شهدت الأسواق أسبوعًا متقلبًا، إذ كانت التوترات الجيوسياسية المحيطة بصراع أوكرانيا وروسيا، ونتائج اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الذي مال إلى تشديد السياسة النقدية هما المحركان الرئيسيان للسوق.
وأنصب تركيز المستثمرين الرئيسي على نبرة الاحتياطي الفيدرالي التي تميل إلى تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر، حيث أن قرار رفع سعر الفائدة في مارس لا يزال وشيكًا. وشهد سوق السندات موجات بيع مكثفة مع تسطح منحنى العائد، بينما تمكن سوق الأسهم الأمريكية من إنهاء تداولات هذا الأسبوع المضطرب بارتفاع طفيف. جاءت غالبية البيانات الاقتصادية الأمريكية قوية مع حدوث مفاجأة تمثلت في تسجيل الناتج المحلي الإجمالي اتجاهًا صُعُودِيًّا، كما سجل مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي أعلى مستوى له في 40 عامًا. وفيما يتعلق بالأسواق الناشئة، فقد كان أسبوعًا حافلًا باجتماعات السياسة النقدية، إذ قامت العديد من البنوك بتشديد سياستها النقدية.
تحركات الأسواق
سوق السندات:
تراجعت سندات الخزانة الأمريكية على مستوى جميع فترات الاستحقاق على خلفية نبرة تشديد السياسة النقدية الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي خاصة في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. ففي المؤتمر الصحفي، سلط باول الضوء على أن هذه الدورة المالية مختلفة عن الدورات السابقة، وذلك في ظل قوة الاقتصاد، وازدهار سوق العمل، وارتفاع التضخم بشكل أكبر. بينما استبعد بيان الاجتماع عبارات مثل 'تدريجي' أو 'محسوب'، والتي تم استخدامها في دورات التشديد السابقة للإشارة إلى وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة القادمة، مما ترك جميع الخيارات مفتوحة أمام الاحتياطي الفيدرالي. تراجعت سندات الخزانة على خلفية تفاعل المستثمرين مع تصريحات باول، مع استعداد الأسواق لحدوث دورة تشديد بشكل أسرع مما كان متوقعًا. وقد أدى هذا بدوره إلى تراجع سندات الخزانة قصيرة الأجل بشكل حاد، إذ أنها أكثر حساسية لتغيرات أسعار الفائدة، مما أدى إلى تسطح منحنى العائد. وتجدُر الإشارة إلى تباين أداء سندات الخزانة في مطلع هذا الأسبوع قبيل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. وساهمت التوترات الجيوسياسية في تحقيق سندات الخزانة لمكاسب في وقت سابق من هذا الأسبوع. علاوة على ذلك، عوضت سندات الخزانة يوم الجمعة جزءًا من الخسائر التي تكبدتها عقب اجتماع الاحتياطي الفيدرالي على خلفية موجات الشراء التي قام بها المستثمرون في نهاية الشهر لإعادة موازنة محافظهم الاستثمارية.
وعلى صعيد عوائد سندات الخزانة، ارتفعت عوائد السندات قصيرة الأجل ذات أجل عامين، وذلك للأسبوع السادس على التوالي، إذ ارتفعت بمقدار 15.98 نقطة أساس لتصل إلى 1.164 %، لتسجل بذلك أعلى ارتفاع أسبوعي لها منذ أكتوبر 2019. ومن الجدير بالذكر أن عوائد سندات الخزانة أجل عامين قد وصلت إلى 1.19 % يوم الخميس، لتسجل بذلك أعلى مستوى لها منذ فبراير 2020. كما ارتفعت عوائد سندات الخزانة أجل 5 أعوام بمقدار 5.47 نقطة أساس لتصل إلى 1.613 % بعدما وصلت إلى 1.685 % يوم الأربعاء، لتسجل بذلك أعلى مستوى لها منذ يناير 2020. وفي هذه الأثناء، ارتفعت السندات طويلة الأجل ذات أجل 10 أعوام بمقدار 1.23 نقطة أساس لتصل إلى 1.772 %.
العملات:
ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 1.70 % بعدما حقق مكاسب في كل جلسة من جلسات تداول هذا الأسبوع، وذلك للمرة الأولى منذ يوليو 2019. وسجل الدولار الأمريكي أعلى مكسب أسبوعي له في 68 أسبوعًا (منذ 25 سبتمبر 2020)، مدفوعًا بتوقعات الأسواق بحدوث دورة تشديد للسياسة النقدية بشكل أسرع مما كان متوقعًا، وتصريحات باول التي تميل إلى تشديد السياسة النقدية، فضلًا عن التوترات الجيوسياسة. وتجاوز مؤشر الدولار مستوى 97 دولارًا أَمْرِيكِيًّا، وذلك للمرة الأولى منذ يوليو 2020. وتراجع اليورو، حيث انخفض بنسبة- 1.70 % وذلك للأسبوع الثاني على التوالي، ليسجل بذلك أكبر خسارة أسبوعية له منذ منتصف يونيو وسط استمرار تصاعد حدة التوترات بين روسيا وأوكرانيا. كما انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة- 1.12 %، وذلك للأسبوع الثاني على التوالي، حيث تراجع إلى أدنى مستوى له في 12 أسبوعًا على خلفية قوة الدولار، إذ جاءت الخسائر قبل اجتماع بنك إنجلترا هذا الأسبوع. وانخفض الين الياباني بنسبة- 1.37 %، ليتراجع بذلك إلى أدنى مستوى له منذ منتصف شهر أكتوبر مقابل الدولار الأمريكي القوي، وعلي خلفية قرار لجنة السياسة النقدية بالاحتياطي الفيدرالي.
تراجعت أسعار الذهب بنسبة 2.39 % لتستقر عند 1791.53 دولارًا/ للأوقية، لتسجل بذلك أكبر انخفاض أسبوعي منذ أغسطس 2021. وأدت التوقعات بحدوث دورة رفع لسعر الفائدة بشكل أسرع مما كان متوقعًا، والمدعومة بتصريحات باول في المؤتمر الصحفي، والتي مالت إلى تشديد السياسة النقدية إلى الضغط على أسعار المعدن الأصفر غير المدر للعائد.
عملات الأسواق الناشئة
فيالأسواق الناشئة، واصل مؤشر مورجان ستانلي لعملات الأسواق الناشئة موجة الخسائر التي بدأها الأسبوع الماضي، حيث انخفض بنسبة 0.62 %، ليسجل بذلك أكبر خسارة أسبوعية له منذ نوفمبر 2021، إذ كان هذا الانخفاض ملموسًا يوم الخميس، حيث وصل مؤشر الدولار إلى أعلى مستوى يومي له في 18 شهرًا تقريبًا بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وعلى خلفية اعتبار الأسواق لتصريحات باول في المؤتمر الصحفي بأنها تميل إلى تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر. وشهدت معظم العملات التي يتتبعها مؤشر بلومبرج تراجعًا، باستثناء عملتين.كان الريال البرازيلي الأفضل أداءً هذا الأسبوع، حيث ارتفع بنسبة (+ 1.30 %)، إذ أظهر مرونة قوية في مواجهة عزوف المستثمرين عن المخاطرة، وذلك في ظل اتجاه المستثمرون الأجانب إلى الأصول المحلية، وفي ظل تسجيل معدل البطالة لمستوى أدنى بكثير مما كان متوقعًا، مما دعم الريال بشكل أكبر. وخلال الشهر الماضي، ضخ المستثمرين الأجانب 9.2 مليار دولار أمريكي في المشتقات التي تراهن على عملة الريال، حيث شهدت العملة أكبر إقبال للمستثمرين في 4 سنوات، كما شهدت الأسهم المحلية تدفقات وافدة بمقدار 4.3 مليار دولار أمريكي.
وأدت دورة تشديد السياسة النقدية البرازيلية القوية، بالإضافة إلى تفضيل المستثمرين إ العوائد المرتفعة والعملات المرتبطة بالسلع الأولية إلى دعم الريال البرازيلي وأدوات الدين المحلي. وحقق البيزو الفلبيني مكاسب، ليرتفع بنسبة (+ 0.30 %)، حيث جاء نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع أعلى من الربع السابق بقياس سنوي، وسجل معدل النمو مستوى أعلى بكثير مما كان متوقعًا. كما دعم التقدم الذي أحرزته الدولة في حملة التطعيم عملتها بشكل كبير خلال منتصف هذا الأسبوع.
وكان الراند الجنوب إفريقي العملة الأسوأ أداءً خلال الأسبوع، حيث انخفض بنسبة(- 3.18 %)، ليسجل بذلك أسوأ أداء أسبوعي له منذ نوفمبر 2021، نتيجة قوة الدولار الأمريكي، وعلى خلفية اعتبار الأسواق أن نتائج اجتماع البنك الاحتياطي لجنوب إفريقيا تميل إلى تيسير السياسة النقدية، على الرغم من رفع سعر الفائدة الحالي ر حيث أن الفوائد المستقبلية الناتجة عن نموذج التوقعات جاءت أقل من التوقعات السابقة. وكان الزلوتي البولندي ثاني أسوأ أداءً هذا الأسبوع، حيث انخفض بنسبة(- 2.81 %) على خلفية قوة الدولار الأمريكي، ومع كون التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا تشكل خطرًا كبيرًا على العملة البولندية، إذ تعتمد البلاد بشكل كبير على واردات النفط الروسية.
أسواق الأسهم:
أنهت الأسهم العالمية تداولات الأسبوع بإغلاق متباين، وذلك خلال أسبوع متقلب حافل بالأحداث وسط التوترات الجيوسياسية، وقلق المستثمرين قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، واستعداد الأسواق لرفع أسعار الفائدة بشكل أسرع مما كان متوقعًا عقب اجتماع الاحتياطي الفيدرالي، وصدور أرباح الشركات الفصلية القوية.تمكنت الأسهم الأمريكية الكبرى من إنهاء تداولات هذا الأسبوع المضطرب على ارتفاع، حيث سجل مؤشر ستاندرد آند بورز S & P 500 أول مكسب أسبوعي له في 2022، ليرتفع بنسبة 0.77 % عقب سلسلة خسائر دامت لثلاثة أسابيع، مع تسجيل 33 % من أصل 500 شركة لأرباح فصلية أفضل مما كان متوقعًا.
وفي مطلع هذا الأسبوع، شهدت الأسهم الأمريكية موجات بيع مكثفة على خلفية التوترات الجيوسياسية، والتوقعات بتشديد السياسة النقدية، وتصريحات باول التي اعتبرتها الأسواق أنها تميل إلى تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر مما كان متوقعًا.
وفي يوم الجمعة، انتعش المؤشر، حيث ارتفع بنحو 2.43 %، ليسجل بذلك أكبر مكسب يومي له، مدعومًا بأرباح الشركات الفصلية. من الجدير بالذكر أن المؤشر لا يزال أقل من متوسطه منذ بداية العام بنسبة 7.6 %،، (كما لا يزال دون أعلى مستوياته القياسية الأخيرة بنسبة 7.6 %). وحقق مؤشر داو جونز الصناعي Dow Jones مكاسب، حيث ارتفع بنسبة 1.34 % عقب سلسة خسائر دامت لثلاثة أسابيع، بينما أنهى مؤشر ناسداك المركب للأسهم التكنولوجية الكبرى Nasdaq تداولات هذا الأسبوع دون تغيير، مع بقاء المؤشر في منطقة التصحيح.
ارتفع مستوى التقلبات طبقًا لقراءات مؤشر VIX لقياس تقلبات الأسواق خلال تعاملات هذا الأسبوع، حيث وصل المؤشر إلى أعلى مستوى له عند 31.96 نقطة، ولكنه تراجع بعد ذلك لينهي تداولات الأسبوع عند مستوى أدنى من مستواه الجمعة السابقة بمقدار 1.19 نقطة، ليستقر بذلك عند 27.66 نقطة. من الجدير بالذكر أن هذا المعدل لا يزال مرتفعًا، فهو أعلى بكثير من متوسطه منذ بداية العام وحتى تاريخه والبالغ 23.09 نقطة.
وفي أثناء ذلك، تراجعت الأسهم في أوروبا خلال تداولات هذا الأسبوع، حيث انخفض مؤشر STOXX 600 بنسبة- 1.87 %، ليسجل بذلك رابع خسارة أسبوعية له على التوالي، وأكبر خسارة أسبوعية له منذ نوفمبر 2021، حيث أثرت احتمالات تشديد السياسة النقدية، والتوترات الروسية مع أوكرانيا على المؤشر. وتجدر الإشارة إلى أن تراجع المؤشر جاء بقيادة أسهم التكنولوجيا والسيارات. وبالمثل، اتبعت المؤشرات الأوروبية خطى نظرائها في الولايات المتحدة، حيث تراجع مؤشر CAC 40 الفرنسي، ومؤشر DAX الألماني، ومؤشر FTSE 250 البريطاني بنسبة- 1.45 %، و- 1.83 %، و- 2.78 % على التوالي.
وبالانتقال إلى الأسواق الناشئة، تراجع مؤشر مورجان ستانلي للأسواق الناشئة MSCI EM بشكل كبير، حيث انخفض بنسبة 4.27 % خلال تعاملات هذا الأسبوع، ليسجل بذلك أكبر خسارة أسبوعية له منذ أغسطس 2021. وسيطرت حالة عزوف المستثمرين عن التداول هذا الأسبوع، مع استعداد السوق لإشارة الاحتياطي الفيدرالي إلى اتجاه وسرعة تشديدهم للسياسة النقدية خلال النصف الأول من الأسبوع قبل الاجتماع، وتفاعله مع اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة وتصريحات باول التي تميل إلى تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر مما كان متوقعًا خلال النصف الثاني من هذا الأسبوع. تراجعت معنويات المخاطرة بشكل أكبر بسبب التوترات الجيوسياسية نتيجة للصراع الروسي الأوكراني حيث بلغت التوترات ذروتها خلال الأسبوع. من الجدير بالذكر أن تصريحات موسكو وواشنطن التي أشارت إلى استعداد الطرفين لترك الباب مفتوحًا للحوار ساعدت على استقرار الأصول الروسية والأوكرانية بنهاية الأسبوع.
البترول:
استمرت أسعار النفط في التصاعد، وذلك للأسبوع السادس على مر التوالي، حيث ارتفعت بنسبة 2.435% لتكسر مستوى 90 دولارًا للمرة الأولى منذ أكتوبر 2014.
وجاءت الزيادة على خلفية التهديدات بأن التوترات الجيوسياسية المتعلقة بالصراع بين روسيا وأوكرانيا يمكن أن تعطل قنوات إمداد النفط الرئيسية، خاصة أن روسيا هي واحدة من أكبر مصدري النفط في العالم، بالإضافة إلى ذلك، أدى خفض الإنتاج الكلي وارتفاع الطلب على أمل العودة إلى معدلات نقل النفط الطبيعية هذا العام وسط تعافي الإنتاج من وباء فيروس كورونا، دفع الأسعار إلى الارتفاع.
ومن الجدير بالذكر أن أسعار النفط قد ارتفعت بنسبة 14% منذ بداية عام 2022.