قضت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صلاح هلال والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ومحسن منصور وأحمد ماهر نواب رئيس مجلس الدولة، اليوم، بإلغاء قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر بعزل الدكتور (م.م.ع) المدرس بقسم الصحة العامة وطب المجتمع بكلية الطب بنين أسيوط لثبوت اتهامه بأنه كان يعمل بإحدى البلاد العربية خلال إجازة مرافقة الزوج دون إذن من الجامعة، وعاقبته المحكمة بعقوبة اللوم مع تأخير العلاوة المستحقة، مؤكدة أن القسوة الممعنة في الشدة، والشفقة المُفرطة في اللين نقيضان لا يؤمنان انتظام سير المرافق العامة.
وقالت المحكمة، إن للسلطة التأديبية، ومن بينها المحاكم التأديبية ومجالس التأديب، تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة شأنها شأن أي سلطة تقديرية ألا يشوب استعمالها غلو، ومن صور الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين الجزاء ومقداره؛ ففي هذه الصورة تتعارض نتائج عدم الملائمة الظاهرة مع الهدف الذي تغياه القانون من التأديب، وهو بوجه عام تأمين انتظام سير المرافق العامة، ولا يتأتى هذا التأمين إذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة، فركوب متن الشطط في القوة يؤدي إلى إحجام عمال المرافق العامة عن حمل المسئولية خشية التعرض لهذه القسوة الممعنة في الشدة، والإفراط في الشفقة يؤدي إلى استهانتهم بأداء واجباتهم طمعاً في هذه الشفقة المُفرطة في اللين، فكل من طرفي النقيض لا يؤمن انتظام سير المرافق العامة، وبالتالي يتعارض مع الهدف الذي رمى إليه القانون من التأديب، ويعتبر استعمال سلطة تقدير الجزاء في الصورة المشار إليها مشوبا بالغلو فيخرج التقدير من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، ويخضع لرقابة هذه المحكمة، ومعيار عدم المشروعية ليست معياراً شخصياً إنما هو معيار موضوعى قوامه أن درجة خطورة الذنب الإداري لا تتناسب مع نوع الجزاء ومقداره.
وأضافت المحكمة، أن المُخالفتين المنسوبتين إلى الطاعن المدرس بقسم الصحة العامة وطب المجتمع بكلية الطب بنين أسيوط الأولى بتقديم وثيقة غير صحيحة للسفارة السعودية بالقاهرة للحصول على عقد عمل منسوب صدوره خلافا للحقيقة للإدارة العامة للشئون الإدارية، والثانية قيامه بالعمل لدى جهة أجنبية دون الحصول على موافقة السلطة المختصة، وهي جامعة الحدود الشمالية بالمملكة العربية السعودية بالرغم من منحه إجازة لمرافقة زوجته وعدم عمله بجميع الجهات أثناء الإجازة، ثابتتان ثبوتا يقينيا على نحو ما حوته التحقيقات وإفادة إدارة شئون الأفراد بجامعة الأزهر وإفادة السفارة السعودية، خاصة وأن المحكمة كلفته باستخراج صورة رسمية من الأمر التنفيذى المذكور وهو ما عجز عنه وقدم صورة ضوئية قام فيها بمونتاج لوجو الإدارة العامة للشئون الإدارية بجامعة الأزهر وتوقيع المدير العام وخاتم الإدارة مما يدل دلالة قاطعة على أنه اصطنع هذا المستند على غير الحقيقة، ومن ثم يكون الطاعن قد سلك سلوكا مشينا يتعارض مع صفته كعالم مسلم وتتحقق مسئوليته التأديبية عن هاتين المخالفتين الثابتتين في حقه ثبوتاً لا يقبل الشك ولا يزايله اليقين بما يستوجب مُجازاته تأديبياً.
واختتمت المحكمة، أنها وهي بصدد وزن العقوبة التأديبية الواجب إنزالها بحق الطاعن تضع في اعتبارها أن هاتين المخالفتين كانتا الأولتين في عمره الوظيفي، وقد جفت الأوراق عما يشين تاريخه الوظيفي السابق، لا سيما وأن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن التصريح بالعمل خلال مدة الإجازة الخاصة بدون مرتب لا يعدو أن يكون في حكم الإعارة ومن ثم يتعين أن ينضبط بضوابطها ويتقيد بمددها فتحسب مدته ضمن الحد الأقصى المضروب لها حتى لا تكون الإجازة بدون مرتب لمرافقة الزوج حيلة للالتفاف على حكم الإعارة مما مؤداه أن كل عمل بالخارج يعد إعارة لا يجوز أن يتجاوز مدته أقصى مدة لها، وهو الأمر الذي يتوجب معه على جامعة الأزهر أن تعتبر مدة الطاعن التي عمل بها بالخارج أثناء مرافقة زوجته ضمن مدد إعارته المقررة قانوناً، ويتعين على المحكمة التدخل لإعادة تقدير الجزاء الموقع على الطاعن في ضوء كل ما سبق لما شابه من غلو، وهو ما تقدره المحكمة بمجازاته بعقوبة اللوم مع تأخير العلاوة المستحقة.