قطاع الأعمال العام من أهم الأعمدة الاقتصادية المصرية التي كانت تقود قاطرة التنمية وقت الأزمات والحروب، تأسس في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وكان أهم مصانع وشركاتها مصانع الغزل والنسيج التي جعلت من المحلة الكبرى قلعة الصناعة المصرية، وأصبحت المنتجات المصرية تنافس العالمية وتردد شعار 'صنع في مصر'، وكذلك مجمع الألمونيوم ومصانع الحديد والصلب المصرية، ومع مرور الوقت وبدأ الانفتاح بدأ انهيار القطاع مع الاتجاه للاستيراد، لتأتي بعد ذلك سياسة 'الخصخصة'، ليتم بيع كل ما هو عام بأسعار زهيدة ويتم تدمير الصناعة المصرية في كل مجالاتها ليضيع شعار 'صنع في مصر'.
تعود الخصخصة في ثوبها الجديد بسبب الخسائر التي تتكبدها شركات قطاع الأعمال العام، ويرى الخبراء أنه لابد من التطوير بدلا من البيع وإهدار المال العام ولابد من عودة ممتلكات الدولة.
حالة من الغموض
من جانبه قال الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادي: 'يعاني قطاع الأعمال من تخبط في القرارات فلا يوجد خطوة سليمة سوى التفكيك تحت مسمى قرارات التصفية، كما حدث في شركات القومية للأسمنت وما يسمى بإعادة الهيكلة من تفكيك ودمج كم حدث في قطاع الغزل والنسيج من قرارات ونفيها ،الحكومة بتضخ المليارات في قطاع الغزل والنسيج كلها بالخسارة لا هناك تصفية ولا هناك استمرار'.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن شركة الحديد والصلب بتحقق خسائر ومع ذلك لا يوجد قرار واضح سوى التخبط والضعف، ولا يوجد خطة متكاملة للنهوض بالقطاع بل حالة اشبه بالغموض، موضحا أن الرؤية التنافسية غير موجودة كمشروع السيارات الكهربائية وتحويل محركات السيارات إلى غاز تصريحات غريبة ومتضاربة.
وأشار النحاس إلى وجود أزمة وهي في الهيكل الإداري والعمالة، مطالبا بأن يكون التطوير من أهل الخبرة داخل الشركة والمصانع أولا ثم بيوت الخبرة الخارجية ثانيًا، وإعطاء الطمأنينة للعمال بمشاركتهم في عملية التطوير والتحديث لتلافي الخسائر، فلهذا السبب لا توجد شركة استطاعت تحقيق الأرباح إلى الآن مقارنة بحجم أصول الشركات أو المصانع ورأس المال.
لا رؤية قوية ولا حل
وقال الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، إن هناك بعض الوزراء لا يعملون القدر الكافي ويتم تعويض ذلك بالتصريحات والمؤتمرات، ولا يوجد أي إنجاز حقيقي ومثال على ذلك مصنع الحديد والصلب، فهو الآن مطروح للبيع وتم بيع الحديد خردة بـ900 مليون جنيه لأحد رجال الأعمال وهو المنافس.
وأضاف الخبير الاقتصادي في تصريحه الخاص لـ'أهل مصر'، أن كل وزير يتولى وزارة قطاع الأعمال، يصرح بأنه لا يوجد لديه 'فلوس' ويحتاج إلى تطوير، فمثلا بيع 60% من المغازل بحجة تنشيط 40%، أمر غير منطقي للأسف مسؤولين غير متخصصين.
وأضاف أنه لا يوجد وزير قوى لديه رؤية وتصور وحلول أو فكرة، قطاع الأعمال من أهم قطاعات الدولة بل هو أهمهم للأسف الدولة بتعامل معه على أنه قطاع هامشي، وهو قطاع مهم جدا ومحوري بيضم المحلة الكبرى التي كانت بتحل أزمات ومشاكل بمصر وقت الحروب بالعكس كانت بتصدر للخارج، كيف لهذا الصرح أن يكون خاسر؟.
وأشار إلى أن هناك معوقات تواجه القطاع كعدم وجود تدريب لمواكبة التطور، بالإضافة للوائح القديمة التي تحتاج إلى تطوير وأيضا طريقة اختيار القيادات بالإدارات والتي للأسف أغلبها من أهل الثقة وليس من أهل الكفاءة، بجانب فرق المرتبات بين القطاعي العام والخاص.
أزمة ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز
ومن جانبه علق خالد الفقي عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، ورئيس النقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية، قائلا: 'عندما تعمل شركات الحديد والصلب وشركة النصر للسيارات ومجمع الألمونيوم ومصانع الغزل والنسيج، وقتها نستطيع أن نتحدث ونقول أن لدينا قطاع أعمال'.
وأوضح الفقي، أن الشركات الكبرى في قطاع الاعمال تواجه مشاكل أهمها أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الكهرباء والغاز وهذه أزمة وأشكالية كبيرة تزيد من تدهور الأوضاع، من يستطيع أن يصدق بخسائر مجمع الألمونيوم والمصانع المعدنية ومصانع السبائك، موضحا أنه لابد من التقدم من أجل النهوض بالصناعة وذلك القطاع الهام.
وأشار الفقي إلى تعطيل مجمع الالمونيوم وشركات السبائك رمضان ع الحديد والصلب والخزف الصيني حيث أن كل هذه المصانع والشركات مستهلكة للكهرباء والغاز وتم رفع أسعار الطاقة عليهم كمجمع الألمونيوم فعندما تم رفع سعر الكهرباء قرش بيتم رفع التكلفة لـ50 مليون جنيه مع وجود زيادة في الحساب بخلاف زيادة أسعار المواد الخام.
وطالب الفقي، الحكومة بخفض أسعار الكهرباء والغاز لشركات قطاع الأعمال لتستطيع العمل في ظل تلك الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم، مؤكدا ضرورة التطوير والإصلاح والتجديد والتحديث رافضا فكرة الخصخصة والعودة اليها قائلا: 'إننا ضد الخصخصة ولا نقبلها فهي قوة قاتلة للصناعة المصرية والعمال'.
البورصة المصرية هي الحل الوحيد لإنقاذ قطاع الأعمال
ويرى الدكتور رمضان معروف الخبير الاقتصادي، إن خطورة الموقف في التعامل مع التخبط والعشوائية في القرارات وإصدار تصريحات عشوائية ما بين البيع والدمج والتطوير والتخبطات والتناقضات، وكل ذلك لا يمثل شئ حقيقي في التطوير.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أنه إذا كان هناك مستثمر ينظر إلى الاستثمار في القطاع فانه لا يثق في القرارات، وينعكس ذلك بالسلب على حالة الاستثمار، موضحا أنه لابد من اتخاذ قرارت واضحة بشان التطوير وإعادة الهيكلة حيث يملك هذا القطاع الكثير من الموارد العقارية والأراضي والمكن والبشرية ايضا فضلا عن التسويق من خلال السوق المحلي وغيره.
وأكد الخبير الاقتصادي أن البورصة المصرية هي الوسيلة والحل الوحيد لإنقاذ قطاع الأعمال، وإعادة الربحية له من خلال طرح أسهم للاستثمار وتجنب فكرة البيع للشركات، بالإضافة لضرورة إعادة هيكلة وتطوير أداء الشركات وخطوط الإنتاج وتوسيع السوق المحلي والخارجي والعودة مرة أخرى للتصدير ولكن كل ذلك مشروط بالتوجه الحكومي والابتعاد عن فكرة الخصخصة.
'لا لبيع قطاع الأعمال العام.. نعم للتطوير'
وفي ذات السياق يقول المهندس محمد فرج الأمين العام المساعد لحزب التجمع وأمين عام العمل الجماهيري: 'بداية 'لا للبيع نعم للتطوير'، لابد من وجود توجه لتطوير قطاع الاعمال العام ومعالجة الاختلال الاقتصادي والتكنولوجي الذي تم إهماله لسنوات عبر تغيير الحكومات والأنظمة منذ نشأته في عهد عبد الناصر، حيث أهمل القطاع نتيجة الانفتاح والاهتمام بالاستيراد على حسب الانتاج والتصدير ليهمل بشكل كامل في عهد مبارك'.
وأوضح فرج: 'عندما ظهرت الخصخصة تم بيع الأصول بحجة أن الدولة صانع وتاجر فاشل والمستثمر أفضل في تطوير الاستثمار والعملية الإنتاجية ككل، ونظرية الخصخصة منذ التسعينات وأصبحت سياسة متبعة وهي سياسة 'التثبيت والتكييف الهيكلي' في المعنى الاقتصادي وتحولت الصناعة والزراعة والخدمات من إدارة وملكية الدولة إلى الأفراد'.
وتابع فرج أن الدولة المصرية كانت تمتلك اعداد كبيرة من المصانع والجمعيات التعاونية ومحطات الكهرباء والعديد من المصانع والشركات الكبرى كقطاع اعمال عام وبجانبها قطاع خاص صغير، ومع الخصخصة أصبح العكس صحيح حيث أهدرت الخصخصة ثلاثة أرباع ما تملكه الدولة من قطاع صناعي، وتم بيع شركات كبرى للأفراد وأبرزها كانت شركة حديد الدخيلة إلى تبيعت بالخسارة، وأصبحت حديد عز وتحولت ملكيتها من دولة إلى فرد، وكذلك شركات الغزل والنسيج والتي أهملت لتخسر فتدخل الدولة في إصلاحها من أجل بيعها وليس تطويرها، وبالتالي أهدر المال العام في هذه الفترة بسبب نقل ملكيات الدولة للأفراد، بجانب الفساد في عمليات البيع بمعنى أن الجهة التي تبيع هي من تحدد السعر وبيكون أرخص بكثير من سعر الأرض.
وأشار فرج إلى أن القطاع يعاني من مشكلة الإدارة، فهي تقليدية قديمة ولابد من تطويرها لمواكبة التطور العالمي، وكذلك المكن والآلات، بالإضافة للطاقات المعطلة في الشركات كمساحات الأراضي الواسعة والتي يتم الاعتداء عليها من الأفراد ولا تستغل لصالح الشركات، في حين أنه يمكن أن نتوسع فيها ونستثمرها للتطوير واذا تم البيع فيكون لصالح الشركة وليس لمعالجة موازنة الدولة ،فأموال الطاقات المعطلة لابد أن تستثمر في شراء ماكينات وتطوير أجور العمال والإدارة، ولابد من وجود مجالس ادارات جديد تكون من ذوى الكفاءات، بمعنى أن الأموال تكون لصالح تطوير الصناعة وليس لعلاج مشكلة العجز في موازنة الدولة وكل هذا يحتاج إلى خطط استراتيجية واعتقد انها بدأت بتطوير الحديد والغزل بداية من زراعة القطن وتطوير المكن، والعمل على التخصص في صناعة معينة ليصبح لدينا تكامل في عمليات التصنيع.
وأردف فرج: 'قطاع الأعمال العام لا يتناقض مع الخاص ولكننا ضد تحويل قطاع الاعمال لخصخصة ،نشجع المستثمر للاستثمار في بلادنا، ونشجع كل من يضيف طاقة صناعية لنا ،كما انه لابد من المحافظة على أدوات التمويل الرئيسية كالبنوك العامة والتي نرفض خصخصتها كبنك مصر والبنك الأهلي، فتلك هي أدوات الدولة مع تطوير جهاز متكامل مالي وصناعي وتجاري وخدمي تديره وتملكه الدولة لصالح الطبقة العاملة بجانب ذلك هتظهر للعمل صناعات متوسطة وصغيرة، وبالتالي يبدأ التصدير والإنتاج والعودة لشعار 'صنع في مصر'.
وطالب فرج بتطوير القطاع العام رافضا بيعه، قائلا إن الحكومة لديها تيارين واحد مع الحفاظ على الصناعة الوطنية ويتمثل في اتحاد الصناعات والأخر وهو تابع للدولة العميقة يهتم بالسياحة والدخل الريعي والبورصة والتوكيلات التجارية، رافضا الصناعة مؤيدا السمسرة وحركة البيع والشراء ويعد تيار تجاري، موضحا أن التيار الوطني يريد الصناعة الوطنية فهي قاطرة التنمية.