الحقوق ورد المظالم لأهلها ويسجل الظواهر الاجتماعية المتصلة بموضوع النزاع، على أن قيم وروح العدالة ليست فقط من القائمين عليها، وإنما أيضا تشيع رسالتها بين الناس ثقافة ما يدور حولهم وتبصرهم بعواقب الأمور، وتنير الطريق أمام المجتمعات، ومن بين هؤلاء القضاة الذين سجلوا بأحرف من نور دروسا في الوطنية الخالصة والعادلة القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، الذى أصدر العديد من الأحكام القضائية إبان رئاسته لمحكمة القضاء الإداري بالإسكندرية قبيل قيام ثورة 30 يونيو عام 2013 حتى عام 2016 تنطق في توثيقها أن منهج الجماعة المحظورة يقوم على 'العنف والتحريض والتخريب والترويع'.
وأكدت المحكمة على أن أعمال العنف تهدد أمن وسلامة المواطنين وتنال من الاستقرار والتنمية، وأن التحريض على العنف صار صيدا ثمينا لخبراء الدسائس وإشعال الحرائق وتدمير القيم والمثل العليا، وأنه يجب تجفيف منابع الفكر الظلامي الذى يهدر ثروة الوطن من شبابه ويقود المجتمع إلى الهلاك، وأن التحريض دعوة صريحة لإسقاط سلطات الدولة التي تحمى أرض الكنانة من المخاطر الخارجية والداخلية، وكأن هذه الأحكام القضائية كانت تستقرئ المستقبل على ضوء تجارب الماضي، ومن هذه الأحكام نعرض لثلاثة منها.
استخدام الأسلحة النارية والخرطوش فى مواجهة أهالى المنطقة
فى القضية الأولى أصدر القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، حكما بإلغاء كافة تصاريح الأسلحة التى حصل عليها أتباع الجماعة المحظورة خلال مدة حكمهم القصيرة في الدعوى رقم 2750 لسنة 14 قضائية بجلسة 18 يناير 2016.
قالت المحكمة إن الدستور جعل الحياة الآمنة حقا لكل إنسان، وألزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها باعتبارها من الحقوق الأساسية لكل إنسان، كما أناط بهيئة الشرطة بأن تكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن والسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة لحماية المواطنين من كل خطر يهدد حياتهم أو عرضهم أو شرفهم أو حريتهم أو أموالهم، ومن مظاهر تنفيذ الدولة لهذا الالتزام القضاء ابتداء على ظاهرة حمل السلاح بدون ترخيص أو إلغاء الترخيص فى حالات استخدامه فى غير ما شرع له بتجاوز حدود الدفاع الشرعى، وهو ما يعكر صفو الأمن فى المجتمع المصرى ، لما تشكله من خطر على أمن واستقرار الدولة المصرية وسيادة القانون بها، وينشر الفوضى ويؤدى إلى توسيع دائرة العنف وعصيان الدولة، وهو ما يثير قلق وخوف المواطنين وينزع عنهم الاطمئنان نزعا، لعدم شعورهم بالأمان على حياتهم.
التحريض على العنف والتغرير بالشباب في المجتمع الجامعي
وفى الحكم الثاني أيد خفاجى، قرارات فصل الطلاب المنتمين للجماعة المحظورة بكلية اللغة العربية فرع ايتاى البارود بجامعة الأزهر، الذين ثبت في حقهم التحريض على العنف والتغرير بالشباب فى الدعوى رقم 6432 لسنة 15 قضائية بجلسة 26 أكتوبر 2015.
قالت المحكمة إن المشرع قصد حماية المجتمع الجامعي من مظاهر العنف والتخريب وسعيا لتحقيق الاستقرار لمناخ التعليم ومنح بمقتضاه لرئيس جامعة الأزهر أن يوقع عقوبة الفصل من الجامعة على كل طالب يرتكب أو يسهم في ارتكاب أى من المخالفات الأربع التالية، الأولى، ممارسة أعمال تخريبية تضر بالعملية التعليمية أو بالمنشآت الجامعية أو تعرض أيا منهما للخطر، الثانية إدخال أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو أية أدوات من شأنها أن تستعمل في إثارة الشغب أو التخريب، الثالثة، إتيان ما يؤدى إلى تعطيل الدراسة أو منع أداء الامتحانات أو التأثير إلى أى منهما، والرابعة، تحريض الطلاب على العنف أو استخدام القوة.
إتلاف وحرق وتعطيل حركة المرور والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة
وفى الحكم الثالث في الدعوى رقم 5188 لسنة 15 ق بجلسة 26 يناير 2015 أصدر خفاجي، حكما ضد الجماعة المحظورة التي كانت تطالب بوقف تنفيذ وإلغاء قرار المحامي العام الأول لنيابات الإسكندرية والبحيرة بإحالة القضية رقم 13838 لسنة 2013 جنايات قسم دمنهور إلى القضاء العسكري بالإسكندرية للاختصاص، لكنه قضى بعدم الاختصاص الولائى لمحاكم مجلس الدولة بما مؤداه تأييد النيابة العامة فى قرارها المطعون فيه.