قضت المحكمة التأديبية، بقبول الطعون من رقم 104 لسنة 55 قضائية حتى 109 لسنة 55 قضائية، شكلًا وفي الموضوع، بإلغاء القرارات المطعون فيها فيما تضمنته من مجازاة خمسة من وكلاء الوزارة، وأحد المديرين العموم بالجهاز المركزي للمحاسبات بعقوبة التنبيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، بعد ثبوت صدور القرارات على غير سبب صحيح من واقع أو قانون.
وأكدت المحكمة إنه بشأن المخالفات المنسوبة للطاعنين الستة، وهم وكلاء الوزارة "ع ش" و"ع.ع" و"خ.ص" و"م.ح" و"س.ر" ، والمدير العام "ع.م" والمتمثلة في إقامتهم إقامة كاملة بفنادق أثناء مدة المأموريات المكلفين بها بشركة مياه الشرب والصرف الصحي لمحافظات القناة دون الحصول على موافقة السلطة المختصة بالمخالفة لأحكام الكتاب الدوري رقم (1) لسنة 1999.
وتبين للمحكمة أنه قد صدر للطاعنين أوامر تكليف وتصريح بالسفر لأداء تلك المأموريات، موقع عليه من مدير إدارة مراقبة حسابات المرافق بالجهاز المطعون ضده، ونظرا لما هو معلوم ومؤكد بكتب الشركة من عدم وجود استراحات للشركة في هذا الحين ولإقامة الطاعنين بمحافظات مختلفة.
وتضمن الحكم أن الطاعنين الستة أقاموا أثناء قيامهم بالمأموريات إقامة كاملة تشمل الوجبات الغذائية بفنادق محافظات القناة الثلاث، بناء على اتفاق بين الشركة وإدارة تلك الفنادق كبديل للاستراحة، وقد حرروا مفاد ذلك باستمارات طلب صرف مصروفات الانتقال وبدل السفر موضحين أن الإقامة كاملة وتمت بمعرفة الشركة، وهو ما لا يحمل في طياته نوايا إخفاء لواقع أو تورية على إقامته إقامة كاملة على نفقة الشركة كبديل للاستراحة.
وبشأن ما أثير بالأوراق من أن الطاعنين خالفوا قرار رئيس الجهاز الصادر بتاريخ 29/12/1997 ومن بعده الكتاب الدوري رقم (1) لسنة 1999 الصادر عن مكتب الجهاز المركزي للمحاسبات والموقع من وكيل الجهاز بناء على أحكام لائحة العاملين بالجهاز الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم (196) لسنة 1999 بأن أقام إقامة كاملة بفنادق تعاقدت معها الشركة المذكورة.
فإن البند أولا من هذا الكتاب الدوري فيما تعلق بالمأموريات الداخلية قد نص على أنه "يحظر على أعضاء الجهاز الفنيين لأي سبب من الأسباب استخدام الإعاشة الكاملة (المبيت + الأكل) في استراحات الوحدات الخاضعة لرقابة الإدارة إلا في حالة توافر الشروط الآتية:
1ـ وجود مناطق المراجعة في أماكن نائية بعيدة عن العمران، وعدم وجود وسائل انتقال متاحة للوصول إليها
2ـ موافقة رئيس الجهاز وبعد العرض عليه من وكيل الجهاز المختص
وسبقت الإشارة إلى أن الطاعنين الستة قد تم تكليفهم رسميا بهذه المأمورية من مدير الإدارة محل عمله، وقد تبين بما لا يدع مجالا لجدل أن الشركة المذكورة ليس لها استراحات، ومن ثم وفرت له محل إقامة لمدة المأمورية بفنادق سبق التعاقد معها، وهي إقامة تخضع في نظمها وما تشتمله من خدمات لنُظُم إدارة هذه الفنادق، ومن غير الـمُتصوَّر أن يقيم نزيل بأحد الفنادق أيا كانت تبعيته دون خدمات يقدمها الفندق لهذا النزيل، تدخل مباشرة في قيمة حجز الغرفة المخصصة للإقامة، غير متوقفة على إرادته أو طلبه، فهي من مُحدِّدات مستوى الفندق من الناحية التقييمية للفنادق على العموم، لا يختلف الأمر بشأنها بين نزيل مكلف بمأمورية عمل أو آخر أقام بالفندق عَرَضا لسبب غير العمل.
فكان قيام الشركة بحجز الغرف للطاعنين كبديل عن استراحة تلتزم بتوفيرها هو الإجراء الواجب حفظا للقائم بالمأمورية من البحث عن محل إقامة في محافظة تبعد عن محل سكنه، ومن المنطقي ألا ينشغل القائم بالمأمورية بأمر بنود هذا الحجز وما إذا اشتمل على وجبات غذائية من عدمه، فالأصل والواجب هو تفرغه الكامل لأداء مأموريته الرقابية لا أن ينشغل بالبحث عن محل لراحته بعد عناء العمل أو ينشغل بالبحث عن طعامِ أيٍ من أيام المأمورية المكلف بها، وهو ما كان يتعين من الأصل على الجهاز محل عمله الوقوف عليه وتوفيره درءا لما هو معلوم من أمور لا تليق بالموظف العام على عموم مفهومه والعضو الفني بجهاز رقابي على وجه الخصوص.
ويضاف إلى ذلك أن حظر استخدام الإعاشة الكاملة (المبيت + الأكل) الذي نص عليه البند (أولا) من الكتاب الدوري رقم (1) لسنة 1999 سالف الذكر إنما يقتصر على الإقامة باستراحات الوحدة الخاضعة للرقابة، ومن ثم فلا مجال لإعمال هذا الحظر إذا تعلق الأمر بالإقامة بأحد الفنادق لتعذر الإقامة باستراحات الوحدة، سواء لعدم وجود استراحات لديها أو لعدم وجود أماكن شاغرة فيها، وفى هذه الحالة تخضع الإقامة في الفنادق للشروط والقواعد التي تقررها إدارة الفندق التي قد تجعل الإقامة شاملة لجميع الوجبات، بما يتعذر معه على عضو الجهاز مناقشة هذه الشروط لقبولها أو رفضها كما سلف البيان.
فضلا عما تبين بمذكرة الإدارة المركزية للتفتيش الفني ومراقبة الجودة من موافقة السلطة المختصة على تلك المأمورية المنوط بالطاعن القيام بها شاملة الإقامة الكاملة فيما تعلق برأي هذه الإدارة في البند أولا من الادعاء الخامس الوارد بالشكوى، فما كانت إقامة الطاعنين بالاستراحة التي خصصتها له الشركة المذكورة بإرادتها ودون تدخل منه بطلب أو اشتراط إلا ضرورة اقتضتها مصلحة العمل، لم تنعكس سلبا على حياده في ممارسته عمله حسبما نطقت الأوراق والتحقيقات.
كما تبين بمذكرة التفتيش بعدم وجود مخالفة من مجموعة العمل ومنهم الطاعنين في استخدام استراحات أو سيارات الشركة المذكورة لوجود موافقات من السلطة المختصة بالجهاز على الإقامة الكاملة وإثباتهم مفاد ذلك باستمارات صرف بدلات السفر، وأوصت تلك الإدارة بمذكرتها المنوه عنها بمخاطبة الأمانة العامة بالجهاز لإصدار تعليمات عامة تعالج أمر الإقامة في الفنادق حال عدم توافر استراحات بالوحدات الخاضعة للرقابة.
مما ينضح بمشوبة النظم الحاكمة لهذا الشأن بعدم الوضوح الكامل وعدم تغطية كافة الفرضيات التي قد يتعرض لها القائم بالمأمورية في هذا الخصوص، فلا ترتضي العدالة أخذ الطاعنين بالجزاء عما نسب إليه في هذا الشأن، إذ ثبت للمحكمة أنه يُعَد مجافاة للواقع القول بخروجهم على مقتضى واجبهم الوظيفي، مما يقوم معه القرارات المطعون فيها على غير سبب صحيح من واقع أو قانون، خليق بالإلغاء، ولهذه الأسباب المحكمة أحكامها المتقدمة.