تلقت "النيابة العامة" إخطارًا من وحدة مباحث قسم شرطة الهرم مساء يوم الخامس من شهر ديسمبر الجاري بوفاة طفلة وإصابة طفل آخر لقفزهما من نافذة مسكنهما إقدامًا منهما على الانتحار، فانتقلت النيابة العامة لمناظرة جثمان المتوفاة وتبينتها تبلغ نحو خمسة عشر عامًا مصابة بجروح بالرأس وأماكن متفقرة بالجسد.
وسألت زوجها -البالغ سبعة عشر عامًا- عن ملابسات الواقعة فقرر بنشوب مشاجرة بينهما تعدى عليها فيها بالضرب صفعًا على وجهها، ولما حاولت الخروج من مسكنهما أوصد بابه، وفوجئ بها تَقفز من نافذة المسكن مما أدى لوفاتها، فحاول الخروج بدوره من المسكن ولم يتمكن فقفز من نافذته لحاقًا بزوجته وحدثت لذلك إصابته.
وانتقلت النيابة العامة لمعاينة مسكن المذكورين ومسرح الحادث، وسألت شاهدين على الواقعة أكدا أنهما بعدما تبينا سقوط المجني عليها متوفاة مضرجة في دمائها رأيا زوجها جوارها يحاول إفاقتها، ولما علم بوفاتها صعد إلى مسكنه وقفز من نافذته ولكن الأهالي تلقوه بغطاء في محاولة لإنقاذه فسقط في نطاقه وحدثت إصابته.
بينما اتهم والدي المتوفاة زوجها بقتلها أمام النيابة العامة وقفزه ورائها تنصلًا من جريمته، وأنهما تزوجا عرفيًا منذ شهرٍ بمكتب للمحاماة، بينما شهدت والدة الزوج بقفز نجلها وراء زوجته تأثرًا بوفاتها وحبه لها.
هذا، وكانت تحريات الشرطة قد أكدت أن الواقعة انتحار من المتوفاة وشروع فيه من زوجها على إثر الشجار الذي دار بينهما، وأنه أمكن تحديد القائمين على مكتب المحاماة الذي عقد به قرانهما عرفيًا، وأن والدها عرض حياتها للخطر بتزويجها في هذا السن المبكر.
وعلى ذلك، استجوبت النيابة العامة والد المجني عليها فيما نسب إليه من استغلاله ابنته وتعريضها للخطر بتزويجها في سن مبكر، فأنكر ما نسب إليه.
هذا، وقد أمرت النيابة العامة بحبس والد المتوفاة وزوجها أربعة أيام احتياطيًا على ذمة التحقيقات، واتخاذ الإجراءات قبل القائمين على مكتب المحاماة الذي عقد فيه زواجهما، وكلفت الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية برفع الآثار المادية والبيولوجية من مسكن المتوفاة ومسرح الحادث وفحصها، وانتدبت الطبيب الشرعي لإجراء الصفة التشريحية على جثمان المتوفاة، وجارٍ استكمال التحقيقات.
وبمناسبة تلك الواقعة فإن النيابة العامة تشير إلى آثار زواج القاصرات الخطيرة والتي قد تودي بحياتهن وتجحف بحقوقهن المقررة شرعًا وقانونًا، إذ كان لعدم إطاقة المجني عليها وزوجها أعباء زواجهما المادية والمعنوية أثر بالغ في إقدام الأولى على الانتحار وشروع الثاني فيه.
وتؤكد النيابة العامة أن ما استقرت عليه حضارات الأمم المختلفة وما أقرته الشرائع السماوية وسنته التشريعات -بما يوافق عرف كل عصر ومصر- من تحديد السن المباح الزواج فيه على معيار إطاقة الفتيات أعباء الزواج المادية والجسدية والنفسية، دون الاكتفاء ببلوغهن جسديًا حتى ولو رضين هن وولاة أمورهن بالزواج، هو حفاظ على حقوق المرأة وحقوق الزوجين معًا وصيانة لحياتهما وضمان لنجاح زواجهما وإدارة شؤون حياتهما ورعاية أبنائهما، مهيبة بالمجتمع المصري الإحجام عن تزويج القاصرات على سند من فهم مغلوط لوقائع في التراث حُرفت أحداثها والفقه المستمد منها، على نحو ما بينته مرارًا مؤسسات الدولة الدينية الرسمية.
كما تؤكد النيابة العامة تجريم القانون مثل هذه الزيجات بنصوص قانون العقوبات والقوانين الخاصة، بما يندرج تحت جرائم تعريض الأطفال للخطر واستغلالهم وعقد زواجهم على خلاف الشروط المقررة قانونًا، وتؤكد على تصديها الحازم لمثل هذه الجرائم وملاحقتها مرتكبيها والمشاركين فيها بما نصه القانون وخولها من إجراءات، إيمانًا منها بأهمية الحفاظ على حقوق المرأة والأطفال وصيانة الحياة الزوجية.